في ذكرى المؤسس الشيخ (08) شيخ يفكر خارج الصندوق

كتبه كتب في 2 يوليو 2021 - 8:54 م

قدرة الشيخ نحناح على الخروج من تأثير حقل الصدمة جعله ينخرط بسرعة فائقة في مساحات تفكير جديدة تحاول النظر من زوايا متعددة تكسر حدود التفكير المغلق الذي يحب السكن في الماضي والسير في الأروقة الضيقة ،فقد فهم الشيخ نحناح عمق سلوك المصطفى صلى الله عليه وسلم في بني المصطلق حين تلاح صحابيان واختلفت وتناديا بالعرقية والقبلية ،فلما بلغ الخبر الرسول من زيد ابن الارقم أمرهم الرسول بالسير حتى تعبوا وناموا واغلق ملف العرقية وفوت الفرصة على أبي ابن سلول الذي أراد استغلال الخلاف للتفريق بين المسلمين وإسعاف صفهم،فكان الشيخ يخرج سريعا من إشعاع الصدمات ويفتح الآفاق الجديدة ويهندس للعلاقات ببراغماتية بديعة.

كان رحمه الله يفهم ويعلم تلامذته أن الديمقراطية ليست مطرا يسقط فينبت لوحده وانما هي كائن حي ينمو بنمو القيم الأساسية للديمقراطية ويصل في النهار إلى النتائج المرجوة بعد زمن يجب أن يحترم.
وان التعددية وقبول الرأي الآخر تحتاج إلى مأمن سياسي يتلاقى فيه المختلفون على مائدة الحوار ويتنازلوا بعد خصومات ورعونات.
وان العنف والعنف المضاد جنون سياسي يهدر الطاقات ويندر الخيرات وينتهي بحكم معطوب الشرعية.
وان الاعتدال طريق قد تكوم ضريبته الدماء ولكنه الطريق الوحيد الذي يوصل الى الهدف.
وأن المجتمع سيصاب بأزمة قيم إذا تخلت النخبة عن القيام بدورها ورسالتها.
وأن الصراع السياسي يحتاج إلى إدارة حكيمة مستوعبة للرؤى المختلفة وتقوى على توظيف القواسم المشتركة الجامعة.
وان التعددية الحزبية ليست دليلا على الديمقراطية إذا لم تساهم في نشر الوعي السياسي والتنشئة السياسية من أجل الوصول إلى تشكيل مدارس سياسية حقيقية تسعى إلى تنظيم النظام السياسي وتحديثه.
وأن النصوص القانونية لاتصنع الديمقراطية وانما توفر مساحات للحرية الفردية والجماعية وتعطي الفرصة لصياغة مشروع وطني سائد يصنع التنمية والاستقرار.
وان سبب أزمة المعارضة ليس في مبدئيتها وانما في كونها تستخدم ادوات تقليدية في إدارة الصراع السياسي وطغيان الأنا الحزبي الذي أجل كل فرص التوافق والإجماع.
إن استراتيجية التفكير خارج الصندوق كما يقولون و شرب الماء الموجود في الكأس عند الضمأ مقدم على الانحباس داخل الصندوق والبيئة التي يصنعها الخصوم أو البقاء في حالة الضمأ لانك مشغول بالجزء الفارغ من الكأس ،هذا النوع من التفكير المفتوح هو الذي يفتح باب الدخول الى المستقبل والتأثير فيه ولذلك أورد الشيخ فصلا كاملا في كتابه الجزائر المنشودة حول المستقبل .
إن رجلا فارسا كالشيخ محفوظ نحناح رحمه الله كان لابد أن يدهش الأجيال بختام حياته،ونستطيع أن نقرر بأن الشيخ كان بحق الاسقاط الحقيقي والصحيح والواقعي لنظرية التغيير التي
كان يؤمن بها الإمام الشهيد حسن البنا،هذه النظرية التي تجزأت في الكثير من التجارب القطرية لكن جمعت اجزاؤها في منهجية التغيير التي سار عليها الشيخ نحناح،وهو الأمر الذي جعل المفكر والشيخ محمد احمد الراشد فقيه الدعاة المعاصرين يقدم ويهدي كتابه الرائع والمرجعي والمكون من أربعة أجزاء ” أصول الإفتاء والاجتهاد التطبيقي في فقه الدعوة الإسلامية” إلى الشيخ محفوظ نحناح وهو على قيد الحياة، في اعتراف بليغ من مفكر وفقيه وداعية خبير لايعرف المدح أو الدعاية بقدر ما كان مهتما بتجربة الشيخ نحناح السياسية والدعوية ،وكتابه هذا معيار كبير وميزان ذهبي دقيق في الربط بين ماهو نظري وتطبيقي في فقه التنزيل والاجتهاد الاصولي الرفيع القيمة والمكانة ،وهو الذي كتب تحت عنوان”الشيخ نحناح وكتلته الجمالية”مضى واثقا بعد أن ضرب مثلا للقيادة الناجحة التي تستوعب جيداً موازين الفقه الدعوي التي تحكم المواقف المشتبهة حيث اعتبره ناحت النظرية التغييرية في صناعة الحياة.
والذي يجب أن نختم به هذه التدوينات في الذكرى الثامنة عشر لوفاة الشيخ نحناح هو أن هنالك فارقا أزليا بين الذين خدعوا التاريخ وبين الذين نصحوا لله ورسوله،واذا كان الامام المؤسس قدس الله سره رسم الخط وأوضح السبيل فإن نجله سيف الاسلام قد بصم بيده على اسقاطات الشيخ نحناح وحرص على حضور تأبينيته في البليدة ورصع كلمته بوصفه للشيخ نحناح ” الزعيم الذي صنعه الله” كيف لا وهو الذي زرع بذور الامل في أمة منهكة ورسخ فقه الإنتظار الواعد وثقافة الانتصار الشاهد في زمن الفقر الفكري والتصحر الثقافي واليأس من المستقبل.

في التدوينة التاسعة:
معالم النحناحية الجديدة New-Nahnahia

تعليق

تعليقات الزوار ( 1 )

اترك تعليقاً