الرئيسية مقالات أ. فاروق أبوسراج الذهب هندسة التحليل والاستشراف السياسي | سلسلة خالص السياسة

هندسة التحليل والاستشراف السياسي | سلسلة خالص السياسة

كتبه كتب في 4 أبريل 2021 - 8:27 م
مشاركة

تنجح الحركات السياسية والحكومات عندما يتوفر لها تحليل سليم للأحداث وقراءة دقيقة للأوضاع الداخلية والخارجية حيث يقف عندها تحليل المشهد الراهن على قاعدة من المعايير الموضوعية والمعطيات السليمة التي تم فرزها عن عشرات بل مئات المعلومات المسممة والمضللة ،وبقدر هذا التحليل والقراءة للأحداث مهما كان بسيطا يمكنها أن تحقق النجاح والفوز والتقدم أو الفشل والهزيمة والتقهقر ، فالحركات السياسية والحكومات لا تقوم بالتحليل السياسي من اجل المعرفة والخطاب فقط فهي ليست مراكز للدراسة والتحليل ،بل تقوم بالتحليل السياسي من اجل الاختيار بين البدائل واتخاذ المواقف والقرارات ،لذلك التحليل السياسي بالنسبة اليها مرحلة رئيسية بل وحاكمة على كل تصرفاتها ومواقفها .
وعلى أساس التحليل والمعرفة والقراءة أيضا يختلف الناس في وجهات النظر وطريقة قراءتهم للأوضاع العامة ليس فقط بسبب الملكات الشخصية الفطرية بل أيضا بسبب الأدوات التي يستخدمونها في التقرب من معرفة خفايا الاحداث ودقة المعطيات والمعلومات والبيانات التي تتوفر لديهم وهم يمارسون عملية التحليل السياسي الذي يعد مهارة متقدمة من الفكر والبحث ويتجسد على شكل مفردات يقوم المحلل بالولوج الى عناصرها الاولية الظرفية والتاريخية والمحركات المغذية لها والدوافع والنتائج المترتبة عليها، اضافة الى التطور الذي قد ينتج من جراء تلك الاحداث موضوع التحليل، وتختلف اساليب التحليل السياسي وفقا لمنهجية القائم بالتحليل وخبرته ومهاراته الفكرية وشكل التوقيت واهمية الموضوع وضرورة التعمق ،ولعل ما يشهده الراي العام من تلاعب وسائل الاعلام بدور التحليل السياسي واستضافة اشخاص لا علاقة لهم بالتحليل ولا يمتلكون المؤهلات قد يندرج ضمن استراتيجية تسطيح العقول وتسفيه الاحداث وتدليس الحقائق .
و اذا كان تحليل الأوضاع وقراءة الاحداث بهذه الخطورة التي قد تصل الى تقرير حالة الحرب والسلم او التعاون والصراع ،فان العناية بخلايا التحليل والفرز والفحص والمتابعة للأوضاع اصبح اكثر من ضرورة بل حتمية ليس لدينا تجاهها إختيار ،على اعتبار أن امتلاك ناصية ملكة التحليل السياسي المنهجي هي بمثابة “الطريقة المثلى التي نحكم بها على الظواهر والأحداث والأزمات السياسية محلياً وإقليمياً وعالمياً ، ولذلك يحتاج المحلل السياسي الناجح إلى فهم الواقع السياسي الدولي والإقليمي وعلاقة هذا الواقع بالسياسة الدولية والنسق الدولي والإقليمي حتى يتمكن من معرفة تأثيراته المحتملة على الواقع السياسي الداخلي” .
وقد يعتقد البعض ان التحليل مقرون بالمحليين فحسب ولكن الحقيقة ان التحليل عملية ديناميكية يومية يقوم بها العقل البشري بشكل دوري منظم ويعتمد فيه على مقومات وعناصر ونشاط “المخزون المعرفي ” ومواصفات المحلل ذاته وبلا شك انه ينتج الكثير من القرارات الصحيحة او الخاطئة، فالتحليل السياسي عبارة عن “دورة فكرية تعتمد الادراك المسؤول والتفكير المنظم لأفعال الاخرين التي تتجسد على شكل احداث وازمات وظواهر تصب في الواقع السياسي العالمي او الاقليمي او المحلي” ،بغية الوصول للهدف التحليلي وهو ابراز الحقيقة والغموض الذي يكتنف المواقف والازمات والظواهر المتفاعلة ضمن البيئة الاستراتيجية موضوع التحليل.
وتمثل عملية التحليل السياسي الاحترافي كما يقول احد المختصين “الركن الأساس للدولة وللحركات السياسية التي تنشد الإصلاح والتغيير الإيجابي للمجتمعات في المرحلة المقبلة، ففي ظل التحولات العميقة والتحديات غير المسبوقة، لا بد أن تقوم تلك العملية على بنى مؤسسية تُنظّم عملية توفير المدخلات وإتقان المعالجة وتقديم المخرجات وفتح آفاق الاستشراف”. ولا شك في أنه لم يعد من الممكن معالجة الأزمات التي تعاني منها المنطقة عبر اجتهادات بعض الأفراد مهما علت رتبهم العلمية، كما أنه لم يعد من الممكن الركون إلى انطباعات بعض المستشارين والخبراء والنخب الضيقة المحيطة بمؤسسات الإدارة والحكم في التعامل مع الكم الضخم من المعلومات، والخروج من خلالها بنتائج ملموسة على صعيد المجتمع، بل يتطلب ذلك مضاعفة الأدوار المحورية التي تقوم بها مراكز الفكر والبحوث والدراسات، والتي تتبوأ مكانة مهمة في الدول المتقدمة، لكنها لا تحظى بالاهتمام أو الدعم المطلوب في البلدان العربية حتى اليوم.
ونظرا لهذه الأهمية البالغة هنالك عدة محاولات لسد الفجوة الكبيرة في مجال المعرفة والممارسة في الحقل السياسي، ومعالجة حالة الخلط في الثقافة العربية المعاصرة بين ثلاثة مجالات هي:
ـ السياسة (علم الدولة): وهي مجموعة الأعمال التي تتطلع لاستخلاص مبادئ الحكم الجيد وصفاته. وتُعرّف بأنها: «رعاية شؤون الدولة الداخلية والخارجية وهي السلطة الأعلى في المجتمعات الإنسانية، ولها أبعاد خارج إطار السلطة والحكم كتسيير الجماعات أو إصلاح الأمور».
ـ العلوم السياسية: وهي «دراسة السلوك السياسي وتحليل تطبيقات السلطة واستخدام النفوذ». وتعرّف كذلك بأنها: «كيفية توزع القوة والنفوذ ضمن مجتمع ما أو نظام معين»، ومن أبرز فروعها: النظريات السياسية، والفلسفة السياسية، والنظم السياسية، وتاريخ الفكر السياسي، والإدارة المحلية، والحكومات المقارنة، والسياسات العامة، والقانون الدولي، والدبلوماسية، والعلاقات الدولية.
ـ الممارسة السياسية: وهي الإجراءات المنظمة والقواعد المفسرة للسلوك السياسي من منظور عملي، تختص في مجال «تقنين» هذه الممارسة وفق قواعد مستقاة من استقراء الخبرات والتجارب الميدانية لمختلف الأمم والشعوب، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام: القواعد الحاكمة، والفاعل السياسي، واللعبة السياسية.
ونتج عن الالتباس بين المفاهيم الثلاثة، تداخل في الممارسة، حيث تم الخلط بين السياسة (policy) بمفهومها المهني والتي تعني «تحقيق الأهداف المحددة بأفضل الوسائل»، وبين السياسة (politics) كنظريات وفلسفة، وبين العمل السياسي كتخصص منفرد بحد ذاته يتطلب:
1. ـ فهم الظاهرة السياسية بهدف التعامل معها.
2. ـ إعمال أدوات التحليل السياسي.
3. ـ الإلمام بفنون إدارة الصراع.
4. ـ الاستحواذ على مصادر القوة.
5. ـ حيازة أدوات الممارسة.
ولفك الاشتباك وإزالة حالة التداخل والخلط بين هذه المفاهيم المستقلة والمتجاورة في نفس الوقت بات من الضروري تطوير وترقية ملكة «التحليل السياسي» التي تُعرّف بأنها: «عملية بحث وتفسير حدث معين، ومعرفة أسبابه والاحتمالات الممكنة له، وتحديد مسار الظواهر السياسية محلياً وعلاقاتها بالمحيط الإقليمي والدولي، وتوقع ما سوف تؤول إليه الأحداث في المستقبل، ومعرفة تأثيراته على الواقع».
ينضاف الى ذلك التأكيد على الرؤية التكاملية بين ملكة التحليل السياسي وملكة ثانية لا تقل أهمية عنه وهي ملكة الاستشراف السياسي حيث لا يمكن للتحليل السياسي أن يصل الى الكشف عن الحقائق والتفسير الدقيق للظواهر السياسية دونما رؤية استشرافية ومعرفة بالمستقبل على اعتبار ان الكثير من القضايا والاحداث هي عبارة عن جزء من مسار وليست كل المسار وحلقة من حلقات الخطط والاستراتيجيات التي أصبحت اليوم هي اللغة العالمية لدى الكبار الذين يبرمجون العالم على المدى المنظور .
ف«الثورة الرقمية» وما يصاحبها من زيادة سكانية وتطور في وسائل الاتصال والمعلومات، تدفع نحو اتجاهات يصعب التنبؤ بمآلاتها، حيث يتنامى الشعور العام بأن مجتمعاتنا مقبلة على تحولات كبيرة، وأنها ستواجه تحديات لم تعهدها من قبل، ما يدفعنا للبحث عن آليات احترافية وأدوات قياس جديدة لممارسة عملية الاستشراف السياسي.
حيث يُعرّف الاستشراف السياسي بأنه: «محاولة استقراء الأحداث المقبلة عبر تحليل الواقع وتصور المأمول، باستخدام أساليب المحاكاة، وصياغة الأنساق والسيناريوهات المتعددة من خلال النظر إلى حلقات الزمن الثلاث: الماضي، والحاضر، والمستقبل». ولا يمكن القيام بهذه العملية من خلال جهود فردية تعتمد على «التخمين»، بل يجب أن توكل إلى مؤسسات تنمي لدى منسوبيها ملكات:
1 ـ «الاستشراف» الذي يرتكز على ثلاثة عناصر أساسية هي: «المحتمل» و«الممكن» و«المفضل»، حيث توجد أرقام وقرائن مع قدر معين من اللايقين (Uncertainty) ويعمل الباحث على التقليل من عنصر اللايقين للتوصل إلى أدق احتمال ممكن.
2 ـ «التخطيط للمستقبل» الذي يقوم على التحضير لمرحلة قادمة وفق سيناريو واحد خلال فترة زمنية محددة.
3 ـ «التنبؤ» الذي يُعرّف بأنه: «تقدير مستقبلي معتمد على نماذج إحصائية يمكن التدليل والبرهنة على تفاصيلها وعمومياتها».
4 ـ «التوقع» الذي يعرف بأنه: «تقدير مستقبلي معتمد على القدرة الذاتية في تطويع البيانات المتسقة بالمحتوى المراد تقديره».
إن القراءة الكلية للاحداث من خلال تعاضد ملكة التحليل السياسي والاستشراف المستقبلي من شأنه أن يوفر لنا فرصا أكثر لصياغة الرؤى المستقبلية التي تحررنا من حالة الارتهان والحيرة التي نحن فيها اليوم لآن الماضي مضى وانقضى يمكن فقط الإفادة منه ولكن كل مانطمح اليه سيحدث في المستقبل وليس في الماضي ،فالحرص كل الحرص على تعليم الفئات الشبابية مهارات التحليل والاستشراف المستقبلي لانهم هم من سيعيش في ذلك المستقبل.
وللتحليل السياسي وفق منهجية الهندسة السياسية فوائد هامة كما قال المختصون يمكن تصنيفها فيما يلي :
1. حصر الأزمات المتفاعلة ومعالجتها وتحقيق عنصر الوقاية الشاملة في الواقع السياسي موضوع الأزمة.
2. تكوين قاعدة بيانات منظمة تعتمد في أقسمها معلومات دقيقة تتعلق بالأحداث موضوع التحليل وتربطه بالوقائع التاريخية وتحدد طرق معالجتها التطبيقية مما يتيح هذه المعلومات في كل وقت وخصوصاً عند ظهور أحداث وأزمات مماثلة.
3. البعد عن الأحكام المطلقة، والبحث في كافة الاحتمالات الممكنة، ودرجة القوة في هذه الاحتمالات ومدى تأثيرها، ومن ثم ترك المجال لتعدد وجهات النظر وقبول الرأى الآخر.
4. معالجة القضايا والمواقف بشكل أكثر وعياً وعمقاً، والبعد عن المعالجة العاطفية أو التي لا تستند إلي أدلة واضحة يمكن أن يقبل بها الطرف الآخر.
5. عدم الوقوف عند رأي واحد وإغلاق الباب أمام آراء الآخرين حتى وإن كانت أكثر قناعة أو موضوعية، وبالتالي القدرة على مناقشة الآراء وتفنيدها، ومراجعة النفس إن وجدت الصواب أكثر في رأي غيرها، والتعود على احترام الرأي الآخر.
6. المشاركة في صناعة القرار السياسي المتعلق برسم السياسات.
7. المشاركة في تكوين رأي عام بخصوص قضية ما.
8. التحدث للرأي العام والتوعية عند الأزمات المتفاعلة والخطيرة.
9. طرح منظومات بحث متعددة مقتدرة ذات خبرة في معالجة الأحداث وتحليلها.
ويطرح المختصون أيضا سؤالا مهما جدا وهو : متى نقوم بالتحليل السياسي؟ ويجيب أحدهم أننا نقوم بالتحليل السياسي :
• عندما ندرك المتغيرات ونستطيع التفكير بعناصر تلك المتغيرات.
• عند وجود أمراً غامضاً يتعلق بالواقع السياسي يتطلب الدراسة والتحليل.
• عندما تستشعر مؤسسات الدولة بمخاطر سياسية ما أوعند وجود حدث سياسي مفاجئ
• وعند الخشية من تطور أزمة ما.
• عند بروز ظاهرة اجتماعية تتعلق بالواقع السياسي و ورود تقارير تفيد بوجود ضغط سياسي ما.
• عند التوقع تعرض البلد لتهديد خارجي ما تشكل خلية أزمة.
• عند القيام بمهام المتابعة الدورية للواقع السياسي الداخلي والخارجي.
• عندما يكون هناك قرار استراتيجي يتطلب البحث والتحليل.
• عند نشوب صراع إقليمي متاخم، أو عند نشوب حرب غير متوقعة.
وبعدما تطلبنا الاحداث للقيام بالتحليل السياسي سنطرح السؤال الرئيسي وهو كيف سنقوم بالتحليل السياسي السليم الذي يوصلنا الى تفسير الاحداث واتخاذ المواقف المناسبة التي تخدم رؤانا وخططنا ولا تتحول مواقفنا الى جزء من خطط من قام بالحدث ،وهنا يستخدم المفكرون والمحللون طرائق مختلفة كل حسب منهجيته على ان تتسق بالمفاهيم والآليات والمراحل الاساسية للبحث والتحليل ، ولغرض الوقوف على أسلوب “الهندسة المعكوسة ” كما يقول احد المختصين ،وهو اسلوب يجسد معايير الهندسة عندما تتعامل مع القيم الاساسية للبناء التي تعتمد التهيئة ووضع الاساس وتشييد البناء وصولا الى استكمال المتطلبات الضرورية للانجاز النهائي، وبذلك يتكامل البناء ويمكننا عكس هذه الفلسفة الهندسية على المشكلة موضوع التحليل ولكن بشكل معكوس وما أطلق عليه بعض المختصين “الهندسة المعكوسة” عندما يذهب المحلل الى جذر الازمة او الظاهرة اي يعني الاساس الهيكلي لبناء الاحداث او الازمات والظواهر ، وهو بمثابة العامل الثابت لجذر الموضوع ثم التوجه من خلاله الى العوامل المرتبطة به والتي بوبها ورتبها أحد خبراء التحليل السياسي وفق الخطوات التالية :
• البحث عن الفاعل الرئيسي للحدث موضوع التحليل.
• التفتيش عن الدافع الاساسي للأحداث ضمن مناخ المؤثرات السياسية.
• ربط الحدث بالخلفيات التاريخية المشابه ونمط الاحداث المتعلقة بالظاهرة او الازمة.
• جمع المعلومات المتعلقة بالحدث ومن مصادر مختلفة وحسب الاسبقية.
• البحث عن الفرضيات وتحديد المشكلة وهي بمثابة الاساس الذي يقام عليه الهيكل.
• الاستقصاء عن العوامل الاساسية ( العامل الثابت) وهي بمثابة الأرض.
• الاستقصاء عن العوامل المساعد ( المحرك الدافع) وهي بمثابة الممول.
• الاستقصاء عن العوامل الثانوية ( العوامل المتغيرة) وهي بمثابة المواد.
• الاستقصاء عن التيار الازموي وخلفياته وهو بمثابة القائم بالبناء وحرفيته.
• قراءة عامل الوقت وهو بمثابة المراحل الزمنية.
• قراءة ظواهر الحدث والتعمق في بواطنه وهذا يشكل النظر الى البناية قبل دخولها.
• وضع الاستنتاجات المنطقية وتمثل الدخول الامن.
• الخروج بتوصيات ومقترحات لمعالجة الحدث او الظاهرة وهي بمثابة التقييم.
ولكن هل يمكن لأي شخص أن يقوم بالتحليل السياسي السليم ؟ قد يقول قائل :كل طاولات المقاهي هي مائدة للتحليل السياسي وكل من هب ودب يحلل الأوضاع ومن حقه أيضا أن يعطي رأيه فيها ،لماذا كل هذا التعقيد ؟ أقول نعم من حق كل مواطن أن يكون له رأي فيما يحدث من أحداث على شرط أن يكون منتجا للتحليل وليس مستهلكا له من مصادر مختلفة ومتعددة وفي بعض الأحيان بدون مصدر او مرجع انما هي تحليل اطراف تستهدف صناعة الرأي العام بوسائل متنوعة حيث تحول الاعلام من حالة التعتيم عن الاخبار و نشر اخبار أخرى قد تكون مجانبة للحقيقة الى حالة التعمية حيث تنتشر اخبار وتحليل ومعلومات كثيرة ومن مصادر مختلفة تجعلك اعمى أو أعشى تسير حيث يريدك صاحب المخبر التحليلي ويسوقك الى مقتلك دون أن تدري باستخدام سلاح الاشاعات والاضاليل التي سممت العمل السياسي وحولته الى بحيرات للوباء السياسي الذي يعمل على اقناعك انك من الفاهمين لما يحدث ولكنك في نفس الوقت ضحية لتحليل سياسي مسموم ،فالتحليل السياسي الذي نناضل من أجل التكوين والتدريب عليه يختلف اختلافا جذريا عن الحالة الراهنة حيث يستخدم المحلل أو الباحث عدد من أدوات التحليل السليمة يمكن اختصارها فيما يلي :
• أولاً: المخزون المعرفي الذهني.
• ثانياً: معطيات الخارطة السياسية والواقع السياسي.
• ثالثاً: مصادر المعلومات الحديثة والمتاحة كالتقارير والنشرات والإحصاءات والتصريحات الرسمية – المسؤولين – المفكرين – صانعي الأحداث – مسرح الأحداث.
• رابعاً: مصادر المعلومات الخاصة التي يمكن أن يحصل عليها كاتب التحليل السياسي بحكم موقعة أو اتصالاته أو بحثه، وكذلك مدى عمق خبرته في المجال الذي يكتب فيه.
• خامساً: الاستبيان والإحصاء والمقابلة الشخصية واختيار العينات.
• سادساً: مصادر التأصيل والإسناد الظرفي والزمني للأحداث والوقائع.
• سابعاً: الاستطلاع الاعلامي والتغطيات الميدانية.
• ثامناً: الطرائق العلمية والنظريات الأكاديمية.
• تاسعاً: الحضور الميداني المباشر والإطلاع الشخصي.
• عاشراً: استخدام الوسائل الحديثة وأدوات البحث العلمي.
وعندما نتحدث عن التحليل السياسي بهذه الطريقة فنحن لا نتحدث عن جهود فردية متفرقة هنا وهناك ،نحن نتحدث عن هندسة للتحليل والاستشراف السياسي تقوم بها خلايا ومؤسسات للدولة او الجماعة السياسية على اعتبار ان العمل الفردي اذا لم يكن جزءا من عمل مؤسسي هادف فانه لا يغني شيئا لان الجهود الفردية مهما بلغت من الجودة فإنها في النهاية رأي يحتاج الى مناقشة وتقليب وجهات النظر بين العقول المؤسسية ،لنصل في النهاية الى استشراف سياسي مشترك يوفر لنا معلومات ومعطيات وقراءات تحليلية في المجالات الرئيسية التي تسند وتدعم الرؤية الكلية المستقبلية حيث يمكن من خلالها :
1. رصد الفرص التي يمكن أن تصبح متاحة في المستقبل.
2. تحديد القدرات اللازمة لإنجاز أي مسار مستقبلي.
3. توقع المخاطر بهدف تجنبها أو التقليل من أثرها.
4. حساب النفقات والمتطلبات المتوقعة في حال اختيار مسار محدد.
5. التركيز على عوامل التنمية وتحديد الآليات اللازمة لتحقيقها.
6. اعتماد سيناريوهات مسبقة الإعداد لمعالجة الحالات الطارئة المحتملة والإجراءات المطلوب اتخاذها.
وهي عملية جماعية مؤسسية تتم وفق الخطوات والمعايير التالية:
1 ـ تحليل الخلفية التاريخية للظاهرة السياسية.
2 ـ توصيف الظروف البيئية الحالية.
3 ـ تحديد أهم العوامل أو القوى المحركة لهذه الظروف.
4 ـ تقدير الأثر المتوقع لهذه العوامل في المستقبل.
5 ـ حصر الاحتمالات المتوقع ظهورها على الساحة في الفترة المقبلة.
6 ـ جمع البيانات والأرقام والمعلومات المتعلقة بالظاهرة السياسية والربط بين عناصرها لتحديد الاتجاهات المتوقعة لتطور الحدث.
7 ـ وضع سيناريوهات متعددة بهدف التعامل مع النتائج المحتملة للأحداث وسبل إدارتها ،غالبا ما تكون هنالك ثلاثة سيناريوهات أو أكثر حتى لا نوفر فرصة للاستقطاب أو الطرفية عندما نتحدث عن سيناريوهين فقط (السيناريو الأفضل – السيناريو الممكن – السيناريو الأسوأ ) مع اقتراح سبل المعالجة والتعامل مع كامل السيناريوهات بخطط مكتوبة وتوضيح ماهو السيناريو الراجح الذي نعمل له اذا كان يتناسب مع مقاربتنا السياسية او نعمل على تجنبه اذا كان يعطل مشاريعنا ويرهن الاستقرار العام .

تعليق

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً