الرئيسية مقالات أ. فاروق أبوسراج الذهب إدارة الاختلاف والحوار القيادي والخروج من الثنائيات

إدارة الاختلاف والحوار القيادي والخروج من الثنائيات

كتبه كتب في 6 سبتمبر 2023 - 11:21 ص
مشاركة

نتجدد معا… ننهض معا

شرح الأصول السياسية العشرين.

 

الأصل الثالث عشر(13) : إدارة الاختلاف والحوار القيادي والخروج من الثنائيات .

الأصل الثالث عشر : الخروج من الثنائيات أثناء الاختلاف إلى البدائل المتعددة في اتخاذ القرار وبناء العلاقات مع المخالفين ،فحالة الاستقطاب التي أصبحت تميز اداءات حركات التغيير والإصلاح سببها المباشر قصور في إدارة الاجتماع ومجالس الرأي بالانحباس في الثنائيات القاتلة للتنظيمات بدخولها في عالم عمى الألوان لتختصر الكون في لونين (ابيض واسود) وأما قول لا أو نعم ،فيحصل الصراع ثم الفرقة والفشل وذهاب الريح بعد التنازع ،في الوقت الذي تطورت فيه اليوم وسائل وأساليب وطرق اتخاذ القرار بدراسة كل زوايا النظر في مستوى وصف الاشكاليات وجمع جميع معطياتها ثم وصف الحلول كل الحلول والمفاضلة بينها وتقريب واختزال المتشابه منها وفق نظرية 360 درجة وليس الانحباس في الزوايا الحادة التي تعزل البعض وتخرج البعض الآخر وتدفعهم إلى الزوايا المنفرجة بما يتيح الفرصة للشللية وجماعات النجوى ،ففي طرح البدائل المتعددة مندوحة للاستغراق في الثنائيات والأضداد . الشرح والتحليل : لماذا ياترى نجد أنفسنا كشعوب وجماعات دوما ونحن في مسيرة الإصلاح والتغيير أمام منطق سياسي وثقافي سائد يميزه حالة الاصطفاف السياسي، والتصنيف على الهوية الفكرية والسياسية، الذي طالما يخيرنا بين بديلين لا ثالث لهما، وهل قدرنا دوما أن يفرض علينا منهج الفسطاطين: (فسطاط الحق، وفسطاط الباطل)، ودائما ما يضعنا في إطار قانون بوش: (من ليس معنا فهو ضدنا). (وإما كل شيء صحيح، أو لا شيء صحيح) وهو دائما يصيغ البدائل بصورة حدية بالغة الانقسام.بالضبط كما عشناه ونعيشه في الجزائر بين المقاربة الانتخابية الدستورية والمقاربة الانتقالية ،فإذا ما اخترت المقاربة الانتخابية الدستورية كنت مع “النظام” عند البعض (وتكون قد بعت السوق كما يقولون ) وإذا اخترت مقاربة المرحلة الانتقالية اعتبرت مع تيار اليسار وجميع الراديكاليين الذين كانوا يقترحون أنفسهم قادة للحراك الشعبي العملاق الذي حرر جميع العبيد(وصرت حسبهم خائن للوطن)،وعندما تقول للمحسن أحسنت صرت “شياتا” التي تعني عند الجزائريين المبالغة في مدح الحاكم وإذا قلت للمسيئ أسأت أصبحت عميلا للخارج أو دخن وجب التخلص منه . هل هذه الظاهرة صحية في المجتمعات التي تريد الانعتاق والتقدم والنهضة ،أم انها اكبر إعاقة مزمنة أصابتنا في العمق ولا سبيل لمعالجتها لأنها متوارثة عبر الأجيال ،وهل هنالك ما يمكن تثبيته من قيم وأدوات ومعالجات لحل هذه الأزمة العميقة في مسيرة حياة التدافع في كل دول العالم؟ ونؤكد هنا على أن كل منظومة سياسية تسعى بجدية وفاعلية للتعاطي مع محيطها الاجتماعي عبر طريقين مزدوجين:الأول: يتمثل في تقديم خطاب يلامس واقع الجماهير، ويسعى لتلبية حاجاتهم، و يقوم على استقطاب الجماهير؛ لتفعيل الخطاب، والعمل على تحويله إلى برامج، وتنفيذها على أرض الواقع.والطريق الثاني يُعرف في الأوساط السياسية: بالاستقطاب، وجوهر عملية الاستقطاب هو حشد طاقات الأفراد، وتعبئتها بطريقة منظمة؛ لدعم وتنفيذ برنامج سياسي محدد، “رؤية واحدة”، لذا فالاستقطاب لا يسمح بالتعدد، ولا بالتنوع، ولا يقبل باختلاف وجهات النظر؛ لأنه ينطلق من طهرانية الذات، وقداستها، وخطأ الغير وانحرافه بل وخيانته . لذلك وضعنا هذا الأصل المهم من اجل بحث إشكالية الثنائيات ومخاطرها على الأمة حيث أصبح من الواجب علينا ونحن نناقش هذه الظاهرة السياسية المستدامة أن ننظر في المرآة العاكسة لنقرأ المشهد ،حيث يشهد العالم والمنطقة العربية جملةً من الأزمات المتراكمة زمانياً والمتفاعلة مكانياً، وهي في معظمها أزمات تحمل سمة الثنائية في مظاهرها وفي أسبابها أيضاً.فبعض الأوطان يعاني الآن من ازدواجية خطر الاحتلال أو التدخّل الخارجي إضافةً إلى خطر الصراعات الداخلية، بل ربّما مخاطر الحرب الأهلية. فهي هنا ثنائية مشكلة تحدّيات الخارج وانقسامات الداخل.وأوطان أخرى تمرّ في ظروف سياسية تبرز فيها أعطاب الحكم والمعارضة معاً.

فلا الناس راضية عن الحاكم ولا هي مقتنعة أيضاً بالمعارضة البديلة. فهذه أوطان تعيش ثنائية مشكلة الحكم والمعارضة معاً.حتى في البلاد التي لا تعاني من ثنائية تحدّيات الخارج وانقسامات الداخل، أو من ثنائية أزمة الحكم والمعارضة، نجد ثنائية الاختلال في ميزاني العدل السياسي والعدل الاجتماعي. وهناك ثنائيات يشترك فيها عموم العالم، خاصّةً حينما يتعلّق الأمر بالمسائل الفكرية والثقافية وكيفية فهم الدين والهُويّة الوطنية والقومية، بل إنّ هذه الثنائيات المشتركة هي الحاضن الآن لكثير من الأزمات الوطنية أو الإقليمية، فثنائية التطرّف في الفكر والأسلوب هي اللون السائد الآن على معظم الحركات السياسية العاملة بأسماء دينية وطائفية، لكن المشكلة ليست فقط لدى أصحاب الفكر “الديني” وأساليبه بل هي أيضاً لدى أصحاب الفكر العلماني وما هم عليه من ثنائية القصور في الفكر والتقصير في الأساليب ،فضلا على حضور الظاهرة داخل منظومات الحكم نفسها . ويجدر بنا أن نشير إلى أن هذه الثنائيات في المشاكل والأزمات هي ليست وليدة الحاضر أو الماضي القريب فقط، بل هي محصّلة لتراكم كمّي في الأوضاع السياسية على امتداد شريط زمني طويل، نحصد نتائجه حينما تشتدّ تحدّيات الخارج إذ تظهر أكثر جليّاً أمراض وأعطاب الداخل في مواجهة هذه التحدّيات. وهذا النوع من الاستقطاب السياسي الحاصل استقطاب لا تحكمه القناعات العقلية الراسخة أو البرامج الفكرية المحددة، بقدر ما يحكمه نظام الولاءات السياسية والتنظيمية، أو منطق (جماعات الشِّللية والمصالح)، ولذلك فأنت تستطيع أن تعرف مكونات الاصطفاف السياسي من كل قضية، حتى قبل أن يعرض كل طرف حججه ومستنداته الفكرية. إن تجارب المجتمعات والدول تعلمنا أنه في “نظام الاستقطاب” الكل خاسر على المستوى الاستراتيجي، حتى من يفوز في المعارك الصغيرة، قد يحقق طرفا مزيدا من الغلبة السياسية، وقد يحقق نوعا من النصر الزائف بإقصاء المخالفين، لكن على المدى البعيد من يقصي يراهن على غياب الآخر، ومن يراهن على غياب الآخر يعمل كل الآخرين على إلغائه، وليس غيابه، ومن هنا يخسر الجميع. ولهذا نعود ونقول أن ظاهرة الاستقطاب كما جاء في الويكيبيديا تشير إلى “انقسام أو تباعد المواقف السياسية إلى الحدود التفكيرية القصوى، وتشير كذلك إلى الاختلاف في الرأي العام أو حتى داخل مجموعة معينة. وتقريبا كل النقاشات عن الاستقطاب في العلوم السياسية تعتبر الاستقطاب في سياق الأحزاب السياسية وأنظمة الحكم ديموقراطية،حينما يحدث الاستقطاب في نظام حكم حزبين، كما في الولايات المتحدة، فعادة ما تفقد الأصوات المعتدلة أو الوسطية نفوذها وتأثيرها”،وقد أدت عمليات الاستقطاب، والإقصاء المتبادل، والشحن فيما بين الفرقاء السياسيين، وانتقالها إلى شرائح أوسع من الجمهور على خطوط انقسام سياسية، وأيديولوجية، ودينية، وثقافية، إلى تراجع عمليات الحوار والتوافق، والحلول الوسط، مع تعميق الانقسامات الفكرية، وتزايد التماسك العضوى داخل كل فريق، بحيث يتوزع الولاء والانتماء على ما يشبه “الهوية الفكرية”،وصاحب ذلك توظيف متواتر للعنف الرمزى بأشكاله من وصم، واغتيال معنوى، وحرب للشائعات، بحيث ينقسم الرأى أو الانتماء فيما بين جماعتين أو فئتين أساسيتين، بينما تتحدد التوجهات والانحيازات نحو كمٍ لانهائي من القضايا الفرعية بناء على هذا الصدع الرئيسى. وطبعا ستكون النتيجة المباشرة تعثر الأداء الديمقراطى حتى في الدول ذات التقاليد الديمقراطية المتجذرة، ومن أمثلتها المتاهة السياسية التى علقت فيها بريطانيا فى سياق خروجها من الاتحاد الأوروبي «بريكسيت»، و عزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وما صاحبها من استقطاب حزبي.

أما التداعيات غير المباشرة للاستقطاب، فتمتد لتشمل تآكل رأس المال الاجتماعي في المجتمعات المختلفة، وانتشار المعارك الوهمية والبديلة التي تستبطن الاستقطاب الرئيسى، وتعيد إنتاجه فى عدد لانهائي من القضايا الخلافية غير القابلة للتوافق أو الحلول الوسط، حتى بلغ من حدة الاستقطابات شيوع مصطلحات لوصفها، من قبيل القبلية السياسية، والحروب الثقافية، وثقافة “الدشرة ” والذي يتفاعل معه أو يكرسه الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي،حيث أكد بعض المختصين “أن الإعلام أداة مهمة للاستقطاب حينما يصبح جزءاً من اللعبة السياسية، وبالتالي يصبح الإعلام حصانا شرساً يسابق أحصنة أخرى حينما يركبه السياسيون ويقودونه الى حيث يريدون”وفي المقابل فان الإعلام القائم على الاستقلالية والتنظيم الذاتي، هو اكبر مقاوم للاستقطاب مهما كانت إغراءات السياسة ورداءة سلوك السياسيين ،ومع هذا النوع من الإعلام المقاوم لهذه الظاهرة يتحول الاستقطاب السياسي إلى ظاهرة صحية ويصبح “أداة من أدوات العمل السياسي في المجتمعات الديمقراطية،لأن الأطراف والقوى الفاعلة تسعى كل منها لاستقطاب أنصار ومؤيدين مقابل القوى المنافسة الأخرى؛ ومن هنا برز دور الدعاية السياسية والتسويق السياسي في المجتمعات الديمقراطية، التي تدير التنافس والاستقطاب دون ان يخرج عن حدود اللعبة السياسية الديمقراطية”.

وعلينا أن ننتبه إلى أن طبيعة الأخبار تبحث عن الصراع، أي عن الموضوعات الأكثر إثارة هي التي تحتل الأجندة الإخبارية، وتسبق لتحتل العناوين الرئيسية، بمعنى أن بنية الاستقطاب والتطرف تتفق مع بنية الأخبار في الإثارة والرمزية” ذلك أن الاستقطاب يعكس فكرة المجانبة أو الطرفية والبعد عن الوسط، وبالتالي فالاستقطاب قد يكون في الأغلب في صلب عملية التطرف ووجه من أوجهها.

ومن أسباب ذلك والعوامل التي ترفع نسب الاستقطاب هو العصر الذي نعيش فيه (عصر المعلومات) حيث أننا أصبحنا نحيا في عالم مضطرب بشدة معلوماتياً،حيث يقول أحد المختصين : “إن متلازمة الاضطراب المعلوماتي لا تقل خطورة عن جميع المتلازمات الصحية التي تصيب الجسد بالإعياء ويمكن أن تقضي عليه وتؤدي إلى وفاته. إن جهازنا المعلوماتي يعيش حالة من التوتر الشديد والإعياء، وقد سمحت حرية سير المعلومات وانتشارها عبر الإنترنت للأخبار الزائفة بالانتشار واستهداف فئات وطبقات معينة تتسم بالضعف مثل طلاب المدارس والجامعات وكبار السن وغيرهم”. إن الاستقطاب السياسي المدفوع بانتشار الدعاية الكاذبة وحملات التضليل من شأنه إضعاف الديمقراطية، وتمزيق المجتمعات وإشاعة حالة من ضعف الثقة التي من شأنها أن تؤدي إلى مزيد من التوتر والصراعات وتزداد حدة الاستقطاب السياسي لتصل الى استخدام العنف السياسي . ولمعالجة هذه الظاهرة وفق نظرية الهندسة السياسية طرح أحد المفكرين أسئلة مهمة تبدأ بسؤال هل الحديث عن الاستقطاب السياسي ولاسيما عرض الثنائيات يكرسه؟ومن الأفضل أن نشتغل بتنمية الإنسان؟أم أن فض الاشتباك بين الثنائيات والأضداد بات أحد مهام المشاريع الثقافيّة والفكرية والسياسية؟ و ماذا نقصد بتفكيك الثنائيات “الاستقطاب السياسي “هل نقصد به فك رموز النزاع أم أننا نجنح إلى ضرورة تفكيك هذه الثنائيات للبحث عن هويّة تدمج الثقافة بالكل الجمعي؟ وهل هذه الثنائيات مشكلة خاصة بمجتمعنا أم هي مشكلة عامة على صعيد الفكر الإنساني؟ وكيف تعمل المخابر على تغذيتها وإطالة عمرها ؟ وهل يجب ان نؤسس لنحل الكتروني لمواجهة ذاك الذباب يحول بقايا الذباب النتنة الى عسل مصفى؟ يقول الدكتور محمد جابر الأنصاري أن هذه الثنائيات “تقف ضد المشروع الحضاري العام، وان الانشغال بها قد أجهد الفكر العربي والإسلامي وقسّم وعي الأمة إلى أقسام متضادة بين ثنائيات لا تنتهي مثل العروبة أم الإسلام؟ الوطنيّة أم القوميّة؟ التراث أم المعاصرة؟ ورؤية الأنصاري لا يختلف عليها إثنان إنما الأزمة ما هي الخيارات للخروج من هذه الأزمة الفكريّة العالقة؟ لاسيما أن المشاريع البديلة باتت تعبر عن مشاريع شخصانيّة أقرب إلى المشاريع الأنانيّة، وهي صورة تعكس واقع المجتمع بكافة مؤسساته الاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة والدينيّة. ولمعالجة هذه الظاهرة الاستقطابية الحادة في عالمنا المعاصر وجب أولا إعطاء مفردة الاستقطاب معنى إيجابي يقف على قاعدة “رأي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب “، والحرص على أن تكون لنا مقاربة سياسية شاملة لمعالجة اكراهات الواقع ورؤية سليمة لتغييره مع تحديد وبدقة القواسم المشتركة بيننا وبين الآخر مهما كان هذا الآخر ،حيث يصبح كل صاحب مقاربة أو مشروع سياسي يدع إليه بأساليب سلمية متنوعة تستخدم الإقناع السياسي والحجة والبرهان ويكون المتغير الحاسم على كل تلك البرامج والمقاربات هو الشعب”الأمة” الذي ترصع بسيادته دساتير كل الأمم .

د فاروق طيفور.

تعليق