عندما ننجح في هندسة المنظومة الانتخابية المتعلقة بالاطر الإدارية والسياسية والقانونية التي تنتظم العملية السياسية وتكون مفتوحة لجميع من يختار النضال السياسي السلمي عبر الأدوات السياسية المتاحة سواء كانت حزبية او مستقلة وصولا الى تجسيد التطلعات والامال العريضة التي تطالب بها الشعوب و النخب ،نكون قد عبدنا الطريق أمام التغيير والإصلاح والاقلاع السياسي والاقتصادي والتنموي ،ويصبح بعد ذلك استخدام الوسائل السياسية لاقناع الرأي العام بالخيارات والبرامج السياسية امتحان ينبغي أن يمر عليه كل طالب للتغيير والإصلاح من خلال تنظيم وهندسة الحملات السياسية والانتخابية التي لا تتوقف سواء كان الهدف منها تعميم الوعي السياسي او التنافس من اجل الوصول الى السلطة وطنيا ومحليا ،واذا كانت الانتخابات تحتاج الى هندسة وتصميم فان الحملات السياسية والانتخابية تحتاج الى استراتيجيات وخطط كفيلة بترقية العملية السياسية الى مراتب تنافسية تجعل الطريق سالكا نحو ميلاد حياة سياسية سليمة وخالية من العفوية والارتجال وبعيدة عن استخدام الأساليب والممارسات التي تتنافي مع خطاب النزاهة والشفافية والفساد السياسي والانتخابي والمنافسة غير النزيهة.
وتبرز هنا أهمية هندسة الاتصال السياسي والحملات الانتخابية خاصة حيث ينصب جوهر الاتصال السياسي في إحداث التأثير وتغيير الآراء والقناعات لدى الجمهور المستقبل باتجاه محدد ،وعلى أساس أن الحملات السياسية والانتخابية تعد جوهر الاتصال السياسي حيث تشير العديد من البحوث أن “أحد العوامل الأساسية في نجاح العملية الاتصالية للاحزاب والمرشحين ولوسائل الإعلام في الحملة الانتخابية يتوقف على دقة اختيار الرسالة الإعلامية وصياغتها وأسلوب عرضها على الجمهور في الوقت المناسب وطريقة إدارتها”، كما تجمع الدراسات على أن “عملية إدارة حملة انتخابية ناجحة يتوقف على خبراء الدعاية والعلاقات العامة من جهة وعلى الانتشار الواسع لوسائل الإعلام بصفة عامة والصحافة بصفة خاصة في الحملات الانتخابية بوصفها ظاهرة حديثة من جهة ثانية”، فقد أصبح بإمكان المرشحين الوصول إلى ملايين الناخبين في وقت واحد أو أوقات متقاربة، كما جاء تطور خدمات تحديد حاجيات الجمهور ليسمح للمرشحين إطلاق دعايات انتخابية تتلاءم تماما وحاجات فئة معينة من الجمهور.
ويميز روجي مشلي بين أنواع عدة من الدعاية السياسية التي تستخدم في الحملات الانتخابية، “منها دعاية الاستقطاب، ودعاية الانتشار، ودعاية الاحتجاج ودعاية الإدماج.”
فدعاية الاستقطاب والانتشار تهدف إلى التعريف بآراء المرشح أو الحزب السياسي، وذلك بدفع الأشخاص غير المهتمين والمترددين إلى تبني قضية هذا الحزب أو برنامج هذا المرشح بهدف إيصالهم سدة الحكم أو البرلمان وتقوم هذه الدعاية على أسس علمية دقيقة ومضبوطة، إذ يتطلب الأمر التعرف على اللغة المستعملة من طرف الجمهور المستهدف واهتماماتهم وتخوفاتهم وتطلعاتهم، كما يتطلب تجديد الصورة الذهنية التي ترسخت لدى الجمهور في فترة زمنية محددة عن مختلف الزعماء والمرشحين، أما الدعاية الاحتجاجية فتستخدم بالخصوص من طرف المجموعات المهمشة وعلى استغلال الأحداث الطارئة ومن جانبها تهدف الدعاية الإدماجية إلى ضبط آراء واتجاهات وسلوكات بعض الفئات المشكلة للرأي العام بهدف خلق نوع من الإجماع بشأن آراء المرشح وبرامجه.
وينبغي ان يعلم مهندس الحملة السياسية او الانتخابية أن الحملات ذات اهداف سياسية وتستخدم كافة وسائل الاتصال السياسي الرسمي وغير الرسمي كما انها تستخدم على الخصوص الاتصال الشخصي من خلال عمل جواري منظم ودائم ومكثف سيما عند اقتراب المواعيد الانتخابية وتحتاج الى إدارة منظمة لها خطة واستراتيجية مكتوبة في مدة زمنية محددة وتستخدم أيضا أساليب شرعية وبسيطة تتخذ من التكرار وسيلة للاقناع وفرض مناخ القوة وصناعة الاجماع حول البرنامج والمرتشح الذي يحمله بصدق .
غير اننا عندما نتحدث عن هندسة الحملات السياسية والانتخابية ينبغي أن نشير ونركز على فكرة أن الرأي العام او الناخبين لهم من الذكاء ما يجعلهم يفرقون بين الحملات المؤقتة التي تستهدفهم فقط على مشارف الانتخابات والحملات الدائمة التي تبدأ في اليوم التالي لاختيارهم للمرشح الذي يمثلهم سواء في البرلمان او المجلس الولائي او البلدي ،فهندسة وتصميم الحملة الانتخابية مفردتها الأساسية هي حملة استباقية او مسبقة كما يقولون ،تسبقها حملات سياسية لا تتعلق بموعد الانتخابات الدوري بل تتعلق بمختلف الموضوعات والقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعايشها الناخب على طول العهدة الانتخابية (خمس سنوات حسب القانون الجزائري )،ومن الأسباب التي تجعل الحملة الانتخابية تفشل هو الفشل في تنظيم الحملات السياسية على طول العهد الانتخابية والتي يختصرها موضوع العمل الجواري الدائم مهما كانت دوريته والتي تتميز “بالدائم المؤثر” ،على اعتبار أن هندسة الحملات السياسية تستهدف بناء راي عام ثابت وحاضنة دائمة للحزب السياسي تتناغم معه في كل الظروف حيث تتحول الى ثقافة سياسية تنمو وتتسع لتصل الى تشييد مانسميه “الكتلة الاجتماعية الحرجة” التي تسند “الكتلة التاريخية الحرجة ” حيث تضمن للحزب مانسميه “الحد السياسي الأدنى المضمون للمقاومة” .
وهندسة الحملة الانتخابية تتطلب دوما تجديد الرسالة السياسية وتنويعها بتنوع قضايا الرأي العام ، بحصر احتياجات المنطقة من خدمات مدنية وعمومية – مياه الشرب-الصرف الصحى-المدارس….ألخ،و الخدمات القائمة ومدى كفايتها لاحتياجات المواطنين ،وصياغة ورقة مقترحات عملية تمثل برنامج انتخابي بسيط يفهمه الجميع يمزج بين الطموح والواقع المحلي .
كما تتطلب بناء استراتيجية بسيطة في أهدافها ووسائلها تقوم على اساسيات مهمة لا تقوم الحملة الا عليها وهي :
• دراسة السوق التنافسية المحلية والوطنية بمعرفة الفواعل الرئيسية المؤثرة في المشهد السياسي في الساحة التي تقوم فيها بالحملة.
• دراسة الأرقام الانتخابية السابقة (الوعاء الانتخابي للحزب أو المرشح) مع وجوب التمييز بين هدفين أساسيين لأي حملة انتخابية وهما :
أ. الاستهداف الجغرافي :ومضمونه الرئيسي ماهي المناطق الجغرافية التي تمثل الوعاء الانتخابي .
ب. الاستهداف الديمغرافي :ومضمونه الرئيسي من هي الفئات العمرية والثقافية التي تنتخب على الحزب الذي تمثله وماهي قضاياها ومطالبها الأساسية التي تتطلع اليها وتكون انت المعبر الحصري عنها.
• دراسة النظام الانتخابي الذي ينظم العملية حتى تستطيع معرفة قضيتين اساسيتين وهما : أولا العتبة الاقصائية لأي قائمة (وهو عدد الأصوات المطلوبة للمشاركة في توزيع المقاعد ) وثانيا ماهو عدد الأصوات الذي ينبغي الحصول عليه لتحقيق النجاح سواء في مرتبة الريادة او في مرتبة المشاركة.
فتكون بذلك الحملة الانتخابية منظمة وذكية ودقيقة ومحسوبة ولا تترك عملية النجاح للعفوية والارتجال،فهندسة الحملة الانتخابية تتطلب رسم المسار من دعوة الهيئة الناخبة الى مواعيد الترشح او الى أيام الحملة الانتخابية القانونية الى يوم الاقتراع فهو مسار محسوب باليوم والساعة وبين كل فترة وأخرى يتم التقييم ومراجعة جدول حساب عدد الأصوات المتصل بها للتصويت لصالح الحزب او المرشح .
كما أن الحملة الانتخابية تتطلب تقسيم الجمهور الى ثلاثة أصناف أساسية :
الصنف الأول وهم المناصرون وقاعدتهم هي الأرقام الانتخابية السابقة او الموقعين للحزب في الرئاسيات،حيث يتم العمل معهم وتكوينهم وتدريبهم هلى مهارات الاقناع والرد على الشبهات وتنظيم عمليات الاتصال السياسي فرادا فردا وبيتا بيتا وحيا حيا وزنقة زنقة ،وتزويدهم بانجازات الحزب والمرشحين والنماذج الناجحة وبطاقات الرد على بعض الشبهات التي يسوقها الخصوم على الحزب او المرشح .
الصنف الثاني وهم الخصوم او المنافسين ،وهؤلاء لاتضيع الوقت معهم كثيرا في الجدال وفرض الرؤى والمواقف لان وقت الحملة قصير وقليل وقد لا يكفي سوى معرفة نقاط الضعف في حملاتهم ومايقولونه عن الحزب والمرشح بغرض الرد عليهم حيث يتطلب الامر تكليف من يقومون باليقظة السياسية لان الاشاعات سلاح قوي للتشويه والتزييف ينبغي الانتباه اليه ونحن نصمم ونخطط للحملات الناجحة.
الصنف الثالث : وهم المترددون الذي يجب ان ننشغل بهم ونحاول اقناعهم بالتصويت لمرشح الحزب على اعتبار ان هؤلاء هم من سيرجح الكفة في حالة مشاركتهم في التصويت فالعمل معهم يعتبر راس الامر في الحملات السياسية والانتخابية حيث اصبح تنظيم الاعمال الجوارية معهم ضرورة سياسية وانتخابية لانهم سيكونون لامحالة هدفا للاشاعات والاراجيف وحملات التشويه من جهة ،ومن جهة أخرى أن الحوار وعملية الاقناع ستكون أسهل لانهم ليس منافسين ولا خصوم.
فهندسة الحملات السياسية والانتخابية بالنسبة للحزب السياسي او أي مناضل سياسي يريد تحقيق الريادة ينبغي أن تتحول الى مقياس يتدرب عليه المناضل ويطبقه مع كل استحقاق ويقيمه حسب المحيط الذي يقوم فيه بالحملة لتصبح الحملات السياسية عملا أساسيا في يوميات المناضل السياسي وعندما تنظم الانتخابات يحتاج فقط الى تفعيل الأدوات والخطط السابقة وتحديثها لتجيب على أسئلة الحاضر وسيكون بلا شك النجاح حليفه .
تعليقات الزوار ( 0 )