الرئيسية مقالات أ. حمدادوش ناصر المقاومة وهندسة مستقبل الأمة

المقاومة وهندسة مستقبل الأمة

كتبه كتب في 23 نوفمبر 2023 - 7:26 م
مشاركة

يتساءل الكثير عن سِرِّ هذا الدعم الغربي لإسرائيل، دون الانتباه إلى ذلك التماهي بين الأساطير الدينية اليهودية والأساطير المسيحية الإنجيلية المسيطرة على الغرب، وعلى رأسه: أمريكا، والتي تربط سياساتها الخارجية اتجاه إسرائيل بالعقيدة الدِّينية، وذلك بربط العودة الثانية للمسيح بقيام الدولة اليهودية، وعاصمتها القدس الموحَّدة.

وقد سبق للكونغرس الأمريكي يوم 24 أكتوبر 1995م أن قرَّر بأنَّ القدس هي العاصمة الأبدية والموحَّدة لإسرائيل، لأنَّها كما يقول: (الوطن الرُّوحي لليهودية).

وقد أصبح واضحًا بأنَّ الانتقال بالسياسة الخارجية لأمريكا – مثلاً – من الأبعاد الجيوسياسية إلى الأبعاد الدينية لدعم إسرائيل يعود إلى نفوذ اللُّوبي الإنجيلي المسيحي فيها، والذي يعتقد بوعد الرَّب لليهود بالعودة إلى أرض الميعاد من أجل العودة الثانية للمسيح، وهو ما جعل الإدارات الأمريكية تتبنَّى المفاهيم الدِّينية المشتركة بين هذه الطائفة الإنجيلية المتطرِّفة وبين المنظمات اليهودية الأرثوذوكسية، وهو ما يترجم هذا الزواج الإيديولوجي غير الشَّرعي بين الحركة الإنجيلية والصهيونية الدِّينية، فأنجب لقيطةً مشوَّهة، تسمَّى: الصهيونية المسيحية.

وتضفي الحركة الإنجيلية في أمريكا طابعًا دينيًّا على أيِّ دعمٍ لإسرائيل، وتختبئ وراء تفسيراتٍ دينية وفلسفيةٍ بشأن هذا الدعم، ومنها ما قاله أحد أبرز المنتمين إليها، وهو القسُّ المسيحي “جون هيجي”: (بأنَّ اليهود سبب وجود المسيحية، وأنَّ اليهودية لا تحتاج للمسيحية لتفسير وجودها، بينما تحتاج المسيحية لليهودية لتفسير وجودها..)، وهو الذي كُلِّف بتدشين السفارة الأميركية في القدس، وقد قال على منبر “الأيباك”: (لقد استيقظ العملاق النائم للصهيونية المسيحية، فهناك خمسون مليون مسيحي يقفون ويُشِيدون بدولة إسرائيل).

وقد قطعت الصهيونية المسيحية (الإدارة الصهيو – أمريكية) شوطًا كبيرًا في مسار دمج الكيان الصهيوني في المنطقة، ونقله من مرحلة الاحتلال غير المشروع إلى مرحلة التطبيع المرغوب، عن طريق مسلسل السَّلام، واتفاقيات “أبراهام”. وقد أصبح جليًّا بأنَّ الهدف الحقيقي من وراء ذلك هو تصفية القضية الفلسطينية، والقضاء على حلم المشروع التحرُّري نهائيًّا، وهو الخطر الوجودي الذي تمثِّله عملية الاستمرار في هذه المتاهة، والانتقال عمليًّا إلى مرحلة تشكيل تحالفٍ عضويٍّ في المنطقة، بقيادة الكيان الصهيوني ضدَّ مشروع المقاومة وهندسة مستقبل الأمة، وتحريرها من هذا السُّلطان الأجنبي.

فالأهداف الاستراتيجية الأمريكية تتصادم بشكلٍ عنيفٍ مع إرادة المقاومة في رسم معالم هذا الظستقبل، والتهديد الفعلي للهيمنة الصهيو – أمريكية على المنطقة، وهو ما صعَّد من مؤشرات شراسة هذا الصراع الوجودي بين الإدارة الأميركية والإرادة المقاوِمة. ولا شكَّ بأنَّ معركة “طوفان الأقصى” مثَّلت نقطة تحوِّلٍ تاريخيةٍ في هذا الصراع على المستوى الإقليمي والدولي، أعطت دَفعةً قويةً للتعجيل بإعادة تشكيل النظام الدولي الجديد، وإنهاء الآحادية القطبية، تقاطعًا مع التوجُّه الجامح للصِّين وروسيا في ذلك.
ومهما اجتهدت الصهيونية المسيحية في محاولات إنهاء مشروع المقاومة، والالتفاف عليها عبر الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثلٍ شرعيٍّ ووحيدٍ للشعب الفلسطيني، مقابل تبني خيار السلام خيارًا استراتيجيًّا لإنهاء الصراع، والذي كانت ذروة الخيانة والغدر فيه: “اتفاقيات أوسلو” سنة 1993م، التي أعطت منظمة التحرير سلطةً بلا سيادة، وشعبًا بلا أرض، بل كانت السلطة الفلسطينية أداةً صهيونيةً في وَأْد أيِّ صوتٍ يهتف بالمقاومة والتحرير، وهي محاولةٌ لاغتيال مشروع تحرير الأمة، وسجنه تحت السَّقف الصهيو – أمريكي.

وفي الوقت الذي كانت فيه “منظمة التحرير” تلميذًا نجيبًا، بالوفاء بجميع التزاماتها المخلة، كان العدو الصهيوني يُمعِن في التنصُّل من أيِّ اتفاقياتٍ أو قراراتٍ دولية، وهو ما جعل خيار التحرير خيارًا مشروعًا في كامل عنفوانه في مواجهة هذه الهيمنة الغربية، بعث قضية التحرُّر من تحت الركام، وصرخ بعدالتها في وجه العالم، فاهتزُّ الكون بأسْره عندما نطقت المقاومة بطوفان الأقصى، وحرَّرت القضية من محاولات تعليبها في أزماتٍ إنسانية إلى أبعادٍ تحرُّريةٍ وطنية ضدَّ هذه الفرعونية الأمريكية المعاصرة.

تعليق