الرئيسية مقالات أ. فاروق أبوسراج الذهب في ذكرى الشيخ الرئيس (06) ترسيم القيم في بحر الأهواء

في ذكرى الشيخ الرئيس (06) ترسيم القيم في بحر الأهواء

كتبه كتب في 23 يونيو 2021 - 1:36 م
مشاركة

الشيخ محفوظ نحناح كان من الزعماء الذين يعتبرون التغيير مسألة حضارية وأمانة ملحة ألقت بها الأيام على كواهل جميع المخلصين ولذلك عمل منذ البدايات على اعتبار التربية الوسيلة الأساسية لإنجاز عملية التغيير،بل اعتبرتها وثائق الحركة التي أسسها العمود الفقري لجسمها والهدف منها هو بناء المواطن المسلم الصالح والأسرة والمجتمع الصالحين ليكون الإفراز والمخرج النهائي الحكومة والدولة والأمة الصالحة القوية المستقرة التي تحافظ على أصالتها وثوابتها وتحقق الأمن والاستقرار والعدل الاجتماعي والتنمية الاقتصادية وتكفل الحقوق والحريات العامة.فكان وثيقة ثابتة في كل المؤتمرات تناقش وتدرس ويصادق عليها تحت عنوان “السياسة التربوية”.

فطيلة حياته رحمه الله عمل على إرساء جملة قيم حضارية لدى المناضلين والمواطنين على السواء واعطت حركته و الرموز التي كونها النموذجية كمدرسة سياسية تناضل من أجلها وفق رؤية كلية ،فكان سابقا حين وضع لحركته شعار العلم والعمل والعدل ورسخ قيم المرحلية والموضوعية والواقعية في التحليل والتفاعل السياسي في أجواء كانت عاصفة عرفت بسنوات الفوضى والجنون، فغرس باصراره وحجته قيمة السلم والتوازن ،وكان يطوع المفردات اللغوية للتعبير عن القيمة بميزان يجمع بين العلم والعمل ليحل الرشد السياسي ،فنحت رحمه الله مصطلحات سياسية ماتزال إلى اليوم متداولة ،وتستطيع أن تشكل منها قاموسا سياسيا نحناحيا فريدا ،فكان يبحث عن نقطة التوازن في كل موقف وموقع ،فهو شخص ينبذ التطرف والطرفية،واقرأ إن شئت عموده بجريدة النبأ الزاهرة تحت عنوان معا نحو الهدف والذي تحول بعد ذلك إلى كتاب كيف كان يغوص في الثنائيات والبينيات ليصنع منها وسطا متناسبا للفعل السياسي الراشد ،فالشيخ كان يعتبر النضال من أجل القيم والمبادئ والثوابت مختلف عن النضال من أجل المصالح والارادات الشخصية فكان بحق متمحور حول القيم والمثل العليا ولم يكن متحلقا حول ذاته،فقدم هو ومن كان معه اعز ما يملكون فالتضحيات بالنسبة للنضال القيمي لاتعتبر سلبيات بقدر ماهي عرابين وفاء تغذي المنهج وتنتصر للمنهجية ولبنات أساسية تعطي الطريق المتعة واللذة وتدفع عنه انتحال المرجفين وغلو الضالين.
الشيخ الرئيس كان يعتبر معركة القيم في بحر الأهواء هي معركة القدوة والمثال والنموذج الذي يتحول بعد صبر وتضحية إلى محور حضاري تتجمع حوله الجموع فينظمها ويوجهها ويرشدها إلى الطريق الحق.
ففكرة أصيلة كما المفكر مالك بن نبي لايعني ذلك فعاليتها الدائمة،وفكرة فعالة ليست بالضرورة صحيحة،والخلط بين هذين الوجهين يؤدي إلى إطلاق احكام خاطئة تلحق أشد الضرر بتاريخ الامم ولاسيما عندما يصبح هذا الخلط في أيدي المتخصصين في الصراع الفكري وسيلة لاغتصاب الضمائر.
فالشيخ محفوظ نحناح كان مدركا ومستوعبا للواقع الذي يمارس فيه العملية التغييرية وهو واقع يميزه الغلو والجفاء بالضبط كما جاء في الحديث “ضاع هذا الدين بين الغالي فيه والجافي عنه” فنظام القيم يسير ببطء عندما تنقلب الموازين في الأمم سيما إذا تعرضت إلى فتنة أو احتراب كما حدث في الجزائر،فتصبح العملية التغييرية عملية تستهدف اولا إعادة صياغة نظام القيم في المجتمع بشكل متدرج ولكن فعال.
وبكلمة فإن الشيخ نحناح ومن خلال برنامج ترسيم القيم ابرز أن القيمة التنافسية لحركته وجماعته هي قيمية وليست مصلحية وهي التي تميزها عن الآخر واستطاع بنضال مستدام أن يرسخ هذا التميز السياسي وصار كل من يخرج عن هذا الإطار التنافسي القيمي يخرجه المجتمع من حقل التأثير والمصداقية قبل أن تتكفل به المؤسسات والنصوص فيخرج من القلوب والعقول قبل الخروج من الهياكل والحقول.

التدوينة القادمة:
شيخ يقتحم الممنوعات

تعليق

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً