الرئيسية مقالات أ. عمار بن ثابت آفات على الطريق 2..من دروس بني إسرائيل

آفات على الطريق 2..من دروس بني إسرائيل

كتبه كتب في 22 يناير 2024 - 4:55 م
مشاركة

واذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد : نلاحظ هنا أن الطعام وُصف بأنه واحد رغم أنه مكون من صنفين هما المن والسلوى.. ولكنه واحد لرتابة نزوله.. الطعام كان يأتيهم من السماء.. ولكن تعنتهم مع الله جعلهم لا يصبرون عليه فقالوا ما يدرينا لعله لا يأتي.. نريد طعاما نزرعه بأيدينا ويكون طوال الوقت أمام عيوننا..

وكأن هذه المعجزات كلها ليست كافية.. لتعطيهم الثقة في استمرار رزق الله ، إنهم يريدون أن يروا ، ألم يقولوا لموسى: أَرِنَا الله جَهْرَةً ثم في الحنين إلى البقل والبصل وغيرها حنين إلى طعام العبودية ، حنين إلى الأيام الخوالي ، ولعل الانسان إذا انطمست بصيرته فقد الإحساس بالنعم وتشابه لديه الأدنى والخير ، ليصبح سلوكا مجتمعيا لا يُستغرب فيه من استبدل إله بعجل أن يستبدل المن والسلوى بغيره ، ولا يُستغرب فيمن لم يصبر على الخير أن يصبر على ما دونه .

اذبحوا بقرة : يقول الله تعالى في كتابه العزيز، سورة البقرة: “وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ ۖ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا ۚ قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ لو أنهم ذهبوا إلى أي بقرة وذَبحوها لحصلوا منها على ما أرادوا ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم بعد إن سألوا عن صفتها ثم بعدها سألوا عن لونها ثم عن سنها فأُجابهم الله بما عز وجوده فيهم، وقد يكونُ الأمرُ بذبحِ البقرةِ لأنها من جنسِ العِجلِ الذي عبَدوه .. فأرادَ اللهُ –تعالى- أن يختبرَ توبتَهم، وهل بقيَ شيءٌ من تعظيمِ العجلِ في قلوبِهم .. فما كانَ منهم إلا أن)قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ( أنسألُكَ عن القاتلِ .. فتأمرُنا أن نذبحَ بقرةً .

وفي ذلك إشارة إلى محدودية تفكير من يكفر بالغيب وبالله فمن المقبول في نظره أن يعبد عجلا يظن فيه القدرة على النفع والضر والموت والحياة ، ثم يشكك في ذبح بقرة ويتباهى بعقله فيقول أتتخذنا هزؤا وفي هذا الكلامِ من سوءِ الأدبِ مع أنبياءِ اللهِ –تعالى- ما لا يخفى على عاقلٍ .. فالأمرُ من اللهِ تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ) .. والمتكلمُ نبيٌّ من أولي العزمِ من الرُّسلِ .. فأجابَهم موسى -عليه السَّلامُ- :(قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) وأمتنا تقرأ القصة للعبرة والتبصرة في رسالة واضحة لأنه عندما ينتشر في الأمة روح التكاسل تبدأ في الالتفاف على الأحكام الشرعية ، وتبدأ في مناقشة القشور والابتعاد عن الجوهر وفي إشارة إلى أنه من شدد شدد الله عليه ، والغلو والتنطع في الدين من مواصفات بني اسرائيل والمماطلة والمفاوضة دأبهم فقد فاوضوا الله تعالى في بقرة ، فكيف لا يفاوضون فيما عداها . ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله : بعض الشعوب المغلوبة تحدث نفسها بالمعارك الكبرى وهي في قمة الفتور والتكاسل ، وترمي فشلها على قياداتها ، وقد يكون من بينها من يستطيع تحمل أعباء القيادة والريادة فقد طالب هؤلاء بملك يقاتلون معهم ، طالبوا ذلك من نبيهم وهو أحق الناس بالقيادة ، وجاوبهم بحقيقة ما في نفوسهم هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا ، ثم إن الله تعالى لما كتب عليهم القتال وأرسل لهم الملك قالوا أنى يكون لهم الملك علينا ولم يؤتى سعة من المال ، وضعوا معاييرهم الدنيوية في وزن الرجال وغلبت عليهم ماديتهم مرة أخرى ، وذلك حال بعض الانسان حين يزنون الرجال بما يملكون من مال ولا يضعون للكفاء قيمة ولا للقدرة معنى ، وقد حدد الله الصفات اللازمة للقيادة فقال زاده بسطة في الجسم والعلم ولكن كثيرا من الناس عن آيات الله غافلون

تعليق