الرئيسية مقالات التاريخ بين فهم الحاضر وبناء المستقبل

التاريخ بين فهم الحاضر وبناء المستقبل

كتبه كتب في 11 ديسمبر 2023 - 8:26 م
مشاركة

مظاهرات 11 ديسمبر

يجب على كل أمة من أمم الأرض أن تعتبر درس التاريخ من دروس التربية، فتصوغه بحيث يؤدي مهمة تربوية في حياتها؛ إذ كيف تستطيع أمة أن تعيش بدون ذاكرة، وهي تَنْشُد قيادة مستقبلها؟! عَجَبًا لأمةٍ، لها تاريخ مشرق، وهي تتفنن في مخاصمته، وتعتبره تُراثًا بَالِيًا! وقد تناست أنها إنْ قَفَزت فوق تاريخها فاتتها العبرة، وفاتها الاستبصار، واختلط عليها اللُّب بالقشور فالذين لا يتذكرون الماضي محكومٌ عليهم بإعادته، فالتاريخ لا يُعيدُ نفسه، ولكنه قد يتشابه كثيرًا، ورحم الله سيد قطب حين قال: “إن التاريخ ليس هو الحوادثَ؛ وإنما هو تفسيرُ هذه الحوادث، والاهتداء إلى الروابط الظاهرة والْخَفِيَّة التي تجمع شتاتَها، وتجعل منها وَحْدة متماسكةَ الحلقاتِ، متفاعلةَ الجزئيات، ممتدةً مع الزمن والبيئة امتدادَ الكائن الحي في الزمان والمكان”.

ان قراءة التاريخ مجزءا يعرضه للتشويه ويفقده قيمته وتأثيره في سلوك الانسان ، ولذلك لما نقرأ مظاهرات 11 ديسمبر يجب قراءتها في سياق تاريخي كامل يبدأ من لدن سيدنا آدم عليه السلام وينتهي بالمسجد الأقصى ، قراءة ترتب الخريطة المفاهيمية والرسالة والدور والهدف والغاية تجعل القارئ يفهم الظاهرة الاستعمارية كحرب على فكرة الاستخلاف وتشويه لقصة الخلق الاولى في علاقة الارض بالإنسان والانسان بالانسان ، فالمستعمر تتحدد منطلقاته من فكرة استغلال الانسان للانسان ومحاربة فكرة الاستخلاف إلى الصراع على الموارد والمكان وفي ذلك تصريح بالتشويه الذي اعتمده بنو اسرائيل في الافساد الاول الذي بدأ بتحريف قصة الخلق التي جعلت هبوط الانسان الى الأرض هبوط عقاب وحرمانه من الشجرة حرمانا من العلم والمعرفة فنزل محاربا في هذه الأرض ليفتك المزيد من المغانم والمتاع ،أما الافساد الثاني فكان حين سيطر من يكتمون الوحي ويحرفون الكلم عن مواضعه على العالم الغربي وشوهوا فطرته وسلوكه حتى صار يتفنن في افساد الأرض وهتك العرض ، وما فرنسا الاستعمارية إلا نتاج لهذا الفكر السقيم ، وما دروس مقاومة الجزائر إلا ارتقاء بالسلوك البشري في مقاومة هذا الفكر ومحاربته بكل متاح ، ولذلك يجب علينا قراءة أحداث 11 ديسمبر في صورة نفير مجتمعي رافض للاستغلال والظلم والاستعمار ، وما رفع شعار الجزائر مسلمة إلا تأكيد لفكرة الاستخلاف ذلك أن الدين عند الاسلام وأن الأرض يجب ان تحكم بمراد الله .

إنَّ فَهْمَ التاريخ وسَبْر أغواره، لا بد أن ينطلق من القرآن الكريم؛ لأنه يحتوي الخطاب الذي يُحَدِّد هدف التاريخ، ويضع الإطار العام، ويوضح سنن الإصلاح والفساد ويفسر النهاية والمصير. إن هذا المنطلق هو ما يُحَرِّر دارس التاريخ من سجن اللحظة التاريخية، ومن الذاتية، ويجعله أكثر موضوعية وبُعدًا عن الجزئية وتجاوُزًا للحدود والقيود؛ حيث يربط بين الغيب والشهادة، ويربط بين كتابة التاريخ وبين الوعي ولذلك يجب أن نفهم ان خروج الشعب الجزائري في مظاهرات حاشدة ضد المستدمر إنما هو دليل ارتقاء بالعقل الجمعي وتفكيك للظاهرة الاستعمارية وقفز على فكرة القابلية للاستعمار وحلقة من حلقات تصحيح لقصة الخلق وتأكيد لفكرة كتبت في الزبور من بعد الذكر كما جاء في القران الكريم وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحمة للعالمين هذا البلاغ هو القران الكريم ، وهذا الصلاح هو تحقيق فكرة الاستخلاف ، وهذا الرحمة المهداة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وجوهر الصراع الاستبدال الذي ذكره القران في سورة الاسراء بين امة محمد عليه الصلاة والسلام وبين بني اسرائيل وقد كان المنطلق والرابط بين السماء والارض المسجد الأقصى المبارك الذي هو مبتدأ الصراع ومنتهاه ن وذلك كانت فلسطين هي البوصلة التي نفهم من خلالها كل ما يحدث حولنا وبذلك يصبح التاريخ أداة لفهم الحاضر وبناء المستقبل.

تعليق