حركة مجتمع السلم
المحاور العشرة لمواجهة وباء كورونا
لقد أصبح وباء كورونا أزمة عالمية متعددة الجوانب أضرت بالصحة العامة كثيرا وامتدت آثارها إلى مختلف النواحي الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والسياسية والأمنية، ولم تسلم بلادنا من هذا الوباء وآثاره، ومن سوء الأقدار أن هذا الوباء حل بالجزائر في زمن نتعرض فيه إلى أزمات أخرى كثيرة على عدة أصعدة، ومع استفحال الموجة الثالثة وما تتركه من ضحايا بشرية وخسائر متنوعة وجب التعاون بين الجميع لتخفيف الأضرار على العاجل والمساهمة في القضاء على الوباء على المدى المتوسط والبعيد، ومن المجالات التي تستطيع الأحزاب المساهمة فيها تقديم الحلول والاقتراحات أصالة عن نفسها، وتحريك أفرادها واستثمار علاقاتها مع المجتمع المدني ومختلف القوى الوطنية للمساهمة بطريقة غير مباشرة في مختلف المجالات الأخرى.
تمثل هذه المساهمة مجموعة أفكار على محاور عشرة نضعها بين يدي الجهات الحكومية والقوى المجتمعية، بعضها متكفل به يتطلب التطوير وبعضها إضافات قابلة للنقاش.
وقبل عرض هذه الأفكار العقلانية كأسباب واجبة ووسائل للإحاطة بالوباء نذكر كمؤمنين من باب قوله تعالى: ((وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)) بأن الله هو الشافي القادر على رفع الوباء وفق قوله سبحانه ((وإذا مرضت فهو يشفين)) فنتوجه إليه بالدعاء والضراعة أن يرفع عنا هذا الوباء وأن يوفقنا سبحانه للتوبة والإنابة إليه.
وتتمثل هذه المحاور في ما يلي:
المحور الأول – الاستشراف والتخطيط والتنظيم والشراكات: لا يمكن مواجهة وباء خطير وله تبعات مضرة جدا على الصحة العمومية وعلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والأمنية مثل وباء كورونا دون اعتماد قواعد الاستشراف وأصول التخطيط والتنظيم ودون إشراك القوى الوطنية الفاعلة. لا ينفع مع هذا الداء الارتجال والحملات العشوائية والامكانيات الثانوية. يتطلب هذا الوباء إدارة مركزية متعددة الاختصاصات لها الصلاحيات الضرورية والميزانية اللازمة تتفرع إلى المستوى المحلي، لها القدرة على معرفة طبيعة الوباء وخصائصه وتحولاته في كل أنحاء العالم وطرائق انتقاله وآثاره الصحية وتأثيراته على مختلف النواحي المتعلقة بالفرد والمجتمع، لها القدرة على استشراف الوضعية الوبائية في البلاد وفي المحيط الإقليمي والدولي، ولها دراية تامة من الناحية النظرية بمختلف بروتوكولات الوقاية والعلاج والرعاية المجربة في العالم وتتحمل مسؤولية اختيار البروتوكولات التي تليق بالجزائر مع المرونة اللازمة في مواجهة التحولات والظروف، توفر لنفسها قاعدة بيانات بحالات الإصابة والإمكانيات المتاحة والإمكانيات الصحية واللوجيستية الواجب توفيرها، تتحرك ميدانيا وفق قواعد الإدارة الاستراتيجية ومعايير الحكامة وعلى ضوء البحوث العلمية ولها الإرادة والقدرة على بناء الشراكات مع الجامعات والمجتمع المدني والقوى الفاعلة السياسية والاجتماعية والثقافية والعلمية الوطنية التي لها الاستعداد للتعاون وتشجيع الأفراد أصحاب الإمكانيات المالية والمادية على المساهمة. مع ضرورة تفعيل وضبط التعاون الدولي في مجالات الوقاية والبحث العلمي والتطعيم، والتضامن مع الدول الضعيفة وفي كل ما يساعد على التحكم في مكافحة الوباء وإنهائه في أقرب الآجال.
المحور الثاني – الوقاية:
وهي الأساس في مواجهة الوباء والأقدر على تحقيق النتائج وتقليص عدد الإصابات إلى غاية استئصال الداء أو خروجه من دائرة التصنيف الوبائي وتحوله إلى مرض عادي يمكن التعايش معه. ويقصد بالوقاية أساسا التباعد وإجبارية ارتداء الكمامات والمطهرات، ووسائل منع وتقليص العدوى. وتكون الوقاية بالتزام مزدوج من السلطات الرسمية ومن المواطنين ويتم الأمر على أساس خطط محكمة وحلقات متكاملة ودائمة بعيدا عن الارتجال وردود الأفعال وعلى ضوء الدراسات الاجتماعية التي تسدد العمليات بما يتوافق مع الطبيعة الجزائرية ووفق الظروف الاقتصادية الواقعية، وتتفرع الخطط إلى قوانين وإجراءات وتدابير وبرامج يفهمها ويلتزم بها الجميع، كل في مجاله وينخرط في تنفيذ الخطة الوقائية والتوعية بها المؤسسات والإدارات ووسائل الإعلام والمجتمع المدني وقطاع التربية والتعليم والمساجد والأسر. وتتحمل الدولة مسؤولية الصرامة واستعمال وسائل الإكراه في إطار القانون عند الضرورة.
المحور الثالث – التطعيم:
من خلال توفيره وتعميمه بكميات كبيرة وفي كل ولايات وبلديات الوطن للوصول إلى تطعيم من 70% إلى 80% من المواطنين على الأقل، مع ضرورة الشرح لفوائده وفق قاعدة “نفعه النسبي أولى بكثير من ضرره الظني”، وبالاعتماد على التخطيط في عمليات التطعيم وحسن الإدارة والمتابعة وبناء قواعد المعلومات الطبية الضرورية. وفي كل الأحوال يجب أن يكون التطعيم اختياريا، ولطمأنة المواطنين يجب إظهار تطعيم المسؤولين، مع إمكانية تأسيس برامج تأمين على التطعيم للتعويض في حالة حدوث مضاعفات. وكذا التعريف بمختلف أنواع التطعيم وخصائصها وآثارها المحتملة وتتحمل الدولة مسؤولية الوقوف بجدية على حقيقة المخاطر التي تشاع بكثافة بخصوص التطعيم. ومن حق بعض المؤسسات أن تلزم عمالها وطواقمها بالتطعيم بشكل إجباري بعد التوعية والحوار و/ أو كجزء من عقد العمل. وفي كل الأحوال تتحمل الدولة مسؤولية الآثار باعتبار أن الوباء جديد ولم يكن ثمة وقت كاف لتجريب الآثار الجانبية بالشكل العلمي المتكامل وأن اللجوء إلى التطعيم دون حصول اليقين بخلوه من الآثار السلبية حالة ضرورة ألجأت إليه التبعات السلبية الكبرى للوباء على حياة الناس صحيا وفي مختلف المجالات.
المحور الرابع – الفحوصات المخبرية والإشعاعية والكلينيكية للكشف عن الإصابة بكوفيد 19، وذلك من خلال توسيع الفحوصات وتعميمها، خصوصا لدى الأشخاص المعرضين والذين يحملون أعراضا وعدم التساهل في ذلك، بالاعتماد على الخدمات المجانية على مستوى القطاع العام، وتحسين التعويضات على مستوى الضمان الاجتماعي، وتسهيل وتحفيز المساهمات التضامنية على مستوى المجتمع المدني ورجال الأعمال وعموم المحسنين، وتسقيف الأسعار على مستوى القطاع الخاص وتعويضه بالتسهيلات التي تقدم لأصحابه. ويمكن تخفيف أعباء الفحوصات المخبرية والإشعاعية بالاعتماد على التشخيص الكلينيكي، وتوسيع هامش تأكيد الإصابة من خلال الأعراض، وترك الفحوصات المخبرية والإشعاعية للحالات الخطيرة والصعبة ولضرورات متابعة المضاعفات.
المحور الخامس – العلاج المنزلي أو الفردي والحجر الطوعي للحالات المرضية العادية المؤكدة بمختلف الطرق المذكورة أعلاه التي ليست لها مضاعفات، وذلك بتحديد البروتوكولات العلاجية وفق معادلة “الأكثر نفعا والأقل كلفة والأحسن توفرا والأنسب لمختلف الأوضاع الصحية” وتوفير الأدوية والمواد المكملة المناسبة مع تفعيل وتحسين الضمان الاجتماعي وتشجيع مساهمات المجتمع المدني والخواص. يتطلب الأمر إعداد برنامج تدريبي لعمال القطاع الطبي خاصة الأطباء العامون، وكذا عمال القطاع شبه الطبي، وتوفير مواقع وبرامج إلكترونية للإجابة على أسئلة المرضى وعائلاتهم، وأسئلة الأطباء والمهتمين. وسيحقق ذلك تخفيف الضغط على المستشفيات ويجنب المضاعفات بسبب التأخر في الرعاية ويساعد على تقبل المرض والتعايش معه دون هلع ليصبح مع مرور الزمن مرضا متحكما فيه ضمن منظومة صحية تشاركية عادية.
المحور السادس – الحجر الإجباري والرعاية الاستشفائية للحالات الخطيرة أو القابلة للتطور السلبي أو المتصلة بأمراض مزمنة أو خطيرة أخرى. وعلى هذا المستوى يتطلب الأمر توسيع القدرات الاستيعابية الاستشفائية وعدم مزاحمة المستشفيات والخدمات الصحية من غير وباء كورونا حتى لا تنهار المنظومة الصحية كلها ولا يقع التفريط في المرضى الآخرين، ويتم الأمر بفتح فضاءات جديدة بعضها يكون دائما ما دام الوباء لم يستأصل بعد، وبعضها يكون جاهزا للعمل في أسرع وقت عند الاحتياج ومن هذه الفضاءات: مستشفيات ميدانية في أماكن لائقة، قاعات رياضية، قاعات أفراح، فنادق، أحياء جامعية في زمن العطل، تسخير فضاءات لا يؤثر توقيف استعمالاتها على الحياة العامة. مع ضرورة تجهيز هذه المرافق الجديدة بالوسائل الضرورية للرعاية الصحية للمصابين بالوباء. ويجب أن تكون المنظومة الصحية كلها في أقصى درجات التنظيم والانضباط، وأن تكون محل اهتمام ودعم معنوي وميزانياتي، واعتبار الأطقم الطبية وشبه الطبية والإدارية والتقنية المسخرة لمحاربة الوباء جنود الشرف يستحقون كامل التقدير والاحترام وما يلزم من توفير الإمكانيات والتعويضات.
المحور السابع – مشكلة الأكسجين:
وهي المشكلة التي تتسبب في نسبة كبيرة من الوفيات، وهي حالات مأساوية للمريض وعائلته وللوضع النفسي والاجتماعي العام، والحلول يجب أن تتجه إلى توفير مادة الأكسجين وحسن تنظيم التوزيع، أما توفير المادة فيكون بتوفير مولدات الأكسجين في المستشفيات لتحقيق الاكتفاء الذاتي وبتوسيع القدرات الإنتاجية في المؤسسات العمومية المختصة وتمكين القطاع الخاص من ولوج هذا المجال والنجاح فيه بسرعة وسهولة، وبتسهيل استيراد المكثفات الهوائية من خارج الوطن سواء للقطاع الخاص أو الجمعيات والمبادرات التطوعية الجماعية، أو مبادرات الخواص من الجزائر أو على مستوى الجالية لصالح عائلاتهم ومعارفهم، كما يمكن تشجيع صناعة المكثفات على المستوى المحلي بشرط تحقيق معايير الجودة العالمية ويكون الدعم بالإعفاء الضريبي والطلبات العمومية. وبخصوص التنظيم فيقوم الأمر على أساس التخطيط والاستشراف وتوزيع وحدات الإنتاج والتخزين في مختلف أنحاء الوطن وضمان شبكات النقل والحماية الأمنية من السطو والفوضى، وضمان عدم الانقطاع بأي حال من الأحوال لأن انقطاع فترة زمنية قصيرة تؤدي إلى وفيات عديدة.
المحور الثامن – تدابير الغلق بمختلف أنواعها داخل البلاد:
سواء ما تعلق الأمر بالأسفار أو الأماكن العمومية أو المساجد أو الأسواق أو القطاعات الإنتاجية أو الخدمية أو كل ما له صلة بالحياة العامة الضرورية للمواطنين، فإن القرار فيها صعب ومعقد وله تبعات خطيرة على الاقتصاد الوطني ومعيشة المواطنين وعلى الاستقرار النفسي والاجتماعي ولذلك يجب عدم استسهال الأمر من قبل السلطات إلا في الحالات القصوى التي لا تنفع معها حلول أخرى والتي قد تؤدي إلى الغلق الكامل لفترات محدودة، وفي هذه الحالة تتحمل الدولة رعاية المواطنين من آثار الغلق وتفعيل شبكات التضامن المجتمعي، وفي غير هذا يجب تفضيل الصرامة في تدابير الوقاية على الصرامة في تدابير الغلق، مع إمكانية الذهاب في الصرامة في تدابير الوقاية إلى استعمال أدوات الإكراه التي تختص بها الدولة في إطار القانون وفق ما ذكر أعلاه. وباعتبار أن المساجد أظهرت انضباطا مثاليا في الالتزام بالتباعد وارتداء الكمامة وتقليل الفترات الزمنية للتواجد الجماعي في المسجد فإنه يجب مراعاة أداء صلاة الجماعة إلا في الحالات القصوى لاشتداد الوباء وإذا تقرر الغلق الكامل لهذا السبب، إذ لا يتفهم المواطنون بقاء الأسواق مفتوحة حيث لا يوجد انضباط كامل للتباعد وتمنع الصلوات في المساجد.
المحور التاسع – السفر من وإلى الجزائر:
في هذه الحالة يجب التفريق بين المستويات الثلاثة بخصوص الغلق: المواطنين العالقين في الخارج، الجزائريين المقيمين في الخارج، الأجانب.
أما العالقون فيجب إدخالهم مهما كانت الظروف وفي أي بلد كانوا، واعتبار ذلك واجبا أساسيا على عاتق الدولة مع أخذ الاحتياطات الوقائية اللازمة، كما أن أصحاب المصالح من الطلبة ورجال الأعمال وغيرهم من الجزائريين يجب التساهل معهم وفق حالاتهم في إطار إجراءات الوقاية الصارمة، وأما الجزائريون الذين يعيشون في الخارج أو الذين أصولهم من الجزائر ويحملون الجنسية الجزائرية فإن منعهم من دخول الجزائر أو العودة إلى أماكن إقامتهم لا يكون تلقائيا إذ ثمة قضايا إنسانية واجتماعية وعائلية لا تتحمل الإغلاق عليهم لمدد طويلة فينظر لكل حالة وفق حجم الأضرار المعنوية والمادية جراء المنع، ودائما مع إجراءات الوقاية الضرورية بطبيعة الحال، ولا يمكن غلق المجال الجوي على الخطوط الجزائرية وحصره لشركات أجنبية محددة بما يرفع تكاليف السفر على الجزائريين ويلحق ضررا بالغا بالخطوط الجزائرية، كما لا يجب الإلزام بالحجر عند الوصول إلا من تأكدت إصابتهم، أما بخصوص الأجانب فإن التعامل معهم تكون وفق قاعدة التعامل بالمثل ووفق حجم وأهمية المصالح المشتركة بينهم وبين الجزائر وفي كل هذه الحالات يتم التأكيد مرة أخرى على ضرورة مصاحبة الإجراءات الوقائية اللازمة، وعلى رأسها الفحوص المخبرية (pcr) والمؤشرات الحرارية.
المحور العاشر – التعاون الدولي:
باعتبار أن هذا الوباء وباء عالمي يتجاوز الحدود وجب تحقيق مستوى عال جدا من التعاون الدولي سواء ما يتعلق بالمنظمات الدولية والإقليمية أو المنظمات المتخصصة، وخاصة منظمة الصحة العالمية، أو العلاقات الثنائية بين الدول. لقد اتضحت الصعوبات التي تسبب فيها الوباء لكل الدول، الغنية منها والفقيرة والمتطورة والمتخلفة، بأن التعاون حتمية لا مفر منها في الساحة الدولية سواء ما يتعلق بتتبع مصدر الوباء أو فهم خصائصه أو ما يخص الأبحاث المختلفة والدراسات وصناعة التطعيم والأدوية المساعدة أو ما يتعلق بتنظيم مخططات الوقاية وتكييف طرائق التبادلات الدولية الاقتصادية وغيرها والرحلات والأسفار والأنشطة الرياضية والثقافية، على أن تضمن المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة عدالة وشفافية التعاون الدولي و ضمان التطعيم لكل الشعوب الفقيرة غير القادرة على اقتناء التطعيم وتنظيم الحملات المتعلقة به، ومنع استغلال الوباء من قبل شركات صناعة الدواء والأمصال للثراء الفاحش على حساب سلامة البشرية، وكذلك منع استغلال الوباء كوسيلة حرب أو عدوان أو ابتزاز أو أي شكل من أشكال الإيذاء بين الدول، وعلاوة على ذلك ضرورة التضامن الدولي خاصة بين الجيران والأشقاء كموقف مبدئي ولمنع استفحاله بانتقاله من الدول المجاورة التي تفقد السيطرة في محاربته.
تعليقات الزوار ( 1 )