الرئيسية مقالات أ. فاروق أبوسراج الذهب الأصل الثالث: التجديد والاحياء والقابلية لطبائع العلمنة (02) “أسس ومحددات”

الأصل الثالث: التجديد والاحياء والقابلية لطبائع العلمنة (02) “أسس ومحددات”

كتبه كتب في 22 سبتمبر 2022 - 10:35 م
مشاركة

نتجدد معا … ننهض معا 

شرح الأصول السياسية العشرون 

الأصل الثالث :التجديد والاحياء والقابلية لطبائع العلمنة (02)

“أسس ومحددات”

بقلم: د. فاروق طيفور

تذكير بنص الأصل الثالث:

توظيف التراث الإسلامي العريق والمتنوع ولاسيما في مغربنا الإسلامي الذي أرسى وحدة دينية ومذهبية فريدة على مدى قرون وقرون (قراءة الامام نافع للقرآن الكريم – مذهب الامام مالك في الفقه – مذهب الامام الاشعري في العقيدة- طريقة الامام الجنيد في التصوف )،فعدم حسم معارك فقهية وعقائدية متشابكة من شانها أن تزيدنا فرقة وتنازعا و تلهينا عن مقصد الاستثمار في هذا المنجز الوحدوي المهم وجعله في خدمة الاوطان ومصالحها والدفاع عن القيم الحضارية للامة واستنباتها في الواقع السياسي والثقافي والاقتصادي ،هو الطريق نحو الاستئناف الحضاري ،حيث يساهم فيه جميع افراد الامة ولو لم يكون لهم انتماء سياسي تنظيمي ،وهو فهم متجدد منفتح يقدم لنا كنوز لا يحجبها عنا الا الفقر المعرفي والتصحر الفكري وحالة الاغتراب التي تجعلنا اقرب الى استخدام التراث والقيم والمصطلحات الغربية بشعور وبغير شعور والاستغناء عن توظيف موروثنا الإسلامي السياسي الذي ضمر انتاجه وتحقيقة بغياب دولته التي كانت تغذيه وترعاه،فتاريخنا السياسي حافل ومميز يحتاج منا الى تغيير معادلات ومناهج التعامل معه انفتاحا وليس انحباسا وفق الرؤية المقاصدية وإرادة بناء النموذج الذاتي الوطني في مقابل الرؤية العرفانية في فكر وبناء النموذج الاممي.

عند الحديث عن التراث الفقهي والسياسي الإسلامي تستخدم النخب الإسلامية والعلمانية مفردات ضرورة التجديد والإحياء والاستئناف والاستنهاض والتحديث والتمدين للتعبير عن الحاجة الملحة لمواكبة معطيات العصر الجديد والتجاوب مع التطلعات المشروعة في النهضة والتقدم .. مما يعني أننا في حالة تتصف بالجمود والموت والتوقف والتخلف والرجعية ،وذلك يوحي للقارئ والمتابع أن المضامين والتجارب والخبرة التي يستبطنها هذا التراث الكبير والمتراكم عبر الحقب التاريخية استنفذت أغراضها وأصبح المتحف والمكتبة والرفوف أحسن مكان لها ،وهو تمام الانحراف في الفهم لعملية التجديد أو النهضة أو الإحياء أو التحديث ،على اعتبار أن تاريخ أي أمة وخبرة الأجيال المتعاقبة تمثل العملة النادرة لنهضتها وتقدمها لكنها تتطلب من الجيل الجديد وأهل المعرفة والفكر فيه اكتشاف الخلطة التي تتساوق مع طبيعة العصر الجديد كما فعل هؤلاء الأبطال الذين صنعوا الحضارة الإسلامية في مسيرة ذهبية دامت قرون ونفعت البشرية نفعا مازال المنصفون منهم يذكرونه ويوثقونه في صحفهم وكتاباتهم .

حيث لا يمكن تحت مسمى وعنوان وشعار وحجة التجديد والإحياء والتحديث والاستئناف أن نسقط في إستراتيجية الغرب الذي أسس مراكز البحث والتفكير بدأها بالمستشرقين وختمها اليوم بابرز مؤسسات الاستشراف والمستقبليات،ليكون هدفها الاساسي هو تشويه وتحريف وتزييف كل المفردات والمضامين التي تساهم في عملية النهضة والتحديث وتسويق سرديات متجددة تصنع الخنوع والانطباح لمدنية زائفة تروج لها المناهج والنماذج المعرفية الليبرالية التي تخرج كل سنة ألاف النخب والطلاب ولكن تحت ماركة (lite) ،لايصك ولا يحك كما يقولون ،نخب فنية إدارية لا تحمل أي رسالة حضارية ، بل بعضها تخصص في ضرب التراث السياسي الإسلامي من الداخل (العلمنة من الداخل) سواء بقصد وتكليف من هذه الجهات الماكرة أو بقناعات متهافتة تشوش على الأجيال فهمهم الصحيح لتراثهم الزاخر والذي أحرقت جله أيادي الغدر من التتار والمغول وسرقت البعض الآخر ،فطول مدة تطبيق سياسات ومناهج و تشريعات وقوانين دولة مابعد الاستقلال وهي طبعا تطبيق مشوه الدولة العلمانية الحديثة التي اورثت لدى النخب والمجتمع طبائع وعادات وممارسات لائيكية تفصل ماهو قيمي وديني عن ماهو قوانين وتشريعات ومناهج و برامج فكانت النتيجة ممارسات عملية لا ترق ان تكون معرفية لكنها في عمقها من طبائع العلمانية (على منهج الكواكبي في طبائع الاستبداد)التي أجلت وفوتت على الأمة فرصتها في التنمية والتقدم وادخلتها في فصام وخصام مزمن بين فريقين ،فريق يعتمد على مظاهر العلمانية وطبائعها الموروثة وفريق يريد ربط تقدم ونهضة الأمة على قاعدة من تراثها وحضارتها وقيمها.فطبائع العلمانية في بلادنا العربية والاسلامية كثيرة ومتعددة يمكن احصائها في عدة مجالات ومستويات سيأت الحديث عنها.

وكما يقول من الدكتور حسان عبد الله: فان الجهد المنتظر من الأمة لتجديد آفاق تعاملها مع التراث، وحتى يتحول لقوة مركزية في النهضة، هو أن توجه تلك الجهود إلى عدة اعتبارات في التعامل مع التراث، هي:

– المصلحة الحضارية؛ بمعنى البحث في التراث عن واقع احتياج الأمة إليه، واستدعاء استجابة هذه الحاجة، وكل ما يمكن أن يلبيها في ذلك الواقع، فليس كل ما هو موجود في التراث تحتاجه الأمة ويحتاجه واقعها.

– التوظيف المنهاجي؛ ليست الأمة في حاجة في كثير من واقعها إلى تفصيلات التراث، ولكنها في حاجة ملحة إلى قواعده وكلياته التي تعامل بها مع الأحداث والوقائع والإشكالات، وهذا ما يجب الالتفات إليه وتجديد النظر فيه.

– بناء خارطة معرفية للباحثين والدارسين بمتطلبات البحث في التراث وفقاً للعاملين السابقين، بحيث تتضمن هذه الخارطة مسارات العمل المقترحة، وبيان دورها في سد ثغرات واقع الأمة.

– المنحى المؤسسي؛ حيث إن الجهود الفردية على أهميتها، فإنها لا تجدي نفعاً على المدى الإستراتيجي للأمة، بل إن هذه الجهود لو لم تكن هناك مؤسسات قائمة للمحافظة عليها وإتاحتها للأمة فسوف تتعرض للإهمال والضياع، لذلك فإن التراث في الأمة يجب أن يقوم عليه مؤسسات مستقلة في بنيتها المعرفية والمالية عن توجهات النظم السياسية، وتعقيدات البيروقراطية، تنتخب العلماء -بصورة موضوعية- القادرين على وضع الخطط ومتابعتها والإسهام في تحقيق الاستفادة والتوظيف للتراث الإسلامي وإدماجه في حركتها التجديدية بصورة عضوية منسجمة مع باقي كيانها المعاصر.

ويسنده الدكتور المختار الأحمد وهو أستاذ مختص في دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق ،عندما يؤطر عملية المراجعة للتراث بخمسة اصول مهمة عندما يوق ل : إن مراجعة وتجديد الفقه السياسي، أضحت عمليةً ضروريةً يمليها الفقه نفسه وتمليها الإشكالات والتحديات التي يطرحها الواقع المعاصر على العقل المسلم. وأيضا التجديد تمليه طبيعة التنظير السياسي التاريخي.

ولذلك فإن هذا التجديد يجب أن يتأسس على جملة من الأسس التي تضمن انسجامه مع الأطر والقيم الإسلامية، وألا يسقط في إشكالية التناقض أو الانحراف عن التوجيه الإسلامي في الشأن السياسي من جهة، وألا يتحول هذا التجديد إلى نوع من الخضوع والاستسلام لمغريات وضغط الواقع من جهة ثانية. فهو تجديد يجمع بين استلهام التراث الإسلامي الثري وبين ما أنتجه العقل البشري في مجال علم السياسة.

ومن أهمّ تلك الأسس التي يجب أن تُبنى عليها عملية التجديد ما يأتي:

1. التأصيل :إن التأصيل الذي نقصده في مجال الفقه السياسي هو عملية تجمع بين التصحيح  والبناء وفق أصول الوحي المتمثلة في القرآن والسنّة الصحيحة باعتبارهما أصولا حاكمة لفعل الإنسان والمعيار الرئيسي في بناء التصورات واستنباط القواعد،و المرجعية الحاكمة في تقويم التراث السياسي ومراجعته.

2. الشمولية :فالعديد من التنظيرات القديمة وأيضا بعض المحاولات التجديدية تأسست على نصوص مفردة وأحداث تاريخية معزولة عن سياقاتها، مما يؤدي إلى السقوط في مأزق الجزئية والاستدلال الانتقائي لنصوص مختارة لتأييد فهم معين أو تبرير اتجاه محدد. لذلك شمولية التنظير هي الحل لبلورة تصور متكامل مبني على كل النصوص المتعلقة بظاهرة سياسية معينة، وبالتالي استنباط قواعد عامة حاكمة للفعل السياسي عبر عمليتي التتبع والاستقراء.

3. التأسّي بتجربة الخلفاء الراشدين :تعدّ تجربة الخلفاء الراشدين رغم قصر زمنها مرجعا مهما ورصيدا تاريخيا في مجال الفقه السياسي، فقد كانت أقرب إلى روح الدين وفلسفته في المجال السياسي، وقد تشكّلت في هذه التجربة قيم ومفاهيم سياسية مرجعية حاكمة خاصة فيما يتعلق بأنماط ومسالك الحكم، تجربة تبلورت فيها عمليا أشكال وصيغ تداول السلطة واختيار الحاكم المعتبرة شرعا، وقد شكّلت مصدر إلهام لبعض التنظيرات الفقهية إلى أن ظهر النموذج “السلطاني” فيما بعد باعتباره النموذج الشاذ عن المعايير الشرعية.

4. التأسيس المقاصدي : ويعني ذلك بناء فقه سياسي أو مراجعة الفقه الموروث وفق رؤية مقاصدية، تكون فيها مقاصد الشريعة حاكمة للفعل السياسي، وذلك بأن تصبح المقاصد إطارا عاما في بناء الفكر السياسي وتقييم تاريخه، لأن المقاصد العامة والمبادئ الكلية هي القادرة على الانفكاك من سلطة الزمان والمكان في قراءة التجربة السياسية التاريخية.

5. الاستفادة من الخبرة الإنسانية في مجال السياسة : حيث عرف الفقه السياسي الوضعي تطوّرا كبيرا سواء ما تعلق بالجانب النظري الفلسفي أو ما تعلق بالجانب الإداري التنظيمي، وأصبح الواقع السياسي المعاصر يدار بناء على هذا الفقه ومكوناته، خاصة في مجال تداول السلطة، ومراقبة القائمين عليها ومحاسبتهم.

حيث لابد أن ينبري في الأمة من الباحثين والمفكرين وأهل المعرفة والدراية من يقوم بهذا الجهد الجبار الذي قام به ثلة في الرجال والعلماء في نهاية القرن الماضي (الموجة الثانية لتجديد فكر الأمة) عبر إسلامية المعرفة وإصدارات كتاب الأمة والمركز العالمي للفكر الإسلامي ،ولابد أن يراكم الجيل الحالي(في موجته الثالثة) هذا الجهد لصياغة موسوعة حضارية لتراثنا تكون بمثابة المرجعية الجماعية المؤسسية للاجيال .

وفي إطار التعامل المنهجي مع التراث يحدد المفكر سيف عبد الفتاح قواعد أساسية لابد أن تراع في ذلك ومنها:

1. التراث الإسلامي تراث بشري قابل للاجتهاد والتجديد  وهو غير معصوم.

2. المنهاجية النقدية كاستراتيجية في التعامل التراثي.

3. المنهاجية المقارنة ضمن عمليات التعامل مع الاختلاف والتنوع، المقارنة أصلح سبيل لهذا الامتداد التراثي الإسلامي والإنساني.

4. ضرورات اكتساب الأدوات المنهجية لمساءلة التاريخ.

5. إفضاء المساءلة لحالة منهجية متراكمة لا إقصائها إلى حالة من الاتهام والمحاكمة في اطار ناف للتراث.

6. مناهج النظر ومناهج التعامل ومناهج التناول ومناهج تكوين الباحث مقدمات أساسية للمقاربة التراثية الواعية والبصيرة ضمن منهجية تستشرف إحسان القراءة لا قراءة الإهدار سواء هدر التراث وكيانه، أو هدر التراث لطاقته وإمكاناته.

7. منهاجية التغيير والتجديد (التغيير العمراني) والتجديد الثقافي والفكري في إطار بناء استراتيجية للنهوض الحضاري.

8. التراث ضمن مشروع تأسيس للنهوض الحضاري وضمن عمليات بناء الهوية ضمن عناصر الذاكرة الحضارية الجماعية الممتدة.

9. الوقوف على المناهج لا المسائل في إطار الساحة التراثية.

10. اعتبار السياق منهج مأمون في اطار عمليات التفعيل والتوظيف.

الحلقة القادمة : مراجعة التراث السياسي الاسلامي مالعمل ؟ (03)

سلطان يقترح طريق المراجعة للتراث وبن نبي يحدد شروط النهضة 

 

تعليق