حركة مجتمع السلم

مقال : أسطول الصمود… هل سيكتب البحر طريق الحرية؟ 

يستمر الحصار البحري المفروض على قطاع غزة منذ سنوات طويلة كجريمة مكتملة الأركان في حق غزة التي حوصر برها وجوها وبحرها، حصار حوّل البحر الأبيض المتوسط من فضاء للتبادل والحرية إلى جدار عازل، يمنع من خلاله الغذاء والدواء وحق التنفس عن أكثر من مليوني إنسان ، إن ما يجري من ظلم وابادة وجرائم وتخاذل رسمي لا يمس غزة وحدها، بل يضع الضمير العربي والإسلامي و الإنساني كله أمام امتحان قاس : ألا يمكننا تحرير البحر من الحصار ؟ هل سيظل البحر أداة احتكار وهيمنة بيد النازيين الجدد ، أم سيستعيد دوره الطبيعي كشريان حياة وطوق نجاة وفضاء تواصل بين الشعوب؟

إن مبادرة أسطول الصمود العالمي هي استمرار للمبادرات البحرية السابقة واستفادة من تجاربها وتعزيز لعنوانها وتقوية لفكرتها، بأن التحرير ممكن وقريب، وآت لا محالة، لكسر هذه المعادلة الظالمة، فالأسطول ليس مجرد قوارب في عرض البحر، بل رسالة حضارية وسياسية وأخلاقية، جوهرها أن التحرير وفك الحصار ليسا مستحيلين؛ وإن لم يتحققا اليوم، فإن البداية قد انطلقت،  وأجر المبادرين به والمساهمين فيه والسائرين فيه  والمشاركين فيه خالصا عند الله في خانة النصرة والاسناد ، وسيظل محفورا في وجدان الشعوب الحرة .

  لقد أعاد الأسطول إحياء رسالة الصمود وأيقظ الأمل، وهي دروس غزة المجاهدة، فهل هناك أمة صبرت بمثل صبرهم وضحت بمثل تضحياتهم وصمدت بمثل صمودهم وأذاقت الصهاينة بمثل مقاومتهم ، كلا والله فلقد بذلوا ما عليهم ، وفوق الذي يطيقه البشر والشجر والحجر ، ان اسطول الصمود هو تذكير بأن مقاومة الحصار البحري ممكنة بالفعل الشعبي والتضامن الإنساني والمبادرة الجماعية، فسقف التحرير لم يعد ينفعه سقف سياسي مهما علا ولم يعد يجديه مبادرات عربية رسمية متواطئة متخاذلة، سقف التحرير لا يتطلب سوى الاعداد والامداد حتى النصر.

لقد نجح اسطول الصمود في إحياء وحدة الضمير الإنساني شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، في وجه الاحتلال الصهيوني وسياساته ، و بهذا المعنى فهو ليس مبادرة انسانية واخلاقية فقط، بل هو مبادرة إنسانية، تستنهض الضمائر، وتعيد الاعتبار لقيمة التضامن الجماعي العابر للحدود.

لقد ظلت بعض الأنظمة العربية ودول الطوق ، وعلى رأسها مصر والأردن، تغلق المنافذ البرية تحت ذرائع شتى، بينما الحقيقة أن هذه الإغلاقات جاءت استجابة لطلب إسرائيلي مباشر، وهو تواطئ ومشاركة في الابادة ، إن هذا التواطؤ لا يقل خطورة عن الحصار نفسه، لأنه يضاعف المعاناة ويغلق أبواب الأمل في وجه المدنيين، ومن هنا تبرز الحاجة إلى حماية قوية وتاريخية لأسطول الصمود والمشاركين فيه  حتى تتحمل الحكومات مسؤولياتها التاريخية والأخلاقية.

إنّ المكاسب التي يحققها أسطول الصمود لا تتوقف عند قدرته على الوصول إلى غزة أو منعه من ذلك، فالمعركة ليست فقط في البحر، بل في الرأي العام العالمي، وفي قضم هذا الكيان المجرم ومحاصرته وادانته وكسر سياساته وانهاء غطرسته وشل جبروته ، وطرق كل الابواب لانهاء هذه الحرب وهذا الحصار الجائر ، لقد أطلق الأسطول ديناميكية جديدة، وأعاد تسليط الضوء على مأساة حصار غزة من كل الجبهات ،  هذه المكاسب المعنوية والإعلامية لاسطول الصمود ستُراكم وتبني، وتؤسس لحركات تضامن أشمل وأوسع وأكبر .

الخلاصة : 
إن رسالة أسطول الصمود هي أنّ ” البحر سيكتب طريق الحرية بإذن الله ”  اليوم أو غدا ، وأن التعاون والتضامن والتكاتف والعمل الجماعي المنظم من كل الاوطان والاجناس والفئات والدول سبيل للتحرير ، وأن التضامن مع غزة اليوم ليس خيارا سياسيا بل واجب شرعي ، ومطلب إنساني وأخلاقي وعقائدي وتاريخي  ومن يشارك فيه بكل ما استطاع يكتب اسمه في سجل الشرف الإنساني، ومن يتواطأ بالصمت أو الفعل، يضع نفسه في خانة من يعاون على الظلم والخذلان .

سيظل الأسطول مهما اعترضته العوائق، شاهدا على أن الشعوب قادرة على كسر الحصار الرمزي والسياسي والإعلامي، حتى لو عجزت الحكومات، وسيظل البحر، مهما طال زمن الاحتلال، فضاء ينتظر التحرير والعودة إلى وظيفته الطبيعية، فضاء لقاء لا فضاء حصار، شريان حياة لا شريان موت.