الرئيسية أخبار مداخلة د. عبد الرزاق مقري في مجلس الشورى الوطني

مداخلة د. عبد الرزاق مقري في مجلس الشورى الوطني

كتبه كتب في 23 ديسمبر 2017 - 1:38 م
مشاركة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

مداخلة د. عبد الرزاق مقري في مجلس الشورى الوطني 22-23 ديسمبر 2017.

السيد رئيس الحركة السابق ونائب رئيس الحركة الحالي الأستاذ عبد المجيد مناصرة.
السيد رئيس الحركة الأسبق الأستاذ أبو جرة سلطاني.

السيد رئيس مجلس الشورى الوطني الحاج الطيب عزيز ونائبه السيد علي دواجي.
السيدان رئيسا الحركة الأسبقين قدودة أبو بكر وعبد الرحمن سعيدي.

السيد نائب رئيس الحركة السابق الأستاذ عبد الرحمن بن فرحات والسادة والسيدتان أعضاء المكتب التنفيذي الوطني.
السادة المؤسسون والمنتخبون وإطارات الحركة.

السادة والسيدات أعضاء مجلس الشورى الوطني.

السادة والسيدات الضيوف وأسرة الإعلام وفريق الإدارة والتنظيم.

السادة والسيدات المناضلون والمناضلات والمواطنين والمواطنات الذين يتبعوننا عبر البث المباشر.

السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.

يقتضي مني الواجب في البداية أن أقدم بالشكر الجزيل لأخي الأستاذ عبد المجيد مناصرة رئيس الحركة السابق وأعضاء المكتب التنفيذي الوطني على حسن إدارة المرحلة الأولى للفترة الانتقالية لمسار الوحدة الميمونة بيننا، كما أشكر كل القيادات المحلية و المناضلين والمناضلات على المجهودات الكبيرة التي بذلوها لإنجاز ثلاثة استحقاقات كبرى في نفس الوقت: استحقاق الوحدة واستحقاق الانتخابات واستحقاق تسيير شؤون الحركة في ظروف سياسية واجتماعية صعبة، علاوة على استحقاق الوقوف مع القضية الفلسطينية كما هي عادتكم دوما. أيها الأحباب  فأقول لكم شكرا لكم، شكرا لكم، شكرا لكم. أما عن استحقاق الوحدة فقد ضربتم أحسن المثل بتنازلاتكم وتواضعكم وصبركم وبراعتكم وكفاءتكم في إدارة الاختلاف وتحمل التنوع وتجسيد ما أصبح مستحيلا في أذهان و يوميات الحركات والأحزاب في الجزائر وخارج الجزائر في عالمنا العربي، فتوحدتم في زمن الفرقة والخلاف والصراع في الأمة، ولا تزال هبة الوحدة قائمة لاستكمال ما بقي استكماله وفق ما سأحدثكم عنه في آخر هذه الكلمة.  أما الاستحقاق الثاني فهو تحدي الانتخابات باتخاذكم قرار الدخول في المنافسة ابتداء، رغم القواعد الظالمة المظلمة الظلامية، خدمة لوطنكم حتى لا يدمره اليأس، وخدمة لحركتكم حتى لا يقتلها الجمود، على نهج استراتيجية المقاومة السياسية التي أقرها المؤتمر الخامس وأكدها مؤتمر الوحدة، والتي سارت عليها حركات تغييرية إصلاحية من قبلكم في مختلف أنحاء العالم وعبر الزمن حتى حققت أهدافها وهزمت الفساد وأنهت الديكتاوريات والهيمنة بعد أن ظن الكثيرون أن تلك المشاركات بلا أفق ولا جدوى. وقد حققتم في هذه الاستحقاقات الانتخابية تطورا وتوسعا ونموا تشهد به الأرقام الصماء مقارنة بما سبق من المواسم الانتخابية، ولا مصداقية لأي خبر يشير إلى تراجعكم، نقله من يهتم بكم لأهميتكم، سوى تقدم موسمي لبعض مكونات الساحة السياسية، رأيتم مثله سابقا ثم سرعان ما عادت الأمور إلى نصابها تؤكد بأن ثمة حزبا واحدا في الجزائر منتشرا بهياكله وموارده البشرية وطبقاته القيادية ومقراته وأنشطته وهيئاته ومؤسساته وفكره ومنهجه وبرامجه، هو حركة مجتمع السلم، ضمن حراك دائم دؤوب في الصيف والخريف والشتاء والربيع، لا يعرف الموسمية سوى ما يلزمها من مضاعفة الجهد المناسب وبذل ما يلزم لواجب كل وقت. أما عن الفوز في الانتخابات فإن كل الأحزاب خاسرة، وعلى رأسها احزاب الموالاة لأن الديمقراطية خسرت مرة أخرى.
أما الاستحقاق الثالث فقد سرتم بحركتكم ضمن ظروف عامة صعبة ومربكة ومحبطة و مكلفة ومعقدة سيطر فيها ضعاف النفوس في كل ميدان، ونخرها الفساد في كل مجال، وسُلط فيها الفشل والرداءة والتخلف في كل قطاع، بل وانقلبت القيم فصار القابل باالمنكر شاطرا ومنكرُه معروفا، والداعي للخير مشاغبا أو غافلا ومعروفُهُ منكرا، وأصبحت الانتهازية والزبونية تُفاخر بوجودها بلا حياء فتلبس أجمل اللَبس وتتزين بأحلى الحِيل، وضحكت علينا الأجناس لإصرارنا على ابتلاع الكذب والوهم من الرأس إلى أخمص القدمين. فتاه في هذه المتاهة كثير من السذج والغلابة والغافلين، وأصبح قليل من الجزائريين من يعرف حقائق الأمور ويعرف كيف يتعامل معها لتغيير الوضع ولو بعد حين.  وإني والله، أيها السادة والسيدات، لأراكم من هذا القليل، لقد تميزتم بما ينقذ من الضياع في تلك المتاهات، إذ مِيزَتكم الفهمُ والإدراك وتقديرُ الأمور على حقيقتها ووزنها بميزان الحكمة و العدل ضمن منهجكم ومدرستكم، مدرسة عميقةِ الجذور وارفة الأغصان. لقد عرفتم طبيعة الأزمة الجزائرية باعتبارها أزمة قيم وحكم غير راشد. فساهمتم في علاج أزمة القيم المجتمعية بحرصكم على القدوة و المحافظة على سمعتكم وأخلاقكم ونفث الخَبث من داخلكم كلما أراد أن يمتد أكثر مما تفرضه الطبيعة في جسم كل كائن. ولقد بينت طريقتكم في التعامل مع الوحدة ثم الترشيحات ثم آخرا مناقشة التحالفات في المجالس المحلية وأسس المفاوضات مع غيركم مستوى السمو السامق في هذه الحركة المباركة، ولا يضر أبدا هنةٌ أو هنات من هنا أوهناك من تلك الطبيعة اللازمة في كل كائن. لا يًصدق الناس وزعماء الأحزاب الأخرى ما يراه فيكم من تجرد وإيثار وتواضع وتنكر للذات، إنكم والله تذكرون القوم بأخلاق رجال الحركة الوطنية الميامين في وطنيتهم وتجردهم، فلا يحزننكم أبدا أن تُمنعوا من أخذ مواقعكم المشروعة، المسلوبة بالتزوير والغش والخداع، فإن منطق السلطة والحكم عند غيركم لا يقوم على أساس الكفاءة والقيم، وإنما تؤخذ الدنيا غلابا. فقد وُصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصادق الأمين ممن حاربوه على السلطة والجاه حتى حكم الله بينهم. مع فارق في المثل والتشبيه إذن نحن جميعا مسلمون. وسيحكم الله لكم إن ثبتم ودمتم بأخلاقكم، فلم تخلو شخوصُكم من خِلالكم وبقيت نفوسُكم على أَنْفاسِكم.  وقبل الانتخابات المحلية، وقبيل المرحلة الثانية للوحدة، بنتم أيها الإخوة والأخوات على معدنكم الأصيل بحكمة مشهودة ووطنية شاهدة في تعاملكم مع شأن المشاركة في الحكومة. لقد خضتم المعركة الانتخابية التشريعية بشرف، وعلم القاصي والداني بأنكم حققتم نتيجة الريادة في الساحة السياسية رغم تخلي كثير من أنصاركم عن المشاركة في الانتخابات، لا زهدا فيكم، ولكن لليأس في إمكانية الطلاق البائن مع الواقع البئيس ضمن انتخابات لا تفي حاجة الكئيب المتعجل، ورغم التزوير السافر، المفضوح بالصورة وبتصريح المزور الآثم. لقد حققتم النتيجة التي أبقتكم في دائرة الاحترام في الساحة، والارتفاع عن الأنداد القريبين، و ثبتتكم في إمكان القدرة على المواجهة الدائمة لأحزاب السلطة المسنودة رسميا في العاجل، العائدة إلى حقيقة وزنها في الآجل، حين يطفح الكيل فتتحرك التيارات الشعبية التي ستعصف بتزوير الإدارة وبسحر المال السياسي فتُقهر بها البلطجية الجديدة وتبور فيها تجارة الفتن والوهم والدجل. إن رفضكم المشاركة في الحكومة بأغلبية ساحقة بينت قوة التوجه وسداد الوجهة، ثم توافقكم على ذلك بعد وحدتكم، أظهر لليائسين بأن الخير موجود في البلد وأن التعفف خلق ثابت في الوطن، وأن ثمة في رحابنا متجردين يعافون الكراسي والمناصب حين يدلهم فهمهم بأنها ليست للمصلحة العامة. لقد قلتم للقاصي والداني بأن عبارة ” كلهم كيف كيف” التي يطلقها الكثيرون على كل السياسيين ليست صحيحة. فمن شك في ذلك فليخبرنا هل ثمة حزب عرضت عليه المناصبُ في الجزائر ورفضها. إن تصرفكم هذا علاوة على أبعاده السياسية يعد مساهمة عظيمة في إعلاء شأن القيم في هذا البلد.
أيها الإخوة والأخوات، أيها السادة والسيدات.
إن رفضكم الدخول في الحكومة لا يمت للعنتريات بصلة، ولا يروم صناعة البطولات الزائفة، إنما هو موقف وطني يقوم على رؤية أجزتموها في مؤتمركم الخامس وأكدها بعد ذلك مؤتمر الوحدة، وبعد إجازتكم أجازها الواقع وصدقتها الأحداث، فوضعتم أنفسهم في موقع الشرف وصنعتم للجزائر والجزائريين أملا أحسستموه بأنفسكم في مختلف الولايات وحدثني به كثير منكم. بل جعلكم في مقام التقدير والاحترام ممن رفضتم المشاركة معهم أنفسهم. لقد نصحنا للقوم مرات ومرات، ليلا ونهارا، سرا وجهرا، مشافهمة ومكاتبة، بلين القول وبشدة اللفظ ، لكبيرهم ومتوسطهم وصغيرهم، فلم يزدهم نصحُنا إلا تعنتا واستكبارا. لقد نبهناهم بقدوم الأزمة قبل وقوعها بسنوات فاستهزؤوا بنا وألبوا عنا وأطاعهم فيها الضعفاء. ثم أعلنا صراحة قبل الحملة الانتخابية التشريعية وأثناءها بأننا على استعداد للتعاون على أسس الشرعية الشعبية والتوافق السياسي، وقدمنا لهم برنامجا متكاملا شهد خبراؤهم بقوته وشموله ومستواه، وبعد الانتخابات اعترفوا لنا بأن نتيجتنا أكثر مما أعلن عنه ومع ذلك عرضوا علينا مشاركة لا تفي بحاجة التغيير ولا تليق بحزب يفهم السياسة بأنها خدمة وليست كسبا.
لقد عرضنا عليهم التوافق من خلال باردة ” ميثاق الإصلاح السياسي” مباشرة بعد المؤتمر الخامس، وأول ما عرضناها كان لمكونات السلطة، ثم جمعنا مع المعارضة كلها فعرضنا عليهم التوافق وفق مبادرة ” الحريات والانتقال الديموقراطي” فأبوا وضربوا بميادارتنا عرض الحائط. ولا بد أن نقول هاهنا بأنه حينما ترفض السلطة التوافق وترف الديمقراطية لسنا ضائعين فإن الحل عندئذ هو المقاومة السياسية حتى تتغير موازين القوة وهي متغيرة لا محالة.
أيها السادة والسيدات، أيها الإخوة والأخوات،
إن أمر الوطن جد وليس بالهزل، إنه وديعةُ الشهداء والمجاهدين، إنه وطن واحد ليس لنا غيره، صلاحه صلاحنا وسلامته سلامتنا، صلاح وسلامة أبنائنا وأحفادنا، هو أمانة بين أيدينا، قد يُعذر في التفريط فيه بسطاء أهله ممن لا يعرفون الأمور على حقيقتها، ولكن لا يعذر أبدا خلصُّه ونخبه وقادته الذين يعرفون حقائق الأمور ومآلات الأوضاع. إن الجزائر تملك من الخيرات ما يجعلها بلدا مزدهرا متطورا قويا بين الأمم ومع ذلك لم تتطور، إنه لا يتعلق الأمر بالبرامج والأفكار فهي متوفرة وموجودة بكثرة ووفرة، وتجارب نجاحات الدول التي كانت في مستوانا قبل سنوات مكتوبة ومرصودة وموثقة في متناول الجميع. إنما الأمر يتعلق بعدم الرشد في الحكم، وقلةِ كفاءة المسؤولين، وغياب إرادة الإصلاح، وسيطرة الفساد، وهيمنة المصالح الخارجية على حساب المصلحة الوطنية، وأي مشاركة في أي حكومة لا تهدف لإصلاح هذا الخلل هي مشاركة للمصلحة الخاصة، خوفا أو طمعا، وفي أحسن الأحوال للمصلحة الحزبية، خوفا أو طمعا، على حساب الجزائر والجزائريين.
إننا نعلن للجميع بأن مشاركاتنا في الحكومة في أزمنة ماضية كانت مقاصدها الوطن، وجل ممارساتها للوطن، وما لم يكن كذلك لم يثبت فلم يبق باسم الحركة أبدا. وإن عدم مشاركتنا اليوم في الحكومة هي كذلك للوطن. فكرا ومقصدا وسلوكا. منهجا واحدا ثابتا أبدا. أما الفكر فقد آن الأوان لتُبنى السياسةُ على معنى وشرط المسؤولية، حتى يظهر للجزائريين من يحكم فيسألوه ويحاسبوه فلا يكون الناس جميعا ” كيف كيف” ، فإذا جاء زمن التغيير علم الناس من يغيرون وعرفوا كيف يغيرون. لقد رأينا كيف تتبجح أحزاب الموالاة في الانتخابات المتتالية ولا تتحرج أبدا من الأزمات التي تسببت فيها أو التي وقعت باسمها، ذلك أن الناس صاروا لخلط الأمور لا يفرقون بين حزب معارض وحزب يحكم (أو يحكم به)، وقد آن الأوان ليعرف الناس، وقد آن الأوان لنساعد الناس حتى يعرفوا من المسؤول عن التخلف، من المسؤول عن الفقر، من المسؤول عن غلاء المعيشة وعن التضخم، من المسؤول عن أزمة السكن رغم الإنفاق العظيم، من المسؤول عن بطالة الشباب وحاملي الشهادات، من المسؤول عن تردي الخدمات الصحية، من المسؤول عن تردي مستوى التعليم، من المسؤول عن التبعية الغذائية، من المسؤول عن التبعية العلاجية، من المسؤول عن فشل الصناعة، من المسؤول عن ضعف الفلاحة، من المسؤول عن هزال الخدمات، من المسؤول عن استحالة الاستثمار وتحسين بيئة الاستثمار وبناء المؤسسة الاقتصادية الناجحة، من المسؤول عن انتشار الفساد في كل مجال وفي كل مستوى، من المسؤول عن فضيحة الخليفة، من المسؤول عن فضائح البنوك الأخرى، من المسؤول عن فضائح سونطراك، من المسؤول عن فضيحة الطريق السيار، من المسؤول عن فضائح الشركات الأجنبية التي تم إنقاذها بأموال الجزائريين، من المسؤول عن انتشار الجريمة، من المسؤول عن انهيار القيم، من المسؤول عن الفساد، من المسؤول عن عجز الموازنة، من المسؤول عن عجز ميزان المدفوعات، من المسؤول عن إفلاس الخزينة، من المسؤول عن إفلاس أكثر من 1000 بلدية، من المسؤول عن تراجع وزن الجزائر في المحافل الدولية ، من المسؤول عن تبيعتنا الثابتة للمحروقات، من المسؤول عن ضياع 1000 مليار دولار دون نهضة ولا تقدم. من المسؤول عن مغامرة الإصدار النقدي، من المسؤول عن قوارب الموت، من المسؤول عن أزمات الهوية، من المسؤول عن كسر الأمل ونشر القنوط والتشاؤم. لقد آن الأوان ليعرف الجزائريون، ليعرف الناخبون أن المسؤول عن ذلك هي الأحزاب الحاكمة، هي جبهة التحرير ورئيسها وأمينها العام وقادتها ونوابها ومنتخبوها، والتجمع الوطني الديموقراطي ورئيسهه وقادته ونوابه ومنتخبوه. هكذا هي السياسية على أصولها الحقيقية وهكذا يجب أن تكون في بلادنا، وإن لم تكن هكذا اليوم ستكون هكذا بنضالنا وصبرنا وكفاحنا، وإن لم نعمل لتكون هكذا اليوم لن كذلك أبدا.
أيها السادة، أيتها السيدات، أيها الإخوة والأخوات.
لا تظنوا أن الذين أفسدوا العملية السياسية بانحياز الإدارة والمال الفاسد والتزوير والغش وتيئيس الناس من العملية الانتخابية في راحة من أمرهم. إنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون. إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس. إنهم يعيشون الشك في طريقهم، والريبة في مستقبلهم، إنهم يعلمون تمام العلم بأنهم دخلوا أزمة ليس الخروج منها كدخولها. إنهم يعلمون بأن ترياق حياتهم المرتبط بالبترول والغاز قد انقطع مدده وأنهم لن يروا أيام الرخاء لشراء دوام السلطة كما من قبل. لقد أخبرهم مستشاروهم وناصحوهم من الداخل والخارج، بأن البترول لن يكون ريعا مهما ارتفعت أسعاره، هم يعلمون ذلك تمام العلم، ولذلك يريدون أن يركب الناس جميعا معهم في رحلة الضياع حتى لا ينشأ في الجزائر بديل أبدا.
لا تيأسوا من التغيير أبدا، فإن كل دارس للسنن الاجتماعية يدرك بأن التغيير قد آن أوانه، إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا، إنما هي دوائر سننية تروح وتجيء، وليس عدم التوفيق في التغيير هو دوما بسبب قوة المتسلط. إن ضعف المتسلط في نفسه وفي ذاته، هو يحمل دوما بذور دواله، ولكن بقاءه قد يطول لعدم وجود المصلحين في المكان المناسب. ذلك الذي حدث في دول عديدة، جاءت فيها الفرص وضاعت، ولو تأملنا في السنن لعلمنا بأنها ضاعت لضعف المصلحين وعدم أهليتهم واقتدارهم في كثير من الأحيان، وربما لقلة صدقهم وانحراف توجههم. نعم لقد جاءت الفرصة في بداية التسعينيات في الجزائر، ولكن من كان مؤهلا لم يكن في المكان المناسب، فترك المجال لمن لم يكن مؤهلا لإنجاح الانتقال الديموقراطي آنذاك من كل الأطراف. فها نحن نعيش آثار ذلك إلى اليوم. وإنني أعدكم أيها الإخوة والأخوات بأنكم هذه المرة ستكونون في المكان المناسب، شركاء في إصلاح الوطن وتغيير أوضاعه، إنما اصبروا وصابروا ولا تعطوا الدنية في وطنكم ، هي سنوات معدودة وترون ذلك، فمن السنن الصبر، ومن السنن التضحية، ومن السنن طول النفس، ومن السنن عدم الاستعجال، ومن السنن الإعداد، بل إن من السنن استيئآس الرسل والمصلحين، ومن السنن الخوف والبذل أثناء الطريق، ثم يكون بعد ذلك الفتح الموعود لوطننا وأمتنا وديننا وفلسطين والمسجد الأقصى.
أيها الإخوة والأخوات، اعلموا علم اليقين أنكم لستم وحدكم على طريق الأمل، ثمة رجال ونساء مثلكم في مؤسسات الدولة وفي المجتمع وفي كل مكان في هذا الوطن، وطنيون مخلصون صادقون، لولا هم لانهار البلد كلية ولعبث به إلى الأبد المجرمون والفاسدون والخونة والعملاء. إنكم لستم وحدكم، وإنما اظهروا للجميع بأنكم حقا أقوياء أوفياء مخلصون وطنيون صادقون، فستلتقون معهم حين تجتمع ظروف الإصلاح والتغيير واستئناف بناء الوطن كما حلم به الشهداء والمجاهدون.
أيها الإخوة والأخوات، أيها السادة والسيدات،
إن الظروف المحلية والإقليمية صعبة حقيقة، وأخطر ما في المصاعب المحلية اليأس وانقطاع الأمل وانهيار معاني المواطنة وانخرام العقد مع الوطن: ذلك الذي يفسر العزوف الانتخابي، وذلك الذي يفسر انتشار الجريمة، وذلك الذي يفسر الرغبة الجماعية للهجرة خارج الوطن، وذلك الذي يفسر صراعات الهوية. إن ما رأيناه من سب وشتم متبادل بين الجزائرين على أساس الهوية اللغوية أمر خطير، ولو وجد الجزائريون راحتهم وأنسهم وكرامتهم ورخاءهم تحت العلم الوطني لما تعالى بعضهم على بعض بانتمائهم اللغوي، ولما دخل الأجنبي في شأن خصوصياتهم يعبث باستقرارهم ووحدتهم كما هو ديدنه دائما لتحقيق مصالحه وفرض حضارته الاستعمارية الظالمة. وكم هي معبرة تلك المحادثة التي وقعت بيني وبين ماليزي من الأقلية الهندوسية يقود سيارة أجرة جميلة في كوالالمبور حين سألته ما هو انتماؤك الأقرب إليك: ماليزيا أم الهند؟ فاستغرب السؤوال وقال لي أنا ماليزي وبلدي ماليزيا وليس الهند، ولو كنت في الهند لما كانت عندي هذه السيارة ولما كنت في هذا اليسر وهذه الكرامة. علينا، أيها السادة ان نحمد الله على نعمة الإسلام، فلو لا هذا الدين الغائر في قلوب العرب والأمازيع لما بقي شيء يضمن بقاء وحدتنا في ظل حالة اليأس التي تباع فيها الذمم بالجملة وليس آحادا. وهذه القيم التي تجمعنا هي التي سننطلق منها لبناء مستقبلنا بإذن الله تعالى.
أما عن الظروف الإقليمية فإن الفتن هي سيدة المشهد، والاقتتال الطائفي هو الحالة الأسوء في ذلك المشهد. غير أن الذي يجب أن ننتبه إليه أن هذه الفتن ليست أصيلة ولا أصلية وإنما هي أفعال حكام سخروا كل شيئ من أجل السلطة والحكم، حركوا لمصلحتهم النعرات الطائفية والقبلية والعروشية، وقتلوا روح المدنية والمواطنة والوطنية، انقلبوا على إرادة الشعوب، وقتلوا ودمروا وصنعوا الإرهاب واستعملوه، كل ذلك من أجل السلطة وبهرجها، بل تحالفوا مع الأجنبي وغير المسلم ضد بعضهم بعضا، بل سلموا للأجنبي خيرات الأمة ليسندهم في كراسيهم، بل باعوا فلسطين والمقدسات. ولو لا هوان هؤلاء لما تجرأ الرئيس الأمريكي على خطوته المشؤومة. ولكن مهما كانت سوادية هذا المشهد يجب أن نقتله بالأمل، يجب أن نقتله بالأمل، يجب أن نقتله بالأمل، الأمل المنطقي الواقعي، المؤيد بالنصوص وبوعد الله الله الذي لا يرد. إننا لو نظرنا إلى صورة المشهد وهي جامدة سيصيبنا اليأس حقا، لإن تلك هي الصورة، ولكننا لو تابعنا المشهد عبر صورة متحركة سنعلم بأن حالنا قبل عقود كان أسوء، وأسوء ما كان فيه الاحتلال وجهل العامة واستيلاب عموم النخب، أما اليوم فأوطاننا مستقلة وشعوبها ونخبها تكافح في كل مكان في هذه الأمة من أجل الحرية والكرامة، ولو لا قوتُها لما قوبلت بهذا الصد ولو لا إصراراها لما جوبهت بهذا الكيد. وما هي إلا سنوات بإذن الله حتى تُصلح الحركات الإصلاحية شأنها وتجدد أداءها وتغير مقارباتها، فتأخذَ المبادرة من جديد، يثبت فيها من تجدد، ويتبدد فيها من تجمد، وتظهر أجيال جديدة هي باري القوس ومسددُها بتوفيق من الله وعونه (( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)) . إن الأمة ماضية إلى الخير وهذا القرن هو الذي سيشهد نهضة الأمة من جديد: قد اقتحم آفاق النهضة الأعاجم في تركيا وإيران وماليزيا واندنوسيا وشيء من باكستان، وسيلحق بالركب العرب الكرام ومن اختلط بهم من أشاوس الأكراد والأمازيغ بعد أن نسوي أمرنا على خير ما نتمنى مع هؤلاء وهؤلاء. وما هذه الهبة الشعبية لنصرة القدس وفلسطين إلا دليل على أن الأمة بخير وأنها لم تمت كما قيل، ولم تشغلها محنها عن قضاياها ومقدساتها كما يقال، فهذه فلسطين، أرض الرباط، وهذا المسجد الأقصى أولى القبلتين وثاني الحرمين، وهذه قضية الأمة المركزية وكاشفة حال المسلمين وحياتهم أو موتهم، تكسب كسبا كبيرا في أسوء الأحوال التي نمر بها: شعبيا وحكوميا ودوليا كما لم نكن نحلم لو خضعنا للتشاؤم واليأس والقنوط، وما هو آت أكبر، فالخوف والرعب والشك هو اليوم في صفوف الإسرائيليين المحتلين، والهمة والعزيمة والإقبال يملأ قلوب الفلسطينيين، ليس رجالهم وأبطالهم المقاومنين فقط، بل حتى أطفالهم وذراريهم أصبحوا يزدرون الجندي الإسرائيلي وهو مدجج بالسلاح ولكم ان تتأملوا في صورة البطولة الأخيرة التي رسمتها الفتاة عهد التميمي.
أما عن الظروف الدولية، فمن ذا الذي لا يعرف بأن العالم قد تغير وأن الزمن الغربي الأمريكي الظالم في تراجع، وأن أمريكا ستفقد صدارتها الاقتصادية في حدود سنة 2030، وصدارتها العسكرية في حدود سنة 2040، وأن هذا العالم صار متعددا لا يقدر على السيطرة عليه طرف واحد، مما يتيح فرصة لمن كان له مشروع من الدول والقوى الإقليمية أن يفرض وجوده، ولكم في تريكا وإيران وروسيا عبرة كيف يفرضون إرادتهم في المنطقة على الولايات الأمريكية المتحدة، ولكم أن تنظروا كيف يصعد الصين ولكم في الهند والبرازيل وفنزويلا وجنوب افريقيا وحتى كوريا الشمالية دروس وعبر كيف صنعوا مجدهم وسيادتهم بعيدا عن الهيمنة الخارجية. ولكم في الصفعة المذلة التي أخذتها أمريكا في الجمعية العامة رغم تهديداتها الرعناء قبل البارحة في الجمعية العامة فسحة للتأمل والاعتبار. لا يكتب الله دوام الهيمنة والجبروت والسيطرة لجهة مدى الحياة وإلا نازعه عباده في ربوبيته. إن العالم القادم بانفتاحه في مجال الاتصال وبتطوراته المعرفية وتعدد أقطابه وانهيارات مسلمات النمط الاقتصادي الرأسمالي يتيح فرصة لمن كانت لهم رؤى وعزيمة وإرادة وإيمان ومشروع. وإننا والله لمنهم بإذن الله تعالى مهما كان وضعنا وحجمنا اليوم.
أيها الإخوة والأخوات، أيها السادة والسيدات،
ما نحن في حركة مجتمع السلم سوى جزء بسيط غاية في البساطة ضمن دولاب هذه التطورات الوطنية والإقليمية والدولية، وليس مطلوبا منا أن نغير العالم لكي نعمل وإنما يطلب منا أن نبذل ما نستطيع وفق قوله تعالى: ((إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب)) ولا نسأل إلا على ما نستطيع إعدادَه من القوة والإمكان: (( وأعدوا لهم ما استعطتم من قوة ومن رباط الخيل..)). فإن كان عملنا هذا متقنا فإنه سيدخلنا ضمن حركة السنن، فإن أراد الله أن يستخدمنا في دولاب التغيير السنني فإننا على بساطتنا قد نكون ذووا أثر كبير في ما يحدث جزئيا أو كليا.  وفي هذا الإطار لا تتوقف الحركة على بذل هذا المستطاع بكل تفان وبلا توان. وقد وضعت لذلك رؤية متكاملة في مؤتمرها الخامس شفعتها برتبة ثلاثين مشروعا في مختلف المجالات، كان آخر ما شرع في إنجازه مشروع الوحدة الذي ترسخ في هذه الشهور الخمسة التي قادها أخي عبد المجيد مناصرة. وستكون الشهور الخمسة قبل المؤتمر السادس تتمة لهذا المسار التجديدي لنهضة الوطن وفق شعارنا: حركة تتجدد وطن ينهض. سيكون عملنا فيه وفق برامج سنفصلها ضمن جداول تشغيل صارمة موزعة على المحاور الستة التالية:

1 ـ مسار دعم المؤسسات: وفق نظرية التمييز الوظيفي التي أسسنا لها مؤسسات جديدة صارت لها استقلاليتها الإدارية والقيادية وخططها ومقراتها وشرعت في التوسع والتجذر وقد تكلف مجلس المؤسسات في الشهور الستة الماضية في مواصلة تأطير تطورها. وبعد استفراغ الجهد في أولوية الانتخابات سنعطي الأولوية لاستكمال نضج المؤسسات حتى نصل إلى المؤتمر وقد اطمأنت حركتنا على أننا وضعنا أمانة بعض الوظائف الاستراتيجية في أيادي أمينة ومؤسسات قوية وفاعلة فيشجعنا ذلك على اتخاذ خطوات تجديدية أكثر جرأة وفق ما يحصل من توافق بيننا واستعداد لدعم المؤسسات خصوصا على المستوى المحلي. وستكون الحركة إن أتمت ذلك أول حركة إسلامية في العالم أحسنت إدارة التجديد في توزيع الوظائف والفصل بين ما هو دعوي ومجتمعي من جهة وما هو سياسي من جهة أخرى بطريقة شاملة تضمن الاهتمام بكل وظيفة بما يجعلها كلها فاعلة ومتكاملة بينها.

2 ـ مسار دعم المنتخبين: لتجسيد مشروع من مشاريع الخطة الخماسية ظل يراوح مكانه، لاعتبارات موضوعية معلومة، لا سيما وقد أبانت لنا تجربتنا في السنوات الاخيرة بأن طبيعة الحزب مرتبطة بمنتخبيه، وأن انتشاره الفعلي مرتبط بمنتخبيه، وانفتاحه على المجتمع ومختلف الشرائح والقوى مرتبط بمنتخبيه، وممارسته اليومية للسياسة مرتبطة بمنتخبيه، ومساهمته في التنمية مرتبطة عمليا بمنتخبيه، وتوسيع شبكة علاقاته مرتبط كثيرا بمنتخبيه. ولذلك فإن تأطيرنا للمنتخبين صار واجبا ذا أولية لتطوير الحركة ذاتها وتأهيلها لتكون حزبا عصريا شعبيا فاعلا قادرا على مواجهة التطورات الكبرى المرتقبة، وسيكون اهتمامنا بالمنتخبين في الشهور المقبلة وفق ثلاثة محاور أساسية: دعم رؤساء البلديات الخمسين أساسا لمحاولة بناء النموذج، دعم أعضاء الحركة المشاركين في هيئات المجالس المحلية البلدية لتكون مساهتمتهم فاعلة وقائدة، ودعم أفراد الحركة غير المشاركين ليؤدوا دور المعارضة المبصرة المثمرة. كل هذا مع مواصلة دعم الكتلة البرلمانية التي احتلت بعدُ مكان الريادة في المجلس الشعبي الوطني وتفعيل وتنشيد وتطوير اللجان القطاعية المتخصصة لتؤدي دور المرافقة على أحسن وجه.

3 ـ تنشيط الساحة السياسية: لتكون الحركة طرفا فاعلا في بناء المشهد المستقبلي الذي صارت الانتخابات الرئاسية مهيمنة عليه خارج المنطق السياسي وخارج المصلحة الوطنية إذ لا يعقل ان تتوقف انفاس بلد بكامله حول استحقاق عادي رغم أهميته، فيتجمد الاقتصاد بسببه، وتتعرض مصالح البلد وخيراته وسيادته للخطر من أجله، بل وتفسد العملية الانتخابية كلها و تنحرف وجهتها في سياقه.

سنحاول إعادة توجيه الرأي إلى ما هو أهم مما يؤثر على المواطن مباشرة في شؤون حياته ومعيشته وكرامته وحريته، وسنعود لحركية التشاور مع مفردات الطبقة السياسية حتى نفهم ما يدور بشكل أفضل فلا نخضع لإشاعات العهدة الخامسة أو التوريث أو تكرار الفشل وفرض فكرة مرشح الإجماع البالية، سنساهم بقدر ما نستطيع لنجعل الانتخابات الرئاسية فرصة للتعددية والديموقراطية وبناء التوافقات المبنية على مصلحة الوطن وتجديد الحياة السياسية وأولوية التنمية والرؤى التطويرية. مع مواصلة الجهود الفكرية والندوات السياسية والملتقيات الموضوعاتية والمواقف المناسبة لكل حدث وفق موقع المعارضة الوطنية الراشدة التي نحن عليها.

4 ـ مسار الوحدة: وهو المسار الذي تصنعون أيها الأحباب الكرام، والذي سنكمل أمره على المستوى النفسي والأخوي حتى يقع الإدماج التام فلا يعلم أحد أين كان هذا وأين كان هذا، سائلين الله تعالى أن يرزقنا جميعا الصدق في المقصد والفاعلية في الميدان، والواقعية في بلوغ المرام، وأن يثبت كل خطوة نخطوها فنزداد بها ثقة وسعادة وطمأنينة صفا واحدا وفكرا ثابتا ونهجا مبصرا. ولا شك أن النجاح التام لهذا المسار الناجح في بدايته هو ما يشجعنا لاستكمال ما ننوي إتمامَه لجمع شمل ما سميناه مدرسة الشيخ محفوظ بضم إخواننا في حركة البناء والسعي لذلك في نفس الوقت مع حركة النهضة إذا كان ذلك يعنيهم ويهمهم كلاهما ضمن ظروفهم الجديدة بعد مضيهم في مشروع الاتحاد.إن ثمة أخبار جيدة في اتجاه تعميم الوحدة سنفحصها وندرسها بروية ومعقولة وواقعية في الشهور المقبلة مستأنسين بنجاح وحدتنا التي نحن عليها معتمدين على تجربتنا فيها. مهمتين بالإنجاز قبل الترويج الإعلامي الذي قد يضر ولا ينفع.

5 ـ مسار المؤتمر السادس: وهو الحدث المهم الذي يترقبه الكثيرون، اهتماما بالحركة وقوتها وأثرها في الأحداث والتوجهات، وإني أعلن في هذا الشأن بأن المؤتمر السادس لحركة مجتمع السلم سيكون في حدود الثلث الأول من شهر ماي 2018 وقد يكون بالذات في . سيكون مؤتمرنا، أيها السادة والسيدات، فرصة كبيرة لتعميق التجديد الذي باشرناه هيكليا ووظيفيا وسياسيا وديموقراطيا بما يليق بحركة في حجم حركة مجتمع السلم وتاريخها وأهميتها في الساحة الوطنية والدولية. سيشهد المتابعون من خلال هذا المؤتمر حقيقة حركة مجتمع وفكرها ومستواها والتزامها بالشورى والديموقراطية حقا وصدقا. سنيين للملاحظين بأن مؤتمراتنا هي للنقاش الفكري والتطوير السياسي قبل الاهتمام بالأشخاص والرئاسة ومن يكون هنا ومن يكون هناك، بل سنُعلم غيرنا في مؤتمرنا بأن اختيارات الرجال ستكون على أساس الأفكار والبرامج والتوجهات السياسية الكبرى. سنيين للعالمين بأنه لا توجد خصومات بين القادة والمسؤولين ولكن ثمة اختلافات في الرأي والاتجاه. سنفعل ذلك لمصلحة حركتنا ولتطوير أدائنا ورفع مستوى مواردنا البشرية ولكن كذلك لتطوير الساحة السياسية الوطنية والعربية بإعطاء النموذج والمثال. وفي هذا الإطار أتعهد أمام الجميع بأنني سأحمي من موقع رئاستي للحركة حق أي كان في الترشح، وحقه في التعبير عن رأيه والدفاع عن برنامجه وترشحه بكل حرية على مستوى كل هياكل الحركة. سأجعل المؤتمر المقبل فرصة للممارسة الديمقراطية بشكل غير مسبوق في الساحة العربية والجزائرية إن على مستوى الأحزاب الإسلامية أوغير الإسلامية. أتعهد بأنني سأعرض على المكتب الوطني ولجنة تحضير المؤتمر مشروع لائحة تسمح للمرشحين أن يعلنوا ترشحهم شهرا قبل المؤتمر وأن يحددوا برنامجهم وفريقهم، وبعد إجازة الترشيح وفق لوائح الحركة يُسمح لكل مرشح أن يقوم بحملة انتخابية حرة ونزيهة في إطار منظم وشفاف، وإن قبل الجميع سننظم مناظرات يشهدها المناضلون أو وسائل الإعلام إن توافق الجميع على ذلك. وعلاوة على كل هذا سأتشاور مع الهياكل المحلية بهذا الخصوص وسأجتمع بالمرشحين المحتملين وأطلب منهم أن يحددوا مطالبهم التي تجعلهم يقتنعون بالنزاهة التامة والمطلقة للانتخابات حتى يتحقق الرضا التام بنتيجتها وبالقيادة والسياسات التي تنبثق عنها، فتنطلق الحركة بعد المؤتمر في انسجام تام وفق ميثاق شرف يلتزم به الجميع لكي نشتغل بالوطن والأمة كما هو حال الأحزاب الكبيرة الجادة، بدل الانشغال بأحوالنا الداخلية كما هو حال الأحزاب الضعيفة المتهاوية. فما ينتظر الوطن وما ينتظر الأمة لا يسمح أبدا بلاشتغلال بالذات وبسفاسف الأمور.

6 ـ مسار فلسطين: وهو المسار الذي نبدع فيه دوما بإذن الله والذي حققنا فيه، على قدر استطاعتنا، أكثر مما حققنا منذ تأسيس الحركة، وآثارنا شاهدة في أرض فلسطين ذاتها على ذلك وفي قناعة قادة القضية الفلسطينية أنفسهم. غير أن تطور القضية في الأيام الأخيرة بعد مغامرة ترامب بقراره اعتبار القدس عاصمة للكيان الفلسطيني تلقي علينا مسؤولية أكبر. إن كل التطورات الجارية على أرض الرباط وعلى الساحة العربية الإسلامية والدولية جعلت فلسطين في صدارة المشهد وفي مفترق الطرق بين انعناقها والتوجه نحو التحرير أو العودة لنسيانها ثم تصفيتها مما يتطلب منا استمرار الجهد وتطوير الأداء وتنويع العمل في مختلف المجالات لنصرة القضية ودعم المقاومة وإحراج وملاحقة المطبيعين وإبرام التحالفات بشأنها في كل اتجاه. طامعين في الله تعالى أن يعمنا ببركتها وأن يجعلنا ممن يحقق النصر لها. إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.
تقبلوا مني أيها الإخوة والأخوات بالغ الشكر على حسن الإصغاء سائلا الله تعالى أن يعيننا في شهورنا المقبلة قبل المؤتمر على ما يرضيه ويحقق مصلحة الوطن ومصلحة الحركة، وأن يجعلنا مؤتمرنا المقبل زيادة في الخير والبر والحسنى.

وفق الله الجميع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تعليق

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً