من كان يتخيل أن تتفق ثلاث دول عربية على فتح خط بري ينطلق من دبي مرورا بالسعودية والاردن وصولا إلى الكيان الصهيوني، لتزويده بكل السلع الضرورية بعد اشتعال الحرب في البحر الأحمر من قبل الحوثيين، وفي المقابل تغلق هذه الدول ( مصر، الأردن) الحدود عن إخواننا في غزة ولا تسمح بمرور أي شاحنة مساعدات، فلا ماء ولا دواء ولا غذاء… ورغم كل ذلك قال الفلسطينيون كلمتهم ودون رجعة ” مالنا إلا الله ” الجوع ولا الركوع، جهاد نصر أو استشهاد…
الحقيقة أن مشروع الطريق البري الرابط بين دبي والكيان هو مشروع قديم يعود إلى يناير سنة 2020، وقد أجريت العديد من الدراسات وطرحت الكثير من الأفكار، منها أيضا بناء خط سكك حديدية ( قطار سريع ) وكذا ربط البحر الاحمر بالبحر الميت، والكيان لا يخفي هذه المخططات والتي تمثل صلب مشروع التطبيع مع الكيان، وتدخل ضمن الاجراءات العملية للاتفاقية الابراهيمية المزعومة.
المؤسف أنه في اللحظة التي كان فيه أهل اليمن يسطرون أعظم البطولات على الملاحة في البحر الأحمر ويتصيدون السفن الأمريكية والسفن المتوجهة لموانئ المحتل، ويقطعون الإمداد عن المحتل، دعما ونصرة لمظلومية الشعب الفلسطيني الأبي؛ كان بعض المنافقين العرب يتباحثون سراً لكسر الحصار البحري عن الكيان الصهيوني وتفعيل الخط البري الرابط بين دبي واسرائيل! لقد كشف السابع من أكتوبر حجم الخيانة المتجذرة في الأنظمة العربية التي خُدعنا بها وكنا نظن أنه بقي فيها شيء من المروءة والإباء التي لا تسمح بتجويع الأطفال والرضع، وقطع الدواء وبتر أطراف المرضى دون تخدير، إن الفطرة الانسانية السليمة لأي كائن بشري لا تقبل بهذا، فلأي عالَم ينتمي هؤلاء؟! وبأي ملة يتمذهبون؟! أنظمة لا تزال منذ سنوات تهرول لإقناع شعوبها بسلام كاذب مع كيان غاصب. تأكد اليوم لكل متابع ولكل حر شريف أن دول الطوق شريكة قولا وفعلا في الحرب على غزة، وعلى ما يبدو فإن طوفان الأقصى فضح آخر ماكان مخبوءًا في جعبة هذه الأنظمة المفلسة، فكشف عنها الستر ورفع عنها الغطاء فما عاد لوجودها مبرر ، فهي والعدو سيان ولعل كل الخبراء والمتابعين يتوقعون زلزالا عنيفا في هذه الدول، ولعل البداية من مصر حسب التقارير الأمينة والاستخباراتية.
يقول المؤرخ اليهودي Shlaim: “ليس من قبيل الصدفه أن تتزامن الهجمات على وكالة الأونروا مع قرار محكمة العدل الدولية بناء على دعاية اسرائيلية، فاسرائيل تعمل فعليا على التقليل من قيمة مؤسسات الأمم المتحدة والطريق لفعل هذا يمر حتما عبر شيطنة الأونروا”، وهذا أمر آخر في غاية الخطورة أن يبقى أكثر من 2 مليون وثلاث مئة الف مواطن من غزة تحت رحمة المساعدات التي تمنحها وكالة غوث لتشغيل اللاجئين الأونروا! جزء من هذه المساعدات يأتي عبر دولة شريكة للكيان أعلنت الوقوف فجأة إلى سردية الاحتلال ووقفها للتمويل بحجة أن بعض عمال الوكالة شاركوا في حرب السابع من أكتوبر، فواقعيا لا يمكن تقبل هذه الرواية الكاذبة في حين يتم السكوت وتجاهل فقدان الوكالة لأكثر من 120 من موظفيها والعشرات من مؤسساتها تحت القصف المتواصل.
إن وقف التمويل هو استراتيجية غربية متكاملة ومتعمدة لقطع المساعدات كليا على الحاضنة الشعبية للمقاومة والمساهمة في تشديد الحصار على غزة كردة فعل على قرار محكمة العدل الدولية التي ألزمت الكيان بادخال المساعدات… وهنا يأتي السؤال: أين هي الدول العربية من كل ما يحدث؟! وأين الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي وغيرها من الأجسام القانونية والدولية؟! بكل تأكيد هي متواطئة إما بسكوتها أو بتآمرها، ولم يبقى سوى بصيص من الأمل في تشكل محور ممانع مستقبلا يضم دول ( قطر، جنوب افريقيا، اليمن، العراق ، لبنان ، الجزائر ) بما يمكنه من مواصلة القيام بأدوار أكبر تأثيرا وردعا للكيان المارق، اما الشعب الفلسطيني فقد قرر أن ينهي الاحتلال بطريقته وصموده الاسطوري دون انتظار أحد، في ظل الانهيار الاخلاقي الرهيب للمنظومة العربية .