منظومة الرشد في العمل السياسي – الحلقة 38
قوانين الرشد السياسي في القيادة (05): قانون الإضافة … متعة الخدمة ؟
“الحياة نعيشها لخدمة الآخرين وحدها هي الحياة التي تستحق أن نعيشها”.
البرت اينشتاين
بقلم أ.فاروق أبو سراج الذهب
القيادة ليست تشريف زائف تصنع المناصب إنما هي توفيق واستحقاق ،لذلك استحق القائمون عليها بحق درجة الأمن يوم القيامة ،فقد روى الطبراني عن ابن عمر -رضي الله عنهما-, أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال(إن لله تعالى عباداً اختصهم بحوائج الناس, يفزع الناس إليهم في حوائجهم, أولئك هم الآمنون من عذاب الله)
وفي حديث آخر, في معنى قريب: (إن لله تعالى أقواماً, اختصهم بالنعم لمنافع العباد, يُقرِّها فيهم ما بذلوها, فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم) .
لماذا يقود القادة ؟ وعندما يفعلون ،ماذا تكون أولى مسؤولياتهم ؟ لو انك سالت عددا كبيرا من القادة ،فلربما تسمع ردودا مختلفة ربما تسمع أن مهمة القائد هي أن :
• يكون مسؤولا
• يجعل المؤسسة تعمل بسلاسة ويسر
• يحقق الأرباح للشركاء وحاملي الأسهم
• يبني مؤسسة أو منظمة عظيمة
• يجعل المنظمة متفوقة ورائدة على المنافسين ويحقق الفوز والانتصار
هل دافع القائد للقيادة مهم ،أم أن المهم هو انجاز المهمة المطلوبة ببساطة فحسب ؟مالمهم ؟
يقول الدكتور جون سي ماكسويل “كنت أمام مجموعة من الموظفين في الدولة وقلت لهم في سياق مداخلتي أن القادة يضيفون القيمة عن طريق خدمة الآخرين ،فلاحظت أن العديد من أفراد الجمهور بدوا شديدي الانزعاج عندما ذكرت ذلك وعندما أنهيت تساءلت فقال لي احد المضيفين في الفندق “نعم إنني واثق بأنهم انزعجوا ،وما يجب أن تدركه هو أن أكثر من نصف هؤلاء الناس تقريبا قتلوا البعض لكي يحصلوا على مناصب السلطة التي هم فيها حاليا ” وهنالك أدركت أنني لا استطيع تجاهل او الاستخفاف بالأسباب التي تجعل القادة يقودون وكيفية ممارستهم للقيادة .
العديد من الناس ينظرون للقيادة نفس النظرة التي ينظرون بها للنجاح آملين أن يصلوا لأبعد ما يمكنهم الوصول إليه وفي تسلق السلم وفي الوصول لأعلى منصب تسمح قدراتهم ومواهبهم بالوصول إليه ،ولكن على عكس التفكير التقليدي فان جوهر القيادة ليس هو إلى أي مدى نتقدم نحن أنفسنا ولكن لبها هو إلى أي مدى نساعد الآخرين على التقدم ،وهذا لا يتحقق إلا من خلال تجسيد قانون جديد في القيادة هو قانون الإضافة أي خدمة الآخرين وإضافة القيمة لحياتهم .
إن كل تفاعل بين كل قائد وتابع عبارة عن علاقة ،وكل علاقة إما تضيف إلى حياة المرء وإما تطرح منها ،فإذا كنت قائدا فصدقني ا ن لك أثرا إما ايجابيا وإما سلبيا على الأشخاص الذين تقودهم ،كيف تعرف الأثر الذي تتركه ؟هناك سؤال مهم :هل تجعل الأمور أفضل بالنسبة للأفراد الذين يعملون تحت قيادتك ؟تلك هل القضية فإذا كنت لا تستطيع الإجابة عن هذا السؤال بكلمة نعم حاسمة وتعطي دليلا يدعم هذه الإجابة فمن المحتمل بشدة انك تطرح من قيمة الآخرين وغالبا ما يدرك الأشخاص الذين يقومون بطرح القيمة أنهم يقللون من قيمة الآخرين ،طبعا هو لا يقومون بذلك عن قصد لكن 90 بالمئة من الأشخاص الذين يجيبون بنعم يفعلون ذلك عن قصد ـلان الطبيعة البشرية أنانية ولكي تضيف القيمة فذلك يتطلب الخروج من منطقة الارتياح باستمرار لإضافة القيمة للآخرين لكن هذا هو المطلوب لكي تكون قائدا يرغب الناس في إتباعه.
إن الأشخاص الذين يصنعون اكبر اختلاف يبدوا أنهم يفهمون هذا القانون ،وإضافة القيمة للآخرين من خلال خدمتهم لا تفيد الأشخاص الذين يتلقون الخدمة وحدهم أنها تتيح للقادة أيضا مايلي :الإشباع من قيادة الآخرين /القيادة بالدوافع السليمة /القدرة على انجاز أعمال مهمة كقادة/تطوير فريق القيادة /التوجه نحو الخدمة داخل الفريق .حيث قال سينيجال :فمن غير اللائق أن ينسب المرء الفضل لنفسه في حين أن بناء مؤسسة ناجحة يتطلب تعاونا كثيرا من الناس معا وعندما تحاول أن تكون الأفضل فانك لا تغرس الولاء وإذا كنت لا تستطيع نسب الفضل للآخرين فسوف تغرق بسبب عجزك عن التحفيز والإلهام .
إن أفضل موقع للقائد ليس دائما هو المنصب الأعلى وليس موقع أقصى سلطة أو سيطرة ،انه الموقع الذي يستطيع منه تقديم أفضل خدمة لإضافة قيمة للآخرين .
ويؤكد البرت اينشتاين الفائز بجائزة نوبل قائلا “الحياة نعيشها لخدمة الآخرين وحدها هي الحياة التي تستحق أن نعيشها”.
القيادة الرائعة تعني الخدمة الرائعة …كيف يخدم القادة تابعيهم إذن ؟ التفاصيل تعتمد على الرؤية ونوع العمل والمؤسسة ولكن الغاية واحدة دائما إضافة القيمة وعندما تضيف القيمة للناس فانك ترتقي بهم وتساعدهم على التقدم وتجعلهم جزءا من كيان اكبر من أنفسهم وتساعدهم على أن يحققوا الهدف من خلقهم وغالبا مايكون القائد وحده هو القادر على مساعدتهم في تحقيق هذه الأشياء .
يقول سنيجال الرئيس التنفيذي والمشارك في تأسيس شركة كوستكو رابع اكبر شركة لتجارة التجزئة في الولايات المتحدة الأمريكية “تقديم الإضافة والقيمة للآخرين ليس إيثارا للغير لكنه أسلوب جيد في إدارة العمل يقصد في القيادة “.
وحتى نستطيع إضافة القيمة للآخرين علينا :
• أولا أن نقدر الآخرين حقا ،فعندما ينقل المرء إلى موقع السلطة عليه ان يتخلى عن حق الإساءة للآخرين ،وفي لغة الإشارة الأمريكية إشارة الخدمة هي مد اليدين للأمام مع بسط الراحتين وتحريك اليدين ذهابا وإيابا بين من يقوم بالإشارة ومن يتلقاها ،وتلك حقا استعارة جيدة للتوجه الذي ينبغي أن يمتلكه القائد الخادم الذي ينبغي أن يكون منفتحا واثقا مهتما مساعدا فالقادة الذين يضيفون القيمة بخدمة الآخرين يثقون بإتباعهم قبل أن يثق بهم إتباعهم ويخدمون الآخرين قبل أن يتلقوا الخدمة من الآخرين.
• وثانيا إننا نضيف القيمة للآخرين عندما نجعل أنفسنا أكثر قيمة للآخرين حيث تقوم فكرة إضافة القيمة برمتها على فكرة أخرى هي أن لديك شيئا ذا قيمة تضيفه ،انك لا تستطيع إعطاء ما لا تملكه ،مالذي تمتلكه ويمكنك منحه للآخرين ؟هل يمكنك تعليم بعض المهارات ؟هل يمكنك تقديم الفرص ؟هل يمكنك تقديم الأفكار ووجهات النظر السليمة المكتسبة من الخبرة ؟لاشيء يتحقق من هذه الأشياء بدون ثمن ،وكلما كان نموك الشخصي -الذي تحدثنا عنه في الحلقة السابقة- متعمدا ومقصودا ومخططا امتلكت المزيد مما يمكنك تقديمه وكلما كنت مستمرا في السعي للنمو الشخصي زاد استمرارك في امتلاك ما يمكنك تقديمه .
• وثالثا إننا نضيف القيمة للآخرين عندما نعرف ما يقدره الآخرون ونقدمه لهم ،فعندما نكون نحن عملاء او ضيوف نتوقع الحصول على خدمات مميزة ولكن كقادة لا نفكر تلقائيا في تقديم نفس الشيء ولكن هذا أمر أساسي بالنسبة للقيادة الفعالة الناجحة ،فالقادة غير المخضرمين يسارعون إلى ممارسة القيادة قبل أن يعرفوا أي شيئ عن الأشخاص الذين سيقودنهم ولكن القادة الناجحين الفعالين ينصتون ويتعلمون ثم يقودون ،وبشكل أساسي يتعرفون على ماهو مهم بالنسبة لأتباعهم ومن ثم يمارسون القيادة بناءا على ماعرفوه وعندما يفعلون هذا يفوز الجميع المؤسسة والقائد والتابعون.
• ورابعا إننا نضيف القيمة للآخرين عندما نفعل أشياء ترضى الله سبحانه وتعالى وتتحول عندنا الخدمة من مجرد فكرة ومشقة الى متعة على اعتبار أن الذين يقدمون الخدمة للناس أمنون من غضب الله يوم القيامة ،وهي توفيق من الله لا يعطيه إلا لمن اختاره لان يكون من الآمنين يوم القيامة ،وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم دقيق وهام ومنبه للغافلين من الذين يقدمون الخدمة للناس وهم يتأففون أو وهم يعتقدون أن لهم السلطان والمكنة التي تجعل الناس من ذوي الحاجات خاصة يقبعون عند أبوابهم ليتكرم هؤلاء باستقبالهم وتقديم الخدمة بأسلوب تهكمي ،ولا يعلم هؤلاء أن الله بحانه وتعالى قد أعطاه مفتاح الأمن يوم القيامة وهو لا يدري والأخطر في كل ذلك أن قانون الإضافة في المنطق الإسلامي القرآني خصلة أساسية في المؤمن لأنه يحب لأخيه ما يحب لنفسه وما خلق الإيثار الذي تحدثت عنه النصوص إلا توجيه هام للقيادات وغيرهم لتحفيزهم لتقديم الخدمة التي تتحول إلى متعة الخدمة عندما يقوم بها المرء بهذه الروح الجديدة .
ويمكن القول بطريقة أخرى أن التوجه الذهني للقائد يؤثر على جو العمل فإذا كنت ترغب في إضافة القيمة عن طريق خدمة الآخرين فانك ستتحسن كثيرا كقائد وسوف يحقق من يعملون تحت قيادتك المزيد من الانجازات ويتسمون بمزيد من الولاء والإخلاص لك وللمؤسسة ويقضون وقتا أفضل مما كنت تتخيل في انجاز مهام عملهم تلك هي قوة قانون الإضافة .
تطبيق قانون الإضافة في حياتك :
1. هل تتحلى بالتوجه الذهني للخادم عندما يتعلق الأمر بالقيادة ؟لا تتعجل الإجابة بنعم ،إليك الطريقة التي يمكنك أن تتعرف بها الإجابة :في المواقف التي يكون مطلوبا فيها منك خدمة احتياجات الآخرين كيف تستجيب؟هل تفقد صبرك ؟ هل تشعر بالضيق او الغضب ؟هل تعتقد ان مهام معينة أدنى مما تسمح به كرامتك او منصبك ؟اذا أجبت بنعم عن أي من تلك الأسئلة فان توجهك الذهني ليس على قدر الجودة الذي يمكن ان يكون عليه ،حاول ان تتدرب على أداء أعمال خدمة صغيرة للآخرين بدون ان تسعى لنيل الفضل او التقدير مقابل تلك الأعمال ،استمر في ذلك إلى أن يزول شعورك بالضيق من قيامك بتلك الأعمال .
2. ما لذي يقدره الأشخاص المقربون منك ؟ضع قائمة بأكثر الأشخاص أهمية في حياتك ،من المنزل والعمل والمسجد وأماكن الهوايات وغير ذلك وبعد وضع القائمة ،دون أكثر ما يقدره كل واحد منهم .وبعد ذلك صنف نفسك على مقياس متدرج من 1 (سيئ)الى 10 (ممتاز) فيما يتعلق بمدى جودة تعاملك مع مايقدره كل شخص .وإذا لم تستطع توضيح مايقدره شخص ما او كانت درجتك اقل من 7 في التعامل مع هذا الشخص فاقض مزيدا من الوقت معه لكي تتحسن .
3. اجعل إضافة القيمة جزءا من أسلوب حياتك ،ابدأ بالأشخاص المقربين منك .كيف يمكنك إضافة القيمة للأشخاص الذين تضمهم في ضوء ما يقدرونه كثيرا ؟
في الحلقة القادمة : قانون الأرض الصلبة … الثقة هي أساس القيادة
تعليقات الزوار ( 0 )