أخلاق الزمن الصعب من دروس المقاومة

كتبه كتب في 20 ديسمبر 2023 - 10:22 م

حين تفقد الأمة بوصلتها وتستأسد البغاث ويعلو ضجيج الباطل ويدور الناس في فلك الأشياء ويتمكن حب الدنيا من القلوب ، يقيض الله لهاته الأمة من يعيد لها توازنها ويرسم لها طريقها ويضبط بوصلتها ، كالصوت الموقظ من النوم ، وكزخات المطر التي تحي الأرض بعد الموات ، إنهم جند المقاومة ، ودعاة التصدي في زمن التردي ، سيل من التضحيات ومداد من الدماء يبعثون الحياة في الكلمات فتصبح منهج حياة ، ويصبح التعسكر في معسكر المقاومة من أوجب الواجبات ، ليس شعارات ترفع ولكن ممارسة في الميدان ، مقاومة لسيل الإغراء الجارف ، وممانعة للانقياد الأعمى ، وتأبى على البرمجة الصماء واستمتاع بالقبض على الجمر والشعور بالغربة ، ولذلك وحتى يكون الفرد من جند المقاومة وجب عليه أن يتحلى بمجموع من الاخلاق هي من واجبات المرحلة وضرورياتها والتي نذكر بعضها على سبيل الذكر لا الحصر :

1ـ توجيه جميع المناشط نحو الغاية العظمى :
لقد علمتنا المقاومة أن وحدة الهدف تضمن حسن التركيز وتوجيه القوى نحوه ، بما يضمن الابتعاد عن الجدل وتوحيد الجهود والقدرة على التجميع خاصة حين نعرف أن العدو لن يفرق بين من تعسكر في معسكر المقاومة ، فالعجب كل العجب من داع للمقاومة تشتتت أفكاره وتبعثرت مقاصده ، ويا فوز من وضحت طريقه وتحددت أهدافه فكان كل هدف يقربه من الغاية العظمى المتمثلة في ارضاء الله تعالى قال تعالى : “قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ”
وصدق من قال : إن لكل مجتمع غاية ، فهو يندفع في تقدمه إما للحضارة وإما للانهيار، وفي مقابل ذلك نجد أنه حينما تنعدم الحركة فإن الجماعة الانسانية تفقد تاريخها إذ تصبح لا غاية لها ”

2ـ الوحدة :
علمتنا المقاومة أنه كما للإيمان بيوت فإن للنفاق بيوت ، وأن بيوت المقاومة أكبر من أن يهز كيانها اختلاف فكري أو فقهي أو حزبي ، إنها بيوت أعمدتها الحب والتآلف وإيثار الآجل على العاجل ، إنها بيوت تقوم على قوله تعالى : “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ” ، كما علمتنا المقاومة أن أوهن البيوت بيوت العنكبوت لأن بعضها يأكل بعضها ، وما كان لمن سيطرت عليه شهواته وتضخم أناه أن يتحدث عن المقاومة ويتصدر المجالس عنها ، فليس من المروءة في شيء أن نتحدث عن التضحية بقلب تملؤه الأنانية وعن الاستشهاد بقلب مملوء بحب الدنيا .
3ـ الشعور بالمسؤولية :
من الشعور بالمسؤولية تولد الشخصية ، والمقاوم الحق هو من يتحمل مسؤوليته التاريخية تجاه الأقصى وفلسطين ، ونحن في ذلك نحتاج إلى وقفة حقيقية مع النفس ، نحتاج إلى أن نسأل أنفسنا ونحن من كنا نتشدق بالكلام والنقد والسب لآبائنا الذين سمحوا ببيع فلسطين ، أترانا نجد جوابا لأبنائنا حين سؤالهم لنا لمَ لمْ نحرر القدس ؟وفي هذا ينبغي أن نشير إلى أن المسؤولية لا تقع على طرف دون غيره ، إنها مسؤولية جيل كامل بأفراده ومؤسساته فحتى الذين استضعفوا لن يشفع لهم ضعفهم من العذاب ولم يخرجهم من دائرة إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد .
4ـ توحيد المصدر :
إن الذين يحاربون عن الامة اليوم ما حركهم إلا كتاب الله تعالى إنها أوامر الله تعالى تنفذ في أرض الميدان ، فلا يجب أن نغفل على محورية كتاب الله تعالى في حياتنا ، فمن انزعج من قلة النصير فليقرأ قصة طالوت وجالوت ومن خاف من كثرة العدو فليقرأ الآيات التي تحكي على غزوة بدر ، ومن انزعج بالأصوات الناقعة التي تسيء إلى المقاومة فليقرأ سورة التوبة ولله در الفاتح صلاح الدين حين كان يمر على خيام التلاوة والقيام فيقول من هنا يأتي النصر ، إن القرآن الكريم هو وقود المقاومة وجذوة المصابرة في أصعب الظروف وأحلكها

5ـ اللياقة الخلقية :
في الزمن الصعب يسود جو من المشاحنة وتبلد الاحساس وايثار العاجل على الاجل والانتصار للمصالح على حساب المبادئ ، وهو ما يجعلنا أحوج ما نكون إلى أخلاق عالية من حب وصبر وتوكل وثقة .
لا خيل عندك تهديها ولا مال
فليسعد النطق إن لم يسعد الحال
فقد لا نملك أحيانا ما يعين الغير ويخفف عنهم لكننا نملك ما يمسح على الجرح ويطيب الخواطر ويطمئن القلوب ، إن المقاوم الحق يدرك أنه من أتباع دين نهى عن سب الريح والحمى والدهر ، إنه عنصر تجميع وباعث أمل وصانع ابتسامة .
6ـ التمتع بالإنجاز :
إن المقاوم شخص ينتظر شروق الشمس بفارغ الصبر ليقضي يومه في نصرة قضيته غير عابئ بكثرة أو قلة ، لا يعبد النصر بل يتقرب إلى الله ببذل الوسع إنه صانع أفعال لا ماضغ أقوال ، يدع انجازاته تتحدث عنه متمثلا قوله تعالى :” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم “.
7ـ الفاعلية :
لقد علمتنا المقاومة أن المسافة بين القول والفعل كبيرة جدا على المتشدقين قصيرة على من أخلص وأعد ، فبعدما كانت الفاعلية خاصية الرجل الغربي بامتياز ، أصبحت ملازمة للمقاومة والفعالية كما يرى مالك بن نبي أنها نتاج حالة خاصة من التوتر، توتر في الضمير، أي توتر أخلاقي واقتصادي وعلمي ونفسي…

وهي حالة نفسية اجتماعية دلّ التاريخ على أنها تنشأ في ظروف معينة، تكون فيها المبررات التي تكوِّن الدوافع الإنسانية التي تدفع النشاط إلى أعلى قمته وهو ما تلمسناه في جند المقاومة حتى ينتقل الإنسان من الكلام إلى الانجاز ومن القول إلى الفعل
8ـ ثقافة الكيف لا الكم :
علمتنا المقاومة أن القلة المؤمنة الصابرة هي من تصنع الفارق غير عابئة بقلة نصير أو كثرة متربص و أن ثقافة الكيف هي من تصنع الفارق منطلقة من ثقة في نصر الله وتوكل عليه ويقين به ، وهي رسالة إلى كل متعسكر في معسكر المقاومة ليبتعد عن الغثائية التي لا تستطيع تحريك ساكن والأكلة تتداعى على قصعتها .
9ـ التحلل من متاع الدنيا :
من موازين التمييز بين جنود المقاومة وغيرهم تمكن حب الدنيا من القلوب ، فكما لا يجتمع ايمان وحسد في قلب مؤمن كذلك لا تجتمع مقاومة وحب الدنيا في قلب متعسكر في معسكر المقاومة ، لقد علمتنا المقاومة أن بداية الانطلاق تقديم الثلاثة على الثمانية فأما الثمانية ففي قوله تعالى { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها واما الثلاثة ففي قوله أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله.

تعليق