الرئيسية مقالات أ. فاروق أبوسراج الذهب في ذكرى الشيخ الرئيس (07) شيخ يقتحم الممنوعات

في ذكرى الشيخ الرئيس (07) شيخ يقتحم الممنوعات

كتبه كتب في 28 يونيو 2021 - 11:35 ص
مشاركة

مسيرته رحمه الله نحو ترسيم القيم السياسية ومعالجة الاختلالات الفكرية التي كانت تميز الساحة الثقافية في عصره استطاع أن يلج إلى فتح عديد الملفات التي كانت تحيط بها اشواك مكهربة لا يدنو منها إلا خبير تفكيك الألغام الفكرية التي علقت بالاذهان وزرعت على طول مسيرة زمنية من تاريخ الأمة ،ففكر الحركة الإسلامية الحديثة طرحت أمامه عديد الأسئلة العملية التي تحتاج إلى مانسميه التأصيل على اعتبار أن أغلب النقاشات التي عرفتها الساحة الفكرية انذاك كانت قاعدتها فقهية حيث يطرح سؤال الجواز وعدم الجواز لتندلع معارك التحريم والتحليل والتبديع والواجب والفرص والمندوب والمباح ولاسيما في القضايا المستجدة ،فعندما بادر الشيخ بمشروع التحالف السياسي الإسلامي الوطني في وقت سابق ثارت معركة إعلامية عنوانها ” لا حلف في الاسلام” وعندما تحدث عن استخدام آلية الديمقراطية ثارت معركة الولاء والبراء و الشورى والشرعية والحاكمية،وعندما طرح قضية المشاركة السياسية ثارت معركة جواز المشاركة في حكم غير إسلامي والمشاركة في الوزارة والبرلمان ،فضلا على معارك الارهاب والجهاد و المقاومةوالفن ومشاركة المرأة … وفي مقابل فتح هذه القضايا المعاصرة دخل الشيخ رحمه الله في مسيرة التصحيح لمسار تقليدي بدا عليه الجمود والتقليد وطغت عليه المفاهيم المغلوطة ولا سيما في مرحلة نطق الرويبضة وسيادة الجهل المركب،فاجتهد رحمه الله في معركة تصحيح المفاهيم وفتح الملفات المغلقة والممنوعة أيضا ،فميز بين مفهوم الدولة والسلطة والحكم والحكومة والدولة التقليدية والدولة الحديثة وبين الدولة المدنية والثيوقراطية ،كما كان بارعا في الربط بين مفهوم الشورى والديمقراطية ناحتا لمصطلح جديد هو الشوراقراطية وبين أن لا تنافي بينهما مادام الهدف هو تقليم أظافر الاستبداد وفتح أبواب الحريات وتقوية الاستماع الى الآراء والمقترحات وتنشيط الذهن والفكر فيما يستهدف درء المفاسد وجلب المصالح والاعتماد على خيار الشعب وتبني الانتخابات ونبذ العنف للوصول إلى السلطة أو البقاء فيها ،بل راح رحمه الله يطوع اللغة ويحاول ايجاد الخلقة المفقودة بين الذين يؤمنون بالشورى ويكفرون بالديمقراطية والذين يؤمنون بالديمقراطية ويكفرون بالشورى واعتبر الديمقراطية آلية وطريق ووسيلة للوصول إلى الشورى كقيمة حضارية أوسع من مجرد آلية وزاوج بينهما كما يقول رحمه الله ” زواجا كاثوليكيا” تحت مسمى الشوراقراطية بلغة اصطلاحية جديدة تبسط المفهومين وتدل عليهما.

كما اجتهد رحمه الله في تصحيح الصورة التي الصقت بالإسلام والمشروع الاسلامي لدى الدوائر الغربية والأنظمة من خلال بعض الممارسات والتي تصف الاسلام بالإرهاب و التخريب واعطى الصورة المثلى لسماحة الاسلام وقدرته على التجاوب مع التحولات الدولية ولاسيما العولمة،واثبت للجميع داخليا وخارجية الفرق الشاسع بين الإسلام والإرهاب والمقاومة ،كما اجتهد رحمه الله في إشراك المرأة في العمل السياسي واعتبرها الاهتمام البالغ وبوأها المنزلة الريادية وفتح ملف الفن والجمال والحب وحاول من خلال تصريحاته ومحاضراته في الداخل والخارج أن يعطي الصورة الحضارية لنظرية الاسلام التغييرية،كما اجتهد في غرس ثقافة التسامح والتشاور والحوار بين أبناء الوطن الواحد واستطاع أن يميز مبكرا بين حق مقاومة الشعوب للمستعمر وبين الصراعات الداخلية الموصوفة بالفتن والتطرف والغلو والتشدد والتكفير كالذي عرفته الجزائر طيلة عقد التسعينات من القرن الماضي ،واصبح بذلك هدفا لجميع المتطرفين في التيار الإسلامي وفي التيار الاستئصالي ،وعرف في مسيرته بسفير فوق العادة للأفكار الجديدة والجرأة على فتح الملفات الممنوعة والاحابة على الأسئلة الشائكة والإبداع في تسويق الصورة الجديدة بالحجة والبيان والبرهان،فهو الذي صك فكرة “أن الإرهاب لا دين له ولا وطن له ولا لغة له ولا جنس له” فصارت برنامجا دوليا اليوم يتحدث به العرب والعجم،كما رسخ قيمة المشاركة السياسية في ثقافة الحركة الإسلامية التي كانت تعتبر فرع من أصل وكانت منبوذة ودليل عمالة ومداهنة للأنظمة وصارت اليوم استراتيجية مثلى في التعاطي السياسي،كما أفنى رحمه الله من أجل ترسيخ قيمة الحوار وقبول الرأي الآخر وهو صاحب مقولة” نتحاور حتى مع الشيطان”،وقد أثرى الساحة السياسية الجزائرية بمفاهيم جديدة دخلت حقل السياسة وبتركيز كبير علم أنصاره أن عملية التغيير تؤطرها رباعية ذهبية هي المرحلية في التغيير والموضوعية في التحليل والواقعية الطرح والتراكمية في العمل السياسي،واصبح يعرف ايضا برجل المبادرات وكان حرصه كبيرا على معالجة ظاهرة الفصام النكد بين التيارات السياسية الأساسية في المجتمعات العربية وراح يطرح مقاربة البحث عن الحلقة المفقودة بين الإسلام والوطنية والديمقراطية وكتب في ذلك كتاب يحمل هذا الاسم والذي كان عبارة عن مضمون برنامج سياسي كان يحضره للمشاركة في رئاسيات 1999 ولكنه أقصي منها ظلما وعدوانا على حق مكفول دستورا حيث وضع له بند خاص به في مادة في التعديل الدستوري لسنة 1996 ،فحول برنامجه إلى كتاب طرح فيه أغلب تلك القضايا المركزية التي كانت مثار جدل ونقاش .ومن أكبر القيم والاضافات التي رسمها الشيخ محفوظ نحناح هو التأسيس لأركان وأسس وقواعد مدرسة الوسطية والاعتدال في الجزائر واشرافه على تخريج رعيل من القيادات والاطارات المتنوعة الاختصاصات وهي موجودة اليوم في كل مجال من المجالات الاثنى عشر التي فتحها الشيخ في بداية التعددية،ووصل بها إلى مدارج عالية من الارتقاء الفكري والسياسي والتربوي والاجتماعي والتخصصية وصارت محاور ولاء حضاري في المجتمع الجزائري تحفظ له التوازن وتحقق له الاستقرار حتى وإن كانت اليوم خارج التنظيم الذي أسسه الشيخ نحناح،كما استطاع رحمه الله أن يجعل من بيان أول نوفمبر ودعم القضية الفلسطينية محل إجماع جزائري عند جميع أطياف المجتمع وعند السلطة الجزائرية أيضا .
التدوينة الثامنة :
شيخ يفكر خارج الصندوق

تعليق

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً