تذكير بنص الأصل الثاني : التطبيق الذكي لنظرية اغتنام الفرص ورفض ثقافة الكرسي الشاغر ،والكرسي الشاغر هنا لا يعني بالضرورة قبول عروض الأنظمة مهما كانت تكلفتها،بل نقصد عدم إعطاء فرصة للتغييب والتهميش،ومالايمكن ضمانه بالوسيلة السياسية قد يكون متاحا بفضاء مجتمعي ،وقد يسع الفرد مالا يسع الجماعة، فالسياسة هي فن وفقه الممكن وليست إرادة تحقيق الكل أو اللاشيئ،فهي تراكمية الإنجاز لا يتحقق فيها النصر بالضربة القاضية بل بالنقاط في كل جولة ،وصولة الحق التي نملكها ونتقنها لا تغني عن ضرورة قطع مسيرة التغيير خطوة خطوة فالقفز العالي على الحقائق قد يقود الى الرجوع الى نقطة الانطلاق أو يرمي في اتجاه الفراغ والمجهول .
إن ظاهرة السقوط والتساقط أو الانتحار الحركي كما يسميه احد المتشددين، والتي تصيب أول ما تصيب القيادات والمؤسسين وقد تمتد هذه الظاهرة أفقيا في اتجاه الأصحاب فتنتج مراكز القوة والنجوى للتأثير في القرارات المركزية وقد تمتد عموديا في اتجاه المناضلين فتنتج جماعات وأحزاب جديدة ،وقد تسببت وتتسبب هذه الظاهرة في كثير من الإساءات البالغة على الساحة العامة يكفينا أن نعرض هنا لبعضها :
- لقد تسببت هذه الظاهرة في أكثر الأحيان بهدر طاقات الحركة وأوقاتها في المعالجات التي قل أن تجدي نفعاً ..
- وتسببت في إشاعة الفتن والتفسخ والتسمم في أجواء الحركة مما يعتبر عاملاً مساعداً على خسارة الحاضنة الاجتماعية .
- وتسببت في كشف خبايا وأسرار ما كان لها أن تنكشف لولا أجواء الفتنة الضاغطة ووقوع الألسن والآذان في قبضة الشيطان ..
- وتسببت بأضعاف الحركة وبإغراء الخصوم بها والاستعجال في ضربها وتصفيتها.
- وتسببت في بعد الناس عنها وزعزعة الثقة بها والتطاول عليها مما يعطل دورها وقد يوقف بالكلية سيرها .
وإذا كان البعض يعتبر سقوط بعض الأفراد قيادات كانوا أو مناضلين ظاهرة عادية لابد منها لتجديد الخلايا والتخلص مما يعيق الحركة ويثقل كاهلها ويعتبر كلا عليها وأنها سببا من أسباب التعددية الايجابية في ساحة العمل من اجل ضمان التنافسية والبدائل ،فإن النتيجة حتى ضمن هذا التفسير والمعنى لم تكن خيراً محضاً وإنما كانت أشبه بسيل أخذ معه الغث والثمين وتحتاج إلى استدراك بعدي لتحقيق الانسجام وعدم الصراع في فضاءات فوق جماعية تضمن وحدة المشروع والتنوع ،فكم من أشخاص لم ينتهوا من حياة الحركة إلا بعد أن أحدثوا فيها شروخات عميقة وواسعة وكم من آخرين خرجوا منها وأصبحوا حرباً عليها بل وتأمروا عليها مع أعدائها ،فظاهرة تساقط الأفراد وسقوط الجماعات تحتاج وحدها إلى تدقيق الأسباب وفتح أفق الحلول حتى لا تكرر الحركات أخطاءها أفرادا وقيادات ،مما يعطل المسيرة ويؤجل تحقيق الأهداف ويبدأ الجمع من الصفر فتهدر الأوقات والأموال والرجال .
وإذا كان تساقط الأفراد من الأحزاب والجماعات أثره محدود فان ارتكاب الجماعات والحركات لأسباب السقوط والتراجع له اثر بالغ على الحاضنة الاجتماعية وعلى مستقبل استمرار المشروع الشامل الذي تؤمن به الأمة ،ولذلك سنسلط الضوء على أسباب سقوط الجماعات والحركات وضمور نشاطها ومحدودية تأثيرها وبقائها كعناوين فقط تتمظهر بالبيانات الموسمية التي لا أثر لها في وعلى الواقع الذي تعيشه الأمة .
لا يمكن الحديث عن أسباب سقوط الجماعات والحركات دون الاتفاق على معيار وميزان مرجعي للصعود والسقوط ،حيث يتم ذلك من خلال تحديد المتغيرات الأساسية الممثلة للحد الأدنى اللازم توافره في الحركة التغييرية الناجحة ليس بصفة نظرية أو افتراضية بل من خلال دراسة خبرة وواقع الحركات السابقة والتي قادت مشاريع إصلاحية وتغييرية ناجحة من وجهة نظرها والتي توافرت لها سبعة عناصر أساسية كما عرضها الدكتور حامد القويسي وهي :
- الفلسفة أو العقيدة : وجود إطار فكري أو مشروع إصلاحي أو تغييري نابع من عقيدة واضحة محددة يؤمن بها معظم التكوين الحركي بأفراده وقياداته.
- الرؤية والتوجه : وجود صورة واضحة عن الواقع المرفوض والمطلوب تغييره – ولو في قسماته الأساسية ، ولماذا هو مرفوض ومطلوب تغييره ، وإيمان معظم أفراد التنظيم على نفس المستوى بذلك الأمر.
- المشروع الإصلاحي أو التغييري : وجود صورة واضحة عن الواقع المرغوب والمراد الوصول إليه , ولماذا هو مرغوب ومطلوب؟
- البرنامج : وجود صورة واضحة عن الأساليب والأدوات التي يمكن من خلالها التغيير والانتقال من الواقع المفروض إلى ذلك الواقع المطلوب الوصول إليه أو المرغوب .
- الإرادة السياسية : وجود نوع من الاستعداد الحقيقي لدفع الثمن الذي تتطلبه عملية الإصلاح والتغيير, وتحمل تكاليفه على كل المستويات ..
- الحركة أو التنظيم : وجود تنظيم فعال قائد يوحد الجهود وينسق بينها ، ويقودها نحو تحقيق الهدف الذي تحدده العقيدة.
- القيادة : وهو عنصر بالغ الأهمية ، والقيادة بهذا الصدد تترجم تفاعل ثلاثة مستويات هي قيادات فكرية تضع التصورات والرؤي المستقبلية وتحدد فلسفة الحركة والمسارات الأساسية, وقيادات حركية دعوية تجذر مشروع الحركة وتحافظ علي نقائه بين أبناء الحركة وتبشر به وتدعو إليه بين بقية القطاعات المجتمعية ، وقيادات تنفيذية وتنظيمية تسعي لوضع الخطط والبرامج موضع التنفيذ وتشرف علي ذلك وتقومه، هذه المستويات الثلاثة المتمايزة بنيويا والمترابطة وظيفيا من القيادة تجسد الإرادة الإصلاحية أو التغييرية وتعمل بدرجة من درجات التوافق معا ويجب أن تكون علي استعداد لتقبل المخاطرة ودفع الثمن في سبيل عملية الإصلاح والتغيير الفعلية والواقعية .
وتعد هذه العناصر السبعة هي الحد الأدنى الذي توافر في تركيبه الحركات التي حملت المشروعات التغييرية الكبرى في الخبرة التاريخية القديمة والمعاصرة .
وبدون أدنى شك أن الحركات والجماعات تتعرض في مسيرتها نحو التقدم والصعود إلى عديد التحديات الداخلية والخارجية تتفاوت في درجات التأثير في اتجاه السقوط أو الصعود ،ورغم أن عديد الجماعات سقطت أو ضعفت أو تراجع بريقها بأسباب خارجية تتعلق بالبيئة التي كان تمارس فيها العمل والاكراهات القانونية ولاسيما في ظل الأنظمة الدكتاتورية التي تفضل أن تتعامل مع جماعات التغيير بالطريقة الصفرية فتقمعها وتمنعها وتسجنها ولا تترك لها أي مساحة للعمل والتفاعل مع الجمهور ،وهي أسباب قاهرة قد تفرض على الجماعات تغيير منهجها أو الانحراف عنه إلى مسارات التعاون الكلي من الأنظمة حتى لا تكاد تعرف الفرق أو تنحرف إلى العنف الذي يقودها أيضا إلى الانحسار ثم الاندثار ،حيث نستطيع هنا سرد عديد التجارب والنماذج التي لا تكاد ترى لها أثرا سواء كجماعات أو كأفراد وقيادات .
لكننا في هذا السياق سنركز على التحديات النابعة من السياق المجتمعي الذي تعمل فيه الحركة وكذا السياق الداخلي المتعلق بتنظيمها وهياكلها ورؤاها بعيد عن اكراهات البيئة الخارجية القاهرة ،ويمكن تقسيم السياق المجتمعي إلى أربعة حقائق :
1 – حقيقة مدى شعبية الحركة وتراجعها بمتتالية حسابية سواء بسبب أنماط القوانين التي يتم من خلالها الفرز أو بسبب التزوير الانتخابي أو بسبب تفرقها وانقسام حاضنتها الشعبية أو بسبب فشلها في تحقيق تطلعات الشعب أو انحراف قيادتها عن البرامج والمشاريع التي عرفت بها في مسيرتها النضالية وقبولها بتنازلات مبدئية ضربت في عمق قاعدتها الشعبية ،فضلا علي أنه لا يمكن أن يتم إصلاح أو تغيير علي أساس الاهتمام والتعاطف فقط ، كما أن المراهنة علي مواقف ثابتة للرأي العام أو خصائص دائمة أمر تعوزه الأدلة العلمية..
2 – نخبوية الحركة وتآكلها وتقوقعها على نفسها تحت مبرر الطهرانية أو انخراطها في الحياة العامة إلى درجة فقدان التميز والتأثير فضلا على أنها قوة منظمة في مجتمعاتها إلا أنها بـ “مقاييس الكم والوضع” ما تزال نخبة محدودة مركزة في طبقات اجتماعية وفئات اجتماعية، وأوساط ثقافية محددة ،وهي ذات سمات معينة من حيث خصائصها وقدرتها علي التغيير.
3 – اعتبار الحركة جزء من المشروع التحديثي للدولة المتغربة في المنطقة: وهو تحدي من طبيعة مختلفة حيث ينظر للحركة أنها جزء مهمش من بنية “الدولة المحدثة” ومن النخبة التحديثية المرتبطة بها ومع ذلك تختلف معها وتعارضها ولا تقدم بديلا عنها في نفس الوقت، الأمر الذي يشير إلى خلل في النموذج المعرفي الحضاري الذي يميز الحركة عن غيرها كمشروع الأولوية فيه للمجتمع على الدولة والسلطة .
4 – عدم القيام بالدور الريادي أو القائد في المجتمع : حيث أنها كانت دوما متأخرة عن الحركة الدورية للمجتمعات الرافضة للأوضاع التي سبقت إلى تشخصيها الحركة ولكنها لم تستشرف التحولات فضاعت الفرصة عليها وعلى غيرها.
أما بخصوص التحديات النابعة من داخل الحركات يمكن إجمالها في سبعة متغيرات أساسية هي :
- عدم نضج “الرؤية” والمشروع السياسي الإصلاحي والتغييري وتردده وتغيره وعدم ثباته واستقراره لدى الرأي العام ،وتراجع قدرتها على الاستمرار في تجسيد مفردات الرؤية التي تكون قد حددتها لنفسها وبروز ظاهرة استعجال الوصول والانخراط في رؤى جديدة لم تحضر نفسها لها أو لا تنسجم مع مبادئها و أصول المشروعية في مناهجها ،فتجد نفسها جزءا من خطة الغير استيعابا لها أو لبعض قياداتها أو ضربها في أول لحظات الوصول.
- الأزمات القيادية المتكررة مع كل انتقال جيلي أو استحقاق تنظيمي مما يطرح بعد ذلك إشكالية الشرعية والهوية والمشاركة والتكامل ويشغل الحركة بنفسها في مقابل ضياع الفرص في البيئة الخارجية واهتزاز الثقة فيما بين الفريق القيادي وسيادة حالة الشك التي تؤدي الى توقف الية المدافعة السننية لصالح طلب العافية تحت مبرر فوبيا الفتنة او سيادة حالة السيولة النقدية بدون ادنى ضابط أخلاقي او تنظيمي وهي وضعية غير آمنة قد تعيشها بعض الجماعات .
- ضعف الحالة الفكرية وتسرب المفكرين من الحركة وتحولها إلى حالة إدارية تنظيمية بحيث يبتلع فيها الجانب التنظيمي والسياسي الانتخابي بقية الجوانب الأساسية في ممارسات الحركة ،فإذا أضفنا إلي ذلك وجود حالة من “الانحسار والجمود التنظيمي وصعوبة الانتشار ” في أبنيتها وهياكلها بعد تضخمها ، مما يؤدي إلي ضعف حلقات الاتصال بين المستويات المختلفة داخل إطارها التنظيمي، وكذلك ضعف عملية التماسك الداخلي والمعاناة من أمراض المركزية المفرطة وعدم تطورها وفق المتغيرات المعاشة …إلخ ،الأمر الذي يعني في التحليل الأخير عدم وجود “استقرار في التقاليد المؤسسية” وعدم تحديد العلاقة بين حجم التنظيم وحجم الحركة،ووظيفته في إطار الحركة، مع خطورة تعدد الواجهات دون تحضير آلية فكرية و مؤسسية للتكامل توفر حماية الحركة من التفكك في المدى المنظور على اعتبار تحول الواجهات والأذرع إلى هويات جديدة يصعب استيعابها في منظور الحركة الشامل.
- تناقض الرؤى داخل الحركات بخصوص أهدافها وأساليبها في الإصلاح والتغيير وبروز التكتلات ومراكز القوى المتعددة في هياكلها وعدم القدرة على استيعاب التنوع وإبداع أساليب إدارية لتنظيم التعدد والاستماع إلى النقد الذاتي وتسيير الاختلاف و تأسيس فضاءات الحوار لتقليص حجم التناقضات وبناء التوافقات التي تمنع التسرب القيادي أو الانشقاق الشللي الذي يضعف الجماعات ويحيلها على صراعات داخلية بدل تعبئة الجميع في اتجاه مشروع الإصلاح والتغيير والمشكلة هنا لا تتعلق بوجود صراع جيلي داخل الحركة علي القيادة أو خلافه مما تروج له بعض الدراسات غير المتعمقة ، ولكن الإشكالية كما قال الدكتور حامد القويسي :تكمن في أن هذه الأجيال تحمل ما هو أعمق وأكثر خطورة على مستقبل الحركة ذاتها وهو مجموعة من التصورات المختلفة والرؤي المتناقضة وغير المتناسقة عن ملامح الإصلاح والتغيير ، كما تحمل الكثير من الرؤى المختلفة في تصور طبيعة الصراع والتحديات التي تواجه الحركة ، ومن ثم أساليب التعامل معها والاستجابة لها
- انخفاض قيمة ورمزية القيادات السابقة مع ضعف نوعية ومستوى جودة الأجيال الجديدة داخل الحركة ، ووصول التنظيم إلى مرحلة الشيخوخة والهرم أو القطيعة مع الماضي الذي يمثل رصيدا كبيرا من التجربة والخبرة والذكاء الجماعي .
- الاستخفاف بأهمية الشورى والاستشارة والرغبة في التفرد بالقرارات وجعلها عملية شكلية والتي قد تصلح في حالة تحقيق نتائج وانجازات مرضية لكنها ستكون كارثية على تماسك الحركة إذا حدث الإخفاق الذي سيحمل للقيادة دون سواها فالهزيمة يتيمة كما يقولون.
- اختيار الجماعات لمقاربة الانتحار الذاتي بالصدام مع الأنظمة السياسية والدخول في دائرة استخدام أساليب وأدوات غير مدنية وغير سلمية في التغيير والإصلاح مما يعجل بفنائها وابتعاد الناس عنها .
وبعد استعراض هذه التحديات المتعلقة بالجماعات والتي هي حصيلة متابعة ورصد ميداني لما حدث في عديد الجماعات على اختلاف مشاربها ومقارباتها في التغيير والتي تقود حتما إلى السقوط والانهيار إذا لم تتمكن تلك الجماعات من تسريع عملية المراجعة والاستدراك والتصحيح على اعتبار أن أسباب سقوط الجماعات تكمن في صميم إرادة وموقف ودور الإنسان نفسه، لا في الجوانب المادية، وهذا يُستنتج من حكمة استخلاف الإنسان في الأرض، وتكليفه بعمارتها. وقد أرشدنا الله عزّ وجل إلى هذا المعنى في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}. (الرعد:11).
وينبغي التأكيد أنه ليس دائماً يكون السقوط بالزوال والفناء، وإنما قد يتمثّل بالتفتت والتّشظي، والانهيار الداخلي، وذهاب القوة والعزة، والهوان على الناس، وبالتنازل عن المركز القيادي، والتراجع عن الدور الريادي في المجتمعات.حيث يمكن للجماعة التي تعرضت للسقوط أن تنهض من كبوتها، وتبدأ من جديد؛ وذلك باستكمال شروط النهوض، والذي يعد تغيير النفس أو التغيير الداخلي أهم خطواته الأساسية و “سيبقى السقوط كما النهوض خياراً ذاتيّاً للجماعة، وواهمٌ من يظن أنّه بيد الآخر، وإنّ عوامل النهوض والتمكين دوماً ممكنة، ومحكومة بسنن الله الماضية” كما يمكن للجماعة أن تنهض من عثارها بفعل جهود المجددين من أبنائها.
وتجدر الإشارة إلى أن شعور الأفراد بالاستبداد القيادي وشخصنة المؤسسات أو ما يسمى “استبداد الأغلبية” وعدم الاعتراف بالنقد والآراء المختلفة له تداعياته الخطيرة على مستويات الولاء للجماعة، ومدى الفاعليّة ، وهو يعطل الطاقات، ويشكّل فرصة للانفصام والتمزّق بين الفواعل المختلفين، وكثيراً ما يكون ذلك واضحاً في التباين بين القيادة التنفيذية والنخبة السياسية أو الفكريّة؛ ممَّا يؤسس لتمزّق نسيج الجماعة، ولظهور النزاعات التفككيَّة.
ويمكن تلخيص أسباب سقوط الجماعات فيمايلي :
- غياب رؤية جماعية واضحة للعمل العام توحد التصورات والمصالح والأهداف وتضمن الاستمرار وتجذب إليها الأنصار وارتباط ذلك برؤية المؤسس أو القائد مما يعجل بالصراعات والنزاعات بين قيادات الصف الثاني الذي كان محتضن في رداء المؤسس لتنقسم الرؤية إلى عدة خيارات ومقاربات قد تصل إلى حالة التناقض مما يسرع عملية السقوط والانهيار .
- ضعف الانجاز السياسي مما يورث عدم وجود جدوى من العمل والنضال نظرا لبطء عملية الإصلاح في مقابل استعجال الوصول وضعف أدوات تغذية الروح الجمعية بضرورة الاستمرار .
- غياب المرجعيات الجامعة والصراع القيادي وضعف تماسك التنظيم وانسجامه وكثرة مراكز القوى والتكتلات التي تضعف النضالية وتفتح الأبواب أمام تلاشي الالتزام بالقرارات والانضباط بالسياسات .
- عدم الاعتماد على التخطيط الاستراتيجي والاستشراف المستقبلي وتكوين كادر بشري قيادي يضطلع بعملية التفكير والمراجعة واقتراح البدائل والتخلي عن روح المبادرة .
- ضعف أدوات تسيير الاختلافات والتناقضات وطرق استيعاب المخالفين وعدم حسم المعارك الداخلية بالقرارات التوافقية الجماعية .
- ضمور التدافع في مراكز ومجالس صناعة القرار مما يؤدي إلى استبداد الأغلبية وتضييع فرص الإفادة من الآراء والانتقادات المخالفة.
- ضمور الآلية الفكرية التي تستشرف المستقبل وتساعد على تقدير الموقف مما ينتج الغفلة عن استقبال التحولات والعجز عن تسيير المراحل الانتقالية مما يؤدي إلى تسرب المفكرين والمبدعين من الحركة وتحولها إلى حالة إدارية تنظيمية روتينية التولية والتنحية والمصادقة على البرامج والسياسات .
- سوء أو ضعف تدبير و إدارة العلاقات والتعامل مع الأنظمة السياسية وعدم القدرة على توسيع هوامش العمل والاستفادة من المساحات المسموحة لتقوية الحركة وامتلاكها لعناصر القوة بمختلف أنواعها ، وضمان سيادة واستقلال قرارها وعدم ربطه بجهات خارجية سواء داخل الوطن أو خارجه.
- الغفلة عن إعطاء الأولوية للجوانب الروحية التي تزرع الفاعلية في قلوب وعقول الأنصار وترفع من معنوياتهم وتذكرهم دوريا بالغايات والأهداف،ومرافقة ذلك بالتكوين والتدريب والتأهيل النضالي على المعارف والمهارات التي تفعلهم وتوظفهم حسب كفاءاتهم وتكسبهم المناعة الذاتية في مواجهة الإشاعات والأراجيف وتعطيهم أدوات التعامل مع البيئة الخارجية وتفتح المجال والآفاق أمام الأجيال الشبابية التي ستوفر فرصة الاستمرار والتطوير.
أما بخصوص أسباب تساقط الأفراد فهي كثيرة منها مايقع على عاتق الحركة أو الحزب التي ينتمي إليها الفرد ومنها مايقع على مسؤولية الفرد نفسه وقد أبدع الدكتور فتحي يكن رحمه الله في فحص هذه الظاهرة من خلال كتابين ينصح بالرجوع إليهما وهما (المتساقطون على طريق الدعوة وكتاب مشكلات الدعوة والداعية ) كما ينصح بقراءة كتيب للشيخ مصطفى مشهور رحمه الله تحت عنوان (طريق الدعوة بين الأصالة والانحراف ) ،والتي يمكن الإفادة منها اختصارا في الملاحظات التالية :
- ضعف الجانب الروحي والتربوي لدى الأفراد والذي يعتبر حجر الزاوية في حياة الأفراد والجماعات ،مما ينتج الترخص والتساهل و التسيب والروح الانهزامية وتلاشي الالتزام وانتشار حركة النفاق السياسي وتبييت النوايا السيئة وأفضلية المصالح الشخصية على الجماعية التي تصبح هي المقياس في الحكم على الأشياء.
- التنافسية المقيتة على المواقع في الانتخابات وما يرافقها من جرح وتعديل وإقصاء وترتيبات قبلية وكولسة وهتك للأعراض وماينتج على ذلك من تفاوت في الدرجات الاجتماعية بين الأقران ،واستحواذ البعض على تلك المواقع كملكيات خاصة سواء كأفراد أو تجمعات سكانية ذات حضوة .
- عدم النجاح في الانتخابات رغم تكرر الترشح سواء بسبب التزوير أو بسبب عدم اختيار الجمهور للفرد ما يجعله يختار العزلة والهامش ثم الخروج من دائرة الفعل .
- عدم وضوح الرؤية الكلية لعملية الإصلاح والتغيير وحصرها فيما هو سياسي ،في مقابل ضعف الثقافة الشرعية وضمور حاسة التفكير مما ينتج الضبابية وعدم مواكبة الأحداث وفهم الواقع .
- استغراق أوقات الأفراد في النجوى والاستجابية لدعوات الشللية سيما في عصر الإعلام الجديد والانصراف عن العمل المنتج للقيمة المضافة التي تجعل الفرد يشعر بتقدير الذات والانجاز .
- الطبيعة غير الانضباطية لبعض الأفراد يجعلهم يشعرون بالمظلومية والإقصاء لأنهم لا يقعون في دائرة اختيار القيادة للتكاليف والأعمال مما يجعلهم يقعون في مربع الضجر والشكوى ثم التسرب.
- عدم تقدير القيادة لقدرات الأفراد وتفضيل أهل الولاء والثقة على أهل الكفاءة من الذين تشعر بعض القيادات بصعوبة العمل معهم .
- الاغترار بالنفس والتطلع إلى الريادة والقيادة قبل النضج مما يجعل الأفراد يحرقون المراحل ويتفاجؤون بحقيقة الواقع الذي لم يكن تقديرهم له صحيحا وواقعيا فيصابون بصدمات متكررة .
ومن الأسباب التي تساعد أو تؤدى إلى سقوط بعض العاملين والمناضلين ما يتصل منها بالظروف والأوضاع العامة والعوامل الخارجية الضاغطة سيما اذا غيرت الحركة أو الحزب خياراتها السياسية من المشاركة إلى المعارضة وهذه الأسباب كثيرة ومتعددة سنجملها بما يلى – ضغط المحن والفتن – ضغط الأهل والأقربين – والخوف على الوظيفة والرزق والتصنيف الإداري ـ ضغط البيئة و ضغط حركات الضرار وتواصلها مع الأفراد بغرض جذبهم واستيعابهم في جماعتهم الجديدة .
ولاشك بان ذكر هذه التحديات والأسباب تمثل نذير ودق لناقوس المراجعات والاستدراكات على مستوى الجماعات كمؤسسات والأفراد حيث نعتبر تلك الأسباب والتحديات تشخيص ووصف عملي للظاهرة من اجل الوقوف على كل سبب وتحدي ووضع الخطط والسياسات والبرامج التي تمكن الجماعات والأفراد من الثبات والاستمرار في العمل والتجديد والتحيين والتقييم الدوري الذي يتيح فرص التأثير والوصول إلى الأهداف والانجازات المشهودة التي يراها الناس ويسعدوا بها ،كما يمكن هذه الجماعات التي تصاب بهذه الظاهرة أن تتخذ من النماذج الناجحة في الاستدراك والنهوض من جديد دليلا لتسريع عملية الاستنهاض وعدم تضييع الأوقات وهدرها في البحث عن العجلة من جديد.