حركة مجتمع السلم

مقال: قمة بلا قرار.. وخيارات بلا أفق..

في لحظة تاريخية تعصف فيها الأزمات بالمنطقة، انعقدت القمة العربية – الإسلامية التي دعت إليها دولة قطر  محملة بآمال عريضة وتطلعات جماهيرية، عقب الاعتداء الصهيوني المزدوج على الدولة الشقيقة وعلى قيادة المقـ..ا|ومة الفلسـ..ـطينية  الباسلة ممثلة في وفدها المفاوض، لتمثل اختبارا لمدى صدقية الخطاب الوحدوي أمام محك الميدان. لكن مخرجاتها بدت أقرب إلى #إعادة_تدوير البيانات التقليدية منها إلى صياغة موقف موحد.، وبرزت حقيقة تآكل قدرة العمل المشترك على تحويل الأقوال إلى سياسات تتسم بالجرأة والفاعلية.

إن حاجة الأمة في هذا الظرف العصيب إلى قيادة إقليمية تقود مسارا جديدا نحو التحرر من كل مظاهر الإحباط التي ساهمت فيها انكسارات الحلفاء باتت ملحة، غير أن النتائج المتواضعة كشفت فراغا قياديا لدى حكام الدول العربية والإسلامية يتجاوز حدود الاجتماع ذاته، ليطرح إشكالية أعمق: من يملك اليوم القدرة على إعادة بناء توازن عربي – إسلامي يواجه الأزمات المتلاحقة والمحتملة ويملأ فراغ الفعل والقرار.

لقد استهدف مسار التوسع الصهيوني دولة عربية مسلمة أخرى لتضاف إلى سلسلة الدول المعتدى عليها (فلسطين، لبنان، سوريا، اليمن، العراق، إيران، تونس)، واليوم قطر، ولا ندري من سيكون الهدف غدًا. وكان الأصل أن تشكل القمة فرصة نادرة لتوحيد موقف رادع يفرض حسابات جديدة في الساحتين الإقليمية والدولية، بالنظر إلى مقدرات الأمة وإمكاناتها، التي لو اجتمعت على موقف حقيقي لردعت المحتل الغاصب، لكن الجبل تمخض فلم يلد شيئا؛ فكان حال البيان الختامي مجرد صياغة إدانة وتضامن ودعوات عامة لمراجعة العلاقات، بلغة رمزية بلا آليات تنفيذية، جعلت منه محطة احتجاجية شكلية لا أكثر.

وفي ذات وقت انعقاد القمة كان الرد الصهيو-أمريكي، حيث عُقد لقاء بين وزير الخارجية الأمريكي ورئيس وزراء الكيان أدو عقبه الصلوات التلمودية أمام حائط البراق وكانت لهم مشاركة فعلية ورمزية في حفر نفق صهيوني يمر تحت بلدة سلوان ويصل حتى المسجد الأقصى، وهو ما يعرف بطريق الحج المؤدي إلى الهيكل اليهودي المزعوم، مما يؤكد الدور الأمريكي العقدي المباشر في تحديد سقف التحرك السياسي المقابل والتأكيد على “حق الكيان الصهيوني” في تثبيت الاحتلال وتدنيس المقدسات وملاحقة المقـ..|ومة أينما وجدت وتهجير الشعب الفلسطيني.

 هذا التزامن لم يكن عابرًا، بل شكل استهزاء عمليا بالقمة، لأن من رفعوا سقف الإذن بالضرب كانوا يعلمون أن القرارات العربية والإسلامية لن تتسم بالإرادة الجادة، وستبقى محكومة بإطار دبلوماسي شكلي تصوغه قوى أخرى.

ولعل أهم ما يمكن التعليق به على هذه القمة ما يلي:
1- خطاب بلا روح: أكدته فقرات بيان القمة التي افتقرت إلى مؤشرات زمنية أو إجراءات ملزمة، فلا هو دعا إلى قطع جماعي للعلاقات، ولا إلى فرض حزم عقوبات منسقة، ولا إلى تعليق للتعاون الأمني، فكلمات “التضامن” والاستنكار والإدانة لا تكسر توازنات القوة ما لم تترجم إلى خطوات قابلة للقياس والتنفيذ.

2- غياب استثمار مقدرات الأمة وإمكاناتها: الأمة تحتل أفضل موقع جغرافي في العالم، وتتحكم في أهم المضائق المائية الاستراتيجية (هرمز، باب المندب، قناة السويس..)، إضافة إلى ثروات طاقوية هائلة، وأسواق واستثمارات ذات وزن عالمي، ومورد بشري يتجاوز ملياري مسلم، ومع ذلك، لم يُستغل أدنى حد من هذه المقدرات الكفيلة بردع المعتدي وكف أذاه عن أي بقعة من الأمة.

3- ما كان يجب أن يتضمنه بيان الدوحة: كان بالإمكان أن يتضمن البيان مواقف حقيقية ضمن قدرات الأمة، منها:
▪️قطع العلاقات الدبلوماسية وإلغاء اتفاقيات التطبيع والسلام التي بنيت على وهم السلام وحماية الحق الفلسطيني المسلوب.
▪️فرض حزمة عقوبات مالية وتجارية منسقة وتجميد أصول.
▪️فرض قيود أو رقابة منسقة على المرور البحري والجوي المرتبط بالكيان أو بداعميه.
▪️تحريك ملفات المساءلة الدولية أمام الأمم المتحدة والمحاكم.
▪️تفعيل ترتيبات دفاعية إقليمية رادعة تحمي السيادة والأمن.

4- ثمن الموقف الضعيف: إن الإبقاء على المخرجات في مستوى بيانات شكلية يرسخ الإفلات من العقاب ويمنح العدو الصهيوني وحلفاءه فرصة لمواصلة مخططاته، كما يوسع الهوة بين الشعوب الغاضبة والحكومات المهادنة والمتخاذلة، ويجعل الموقف العربي والإسلامي تابعا لموازين قوى خارجية (وهم الحماية الأمريكية) والاتكال على الحلفاء المنكفئين بدل أن يكون صانعا لها، وهذا ما تجلى في تصريح النتن ياهو في الأمم المتحدة بخريطته المزعومة التي لم تستثن حتى الدول المطبعة.

ختاما كان يمكن لقمة الدوحة أن تكون محطة تحول وردع للكيان وحلفائه وفرصة لوقف حرب الإبادة الجماعية في غزة وإسقاط مشروع التهجير، وإنهاء مخطط الشرق الأوسط الجديد (ما يسمى إسرائيل الكبرى)، لكن الموقف العربي والإسلامي المنضوي تحت السقف الأمريكي المسموح به، اختزل المرحلة في إدانة رمزية مخزية لأصحابها، حولت الأمة إلى موقع المفعول به لا الفاعل.

أ. عبد العالي حساني شريف | رئيس الحركة