الرئيسية مقالات أ. فاروق أبوسراج الذهب الأصل السابع : توازن المسارات:السياسي والمجتمعي و الحضاري  والخارجي (02)

الأصل السابع : توازن المسارات:السياسي والمجتمعي و الحضاري  والخارجي (02)

كتبه كتب في 27 نوفمبر 2022 - 5:45 م
مشاركة

نتجدد معا … ننهض معا

شرح الأصول السياسية العشرين

الأصل السابع : توازن المسارات:السياسي والمجتمعي و الحضاري  والخارجي (02)

بقلم: د. فاروق طيفور

الأصل السابع : استثمار الفرص مقدم على دفع التهديدات،وجلب المصالح مقدم على درأ المفاسد ،حيث وجب التحول من حركات وجماعات رد فعل إلى دوائر ومؤسسات للفعل ،فالفساد السياسي يقابله الإصلاح السياسي وكلما اتسع الإصلاح ومشاريعه انحسر الفساد وأدواته والعكس صحيح ،والفرصة ينبغي أن تستثمر بذكاء كي تتوسع وينخرط فيها عدد لا بأس به من الذين يحوزون ملكات توسيع مساحاتها وبرامجها في مقابلة التهديدات التي تحيط بالمشروع العام ،ولا ينبغي الاهتمام بحجم ونوع التهديدات وصرف أوقات متزايدة في الكتابة عنها ونشرها عند من لم يدركها ونضيع الفرص المتاحة في البيئة الخارجية لنصنع منها قلاع وحصون لمواجهة تلك التهديدات وبناء مؤسسات النفع العام لتحقيق مصالح العباد بما يدرأ المفاسد ويقلص من حجمها وانتشارها بأفعال مجتمعية مؤسسية يسندها خطاب النهي عن المنكر بعد الأمر بالمعروف .

تحدثنا عن المسارات الأربعة المتوازنة لعملية الإصلاح والتغيير والنهوض بوصفها خارطة الطريق لابتكار المستقبل ،ونقصد بها، السياسات والبرامج والمشاريع التي يمكن استخدامها لتحقيق تقدم وانجاز متكامل في :

  1. المسار السياسي بكل أبعاده ،
  2. والمسار المجتمعي بكل مكوناته،
  3. والمسار الحضاري بكل خصائصه،
  4. ومسار المعادلة الإقليمية والدولية بكل اكراهاته وفرصه،

فالأصل السياسي السابع سيهتم بشرح الخطوط والمسارات الأربعة للتغيير والإصلاح والنهوض من الناحية العملية ،على اعتبار أن صياغة رؤية تكاملية مفصلة لهذه المسارات الأربعة يمكن أن يحقق الانجاز المأمول في المرحلة القادمة وأي تناقض أو إهمال لمسار من هذه المسارات  سيعوق المسيرة أو يؤجل تحقيق أهدافها ، كما أن طغيان مسار على مسار سيعطل المسارات الأخرى أو في أسوأ الأحوال سيستخدم من الأطراف المتربصة بالمشروع بغرض الإلحاق أو الاستيعاب في رؤى ومقاربات تنهك قدرات أصحاب المشروع لكنها لا تحقق الانجاز المطلوب ، حيث يصبح من الضروري إعطاء وقت كافي للحوار المشترك والجماعي  والجاد للنخبة التي تقع على عاتقها مسؤولية إنضاج المشروع بعد تحديد تعريف متجدد له يأخذ بعين الاعتبار التغيرات الجذرية التي حدثت في الماضي  والإخفاقات التي رافقته والانجازات التي تحققت والتحولات المستقبلية التي ستقع في العشرية القادمة ،ليسهل بعد ذلك  الصياغة الكبرى للمسارات المستقبلية للمشروع بخطوطه الأربعة لتصبح هي البوصلة التي تتجه إليها الأنظار.

وإذا كنا قد أدركنا مضامين ومحاور المسار السياسي والمجتمعي باعتبار الممارسة السابقة وطبيعة علاقة التكامل بينها مع طروحات ثنائيات الفصل والوصل والتمايز فان استصحاب المسار الحضاري ومسار المعادلة الإقليمية والدولية  كمسارات متجددة مستقلة عمليا عن المسارات السابقة

ولكنها في نفس الوقت متداخلة ومتشابكة إلى درجة تشكيل وحدة متماسكة لا يمكن الفصل بين بعض مكوناتها إلا برؤية عملية وليست فكرية على اعتبار أن مربع الإصلاح والتغيير  والنهوض تتكامل فيه أضلاع المسارات الأربعة لتحقيق المنجز النهائي ،هذا الاستصحاب يتم على مستوى الرؤية الكلية الكبرى للمشروع العام الذي ينبغي أن يمثل بوصلة ابتكار المستقبل ،بوضع ميزان تقديري غير تفاضلي بين المسارات الأربعة للتغيير والإصلاح  والنهوض،يضطلع بصياغته ومرافقة تجسيده عقل استراتيجي جماعي مدرك لأهمية المسارات الأربعة وواعي بطبيعة العلاقة بينها وله القدرة على وضع المقادير المناسبة والبهارات ملائمة لتوازن التنزيل والتجسيد في الواقع .

ففي مثل هذه الظروف القاسية والضاغطة والتحديات التي تمر بها  الامة ،تصبح الحاجة الى مشاريعَ حضاريةٍ راقية تحفظ لها كيانها السياسي، ووجودها الاقتصادي والعسكري، وقرارها الأساسي في نموذجها التنموي والسياسي، وثروتها التراثية والفكرية والثقافية، وتضمن لها جيلًا واعيًا راشدًا جامعًا بين الوعي والسعي أكثر من ضرورة شرعية وحتمية واقعية  .

مسار حضاري فوق حزبي يحفظ للأمة مقدراتها، ويصنع لها الأجيال الواعية الحاملة لهذه الرسالة يكون مدروسا بعناية، مصوغًا بإحكام، ويشارك في إنجازه كلُّ حرٍّ غيور على هذه الأمة،مسار تجديدي يستعيد به المشروع عافيته، ويستمد قدرته على مواصلة البناء العمراني الحافظ.كما يقول الدكتور سيف عبد الفتاح في دراسته حول تجديد المشروع الحضاري ،وعندما نتحدث عن خصائص المسار الحضاري الذي ينبغي أن يتمركز في العقل الجمعي للأجيال التواقة إلى النهضة فان البداية السليمة هي العناية بإعادة صياغة المفاهيم الإسلامية الأصيلة؛ لتحريرها من غبش الصياغة الحداثية التغريبية التي أعادت تشكيلها بما يفرغها من جوهرها الإسلامي، ( وذلك يتطلب بناء منهجية مفصلة وعملية لمقاومة الاستلاب الحضاري) في سياق أزمة حضارية باتت تتحدد قيمة المرء فيه بمقدار ما لديه من نضال في سبيل نصرة الحق.وتستكمل هذه البداية بإعادة تثبيت خصائص المسار الحضاري غير القابل للاستئصال على اعتباره ثورة على الخرافة وتغييب العقول بالمخدرات مختلفة الأنواع، لا سيما مخدرات الأفكار والتصورات الفاسدة، ثورة على خرافة العبيد والأسياد ، ،وثورة على دعاية أن السياسة قذارة وفساد،فهو ليس مشروع حركة أو تيار أو مؤسسة أو مفكر أو فقيه، وإن كان ذلك كله من لبناته وأدوات بنائه؛ حيث تتضافر الدولة والمجتمع، والفرد والجمع، والمرأة والرجل، والريف والمدينة، والمؤسسات العلمية الدينية والدنيوية ووحدات الإنتاج الزراعي والصناعي والشركات التجارية والهيئات الخدمية الرسمية وغير الرسمية، والجاليات المسلمة عبر العالم، والكفاءات والقوى العاملة في كل مكان.. تتضافر قدر الوسع وقدر ما يسعنا التنظيم والتخطيط والتنسيق والتكامل.. لكي تتجلى الأمة من جديد في بلوريتها الجامعة.

أما عن صفة الحضاري، التي ترتبط بمفهوم “ المسار الحضاري” فيمكن تحديدها تحديدًا منهجيًا كما صاغتها الدكتور نادية مصطفى بقولها: مفهوم “الحضاري” يتضمن أربعة أبعاد أساسية يتشكل ويوظَّف بها المفهوم؛ وهي:

  • البعد المرجعي (الجذور والأصول): ويعني أنْ تُجسِّد المعرفةُ أو العلم أو الفكر – في مضمونه – أبعاد المرجعية وقيمها الكونية والحضارية والعقائدية.
  • البعد المنهجي الموضوعي (أصول المنهاجية): فالمنهجية في أي فكر حضاري هي الجهاز الإجرائي الذي ينسق الفكر وينظمه بصورة تبيّن موضوعيته ومنطقيته. فبالبعد المنهجي يصبح مفهوم “الحضاري” ذا قيمة موضوعية يمكن تحليلها وإخضاعها للمقاييس العلمية، ويمكن اختبار مقدماته ومسلّماته ومضمونه ونتائجه، والتأكد من صحة هذه الأمور أو خطئها.
  • البعد الواقعي الاجتماعي (اعتبار الواقع): بهذا البُعد يَقدِر الفكر الحضاري على الاستجابة للواقع وملابساته وتحولاته وتغيراته الجزئية والكلية، الشكلية والمضمونية،فوصف الفكر بالحضاري يحوِّله إلى وعي اجتماعي مؤثر بفعل النشاط الإنساني، ويجعله أكثر تعلقًا بالحياة والحركة والسلوك.
  • البعد العالمي الإنساني (العالمية والأنسنة): ومعناه: أن تُدرَس الأفكار وتُحلَّل المشكلات في عمقها الجغرافي العالمي الإنساني الذي يفتح الآفاق للفكر ليمتد إلى ما وراء وجوده الخاص،على اعتبار أن مفهوم “الحضاري” يجعل من العلم والفكر قيمة عالمية عامة.

وحتى نتمكن من تجسيد خصائص المسار الحضاري  لابد من :

  • بيان حال الوعي بالتحديات ورصد الخرائط الإدراكية الخاصة بها لدى النخب والجماهير؛ وذلك في سبيل إيقاظ هذا الوعي وتقويم هذه الخرائط.
  • بناء القدرة على إنتاج الاستجابات الصحيحة والصالحة المكافئة للتحديات؛ والتعرف على أنماط الاستجابات السالبة والسلبية، وتعديلها أو تحويلها أو إيقافها.
  • تأسيس استراتيجيات وفكر استراتيجي طويل المدى واسع المجال؛ من أجل استشراف مستقبل الأمة ضمن مشروع حضاري متكامل؛ يبدأ بالرؤية الكلية ويتحرك صوب القطاعات والمجالات النوعية، يرصد تحدياتها، ويقوّم الاستجابات لها، ويؤسّس لاستراتيجيات التعامل البنّاء معها.
  • تفعيل المداخل المنهاجية التي أنتجها التنظير في المنظور الحضاري. وذلك من قبيل مدخل القيم، ومدخل الأنساق المعرفية المتقابلة، والنموذج المعرفي التوحيدي، والمنظور المعرفي، وفلسفة التغيير، والمدخل السُّفني، والأنماط التاريخية للعلاقات الدولية، ومدخل الأمة القطب، ومدخل المقاصد، ومدخل السُّنن، ومدخل التحديات والاستجابات.
  • فالمسار الحضاري بهذا المعنى يعضد المسار السياسي والمجتمعي ويجعل الاستراتيجيات والمشاريع والبرامج التي يعرف بها المسار السياسي والمسار المجتمعي عميقة ومتجذرة تستغرق الأجيال والأوقات والجغرافيا ،وتصنع أجيال تتعامل بمنطق حضاري مختلف عن المنطق السياسي المصلحي المؤقت بالمواعيد الانتخابية الاستحقاقات الاجتماعية الشخصية والعامة ،كما أنه يصيغ نمط تفكير مفتوح على كل الانجازات والإبداعات والممكنات التي ينتجها المجتمع بكل أطيافه سواء كان منتميا إلى حركة المجتمع المنظمة أم لا ،فانجازه انجازها وإنتاجه إنتاجها وإبداعه إبداعها وكل ما يطمح إليه هو طموحها فتزول الحدود الوهمية وتكسر الجدر المبنية وتنهار الأسوار المترامية بين أطياف الأمة كلها لتصنع النهوض وتغير من حالها بعيدا عن نزعات التفرقة على أساس الحزب أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الجهة ، لتصبح إدارة التنوع وسيلة لتعظيم أرباح الأمة كل الأمة .

    أما بخصوص مسار ادراك المعادلة الاقليمية والدولية فإن مشروع الاصلاح والتغيير والنهوض لا يتحرك في مساحات معزولة عن مشاريع وبرامج وسياسات متنافسة معه بل ولها مخططات لتقويض اركانه وهدم بنيانه من القواعد ، حيث نجد أن تحديات الغرب في ظل التغيرات العالمية منذ نهاية القرن العشرين تمثل المنطلق في الدعوة إلى الحاجة لمشروع نهوض في ظل استحكام أزمة الواقع العربي والإسلامي، وباعتباره امتدادًا لحلقات سابقة من التأزم والتدخل الخارجي.مما يعني أن الداخل والخارج أضحيا في تداخل وتضافر شديدين ولدرجة أضحى الخارج هو المنطلق نحو الداخل. ومن ثم، أضحى رصد فقه واقع هذا الخارج بمثابة المدخل والمحدد الأساس. ومن ثم، فإن الخيط الناظم عبر مراحل تعاقب التاريخ خلال ما يزيد عن القرنين هو تزايد وطأة تدخلات الخارجي وتأثيراته وذلك بواسطة أدوات متطورة من أجل إجهاض مشروع حضاري مستقل عن المشروع الغربي، سواء كان عروبيًّا أو إسلاميًّا.وبسبب ذلك أضحت قضية الإصلاح في قلب قضايا العلاقات الدولية الراهنة للأمة الإسلامية، أي في قلب المتطلبات الداخلية لإحياء الأمة والخارجية النابعة من صميم وضعها في النظام العالمي وعلاقاتها مع نظمه الفرعية ناهيك بالطبع عن نظامه السائد (في ظل الهيمنة والسيطرة الراهنة).

    وقد علمتنا تجربة الربيع العربي في بداية العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين أهمية تأثير البعد الخارجي على التحولات في الداخل ، فأي تجاهل للعامل الخارجي كمتغير سواء كعامل محفز أو مثبط لعمليات التحول الديمقراطي؛التي تعتبر نقطة انطلاق مشروع التغيير والاصلاح في الاوطان ،هو بمثابة غفلة سياسية وحضارية بالنظر إلى تأثير هذا المتغير في عمليات التحول والنموذج المصري والسوري واليمني والتونسي والأفغاني ماثل أمامنا ولا يكاد يغادر مخيلة التواقين إلى إمكانية التغيير

  • والإصلاح في ظل الاكراهات التي يمثلها التدخل الخارجي في القرارات المحلية والضغط على الحكام وعلى الشعوب من أجل تأجيل طموحات التغيير والاصلاح .

    ومن نافلة القول التذكير بأن سياسة الولايات المتحدة، والغرب عمومًا،كانت لا تعطي اهتمامًا لقضية الديمقراطية ونشرها في الدول النامية بقدر ما كانت تعطيه من اهتمام للاستقرار الذي يحافظ على مصالحها مما أكد الارتباط بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين بالكثير من الأنظمة الديكتاتورية والشمولية، بل أكثر من ذلك، حيث كان يظهر على الساحة كثير من التبريرات لتلك العلاقات. وكان لانهيار الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية دور في دعم التحولات الديمقراطية، كما جرى في دول أوروبا الشرقية وكذلك في دول أميركا اللاتينية؛ حيث لم يعد هناك ما يخيف من تزايد نفوذ السوفيت ومعسكرهم في تلك الدول، لكن ما أحدث انقلابًا حقيقيًّا في الفكر السياسي السائد في الولايات المتحدة هو أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول وكشفها لحقائق الأوضاع في الدول العربية والإسلامية التي تعاني من الشمولية مما يساهم في وجود عناصر متشددة تهدد المصالح الغربية. لذا احتلت قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان أولوية بين القضايا المطروحة على أجندة العلاقات الدولية منذ اتفاقية برلين سنة 1991 التي أنهت مبدأ عدم التدخل إلى مؤتمر فيينا 1993 الذي أقرّ خطة عمل لحماية حقوق الإنسان، مرورًا بالمحكمة الجنائية الدولية التي تختص بمحاكمة مقترفي جرائم حقوق الإنسان .

    ولقد بذلت تركيا جهودًا كبيرة في إقناع الغرب، والولايات المتحدة تحديدًا، بأن صعود تيار الإخوان المسلمين في الدول العربية ستكون له فوائد كبيرة، وأنه لا محل لتخوف الغرب منهم. وتقوم أطروحة تركيا على أن أنظمة الحكم العربية السابقة قد أثبتت فشلها السياسي والاقتصادي ونتائج ذلك مزيد من التطرف بين الشباب؛ مما سيقود إلى انفجار غير معروف النتائج. ولتفادي ذلك لابد من تشجيع المجتمع المدني وحمايته لإحداث التغيير والتحول الديمقراطي، ولأن الإخوان المسلمين هم الأكثر تنظيمًا فلا شك من تصدرهم لأية مساحة ديمقراطية. والإخوان المسلمون، وفقًا للطرح التركي، والذي يبدو أن الغرب قد اقتنع به، سيكونون الأقدر فكريًا ودينيًا على محاربة الإرهاب وسيكونون معادين لإيران وحلفاء للغرب. وفي نفس الوقت هناك تيار آخر نادى بإفساح المجال للإسلام السياسي لأن التركة السياسية والاقتصادية في الوطن العربي ثقيلة وبمثابة تحدٍّ لأي تيار سياسي واحتمالات الفشل أكثر من النجاح، وهذا سيُفقد التيار الإسلامي شرعيته ومصداقيته في الوطن العربي وهو الذي طالما نادى بأن الإسلام هو الحل، وفي النهاية سيلحق هذا التيار بالتيارين الاشتراكي والقومي في تراجع حضورهما وشعبيتهما في الوطن العربي.

    وقد أظهرت وقائع الربيع العربي مفاجأة للقوى الدولية، وبناءً على مراقبة سلوك هذه القوى تجاه ما يحدث في الدول التي اندلعت فيها ثورات ظهر في البداية حيادها مع مراقبتها لما يحدث حتى الوصول إلى نقطة معينة في تغيير ميزان القوى على الأرض، حينها تغير هذا السلوك بالكامل. وعلى العموم من بين العوامل المحددة لتغير سلوك القوى العظمى مدى الأهمية الجيوبوليتيكية للدولة المعنية، وأيضًا مدى أهمية هذه الدولة للاستقرار الإقليمي، وأخيرًا قوة النظام واحتمالات مقاومته للثورة وبقائه كما ذهب إلى ذلك الدكتور جمال ماضي وعزمي بشارة في تحليلهما لدور المتغير الخارجي في التحول. والملاحظة الأهم هي وضوح ازدواج موقف القوى العظمى تجاه التغيير بناء على مكان حدوثه ومدى مصالح القوى العظمى المرتبطة بنتائج هذا التغيير.

    وإذا كانت قضية إدراك المعادلة الإقليمية والدولية بهذه الأهمية فان إفرادها بمسار مؤسسي مستقل في عملية التغيير والإصلاح والنهوض هو مدخل مهم لتعضيد المسارات الثلاثة الأخرى ،على اعتبار أن الغفلة عن ترتيب وبناء رؤية متجددة لفهم المعادلة الإقليمية والدولية ،قد يجعل يرهن الجهود المبذولة في المسار السياسي والمجتمعي والحضاري ،ويدخل قادة وأنصار المشروع في معركة المراجعات التي لا تنتهي بما يدمر منجزات كل المسارات كما حدث في بعض تجارب حركات الإصلاح والتغيير والنهوض

  • (النموذج المصري)والتي صار تحليلها ودراستها أكثر من واجب وفي المقابل هنالك بعض هذه التجارب (النموذج التركي) نجحت وبتسارع سهمي صاروخي لأنها تعاملت مع المعادلة الدولية بوعي ذكي تسكينا وتوطينا ،استطاع اجتراح نقاط ضعفها وولج إلى المساحات المختلة فيها فحقق المنجز وبدأت عملية النهوض التي تعرضت إلى تهديدات ومؤامرات عملاقة انكسرت على صخرة مشروع سياسي ومجتمعي وحضاري مدرك للمعادلة الدولية إدراكا متوازنا .

 

تعليق