مشروع قانون المالية لسنة 2016م يُعتبر بحقٍّ “قانون عقوبات” ويحمل “قرارات إعدام اجتماعية”، ويغلب عليه “الطّابع الاستفزازي” بمخالب “رجال الأعمال” مما يفقده “السيادة”، ويجعله “غير وطني” ليتّجه بنا إلى “الرأسمالية المتوحشة” بتشبيك العلاقة غير النّزيهة مع “الأيادي الأجنبية” لبيع الجزائر، فيُعطِي مَن لا يملك لمَن لا يستحق..
ففي رسمٍ كاريكاتوري يدعو للسّخرية ويبعث على الغثيان، نجد أن مشروع هذا القانون يصبّ في صالح أرباب المال – بما فيها الأجانب- على حساب المواطن، كما أن “أزمة تراجع مداخيل الدولة” بسبب تراجع إنتاج البترول وانهيار أسعاره وارتفاع الاستهلاك المحلي للطاقة، سيكون المواطن هو أول مَن يدفع ثمن فشل وفساد الحكومة، وهي المؤشرات السّوداء والأرقام المرعبة التي تعترف بها في مشروع هذا القانون، وليس الخطاب التشاؤمي والنّظرة العدمية للمعارضة..
تعترف الحكومة بأن الصّادرات من المحروقات ستكون سنة 2016م حوالي:26.4 مليار دولار بسعر: 45 دولار للبرميل الواحد، لتصل نسبة التراجع إلى:21.9%، بينما تبقى فاتورة الاستيراد تناطح:54.7 مليار دولار، وسيكون العجز في الخزينة:24.5 مليار دولار، والعجز المتوقع في الميزان التجاري:26.4 مليار دولار، والعجز المتوقع في ميزان المدفوعات:30.3 مليار دولار، وسيكون العجز في الميزانية: 32.36 مليار دولار، فمداخيل الميزانية المقدّرة بـ:47.47 مليار دولار أقل من نفقاتها المقدّرة بـ:79.84 مليار دولار، وسيتم اقتطاع حوالي:18.03 مليار دولار من صندوق ضبط الإيرادات لتغطية هذا العجز، ولا يبقى في رصيده نهاية:2016م إلا حوالي:12 مليار دولار، وهو الذي لا يكفي لتغطية عجز ميزانية:2017م، وسيبقى من احتياطي الصّرف:121 مليار دولار، وهو الذي لا يكفي لتغطية:23 شهرا فقط من (الاستيراد)؟؟؟..
لكم أن تقارنوا بين حاجة الدّولة إلى المداخيل، وحجم التنازل عن مصادرها لصالح “رجال الأعمال” تحت ذريعة تشجيع الاستثمار، وبالمقابل يتم إثقال كاهل المواطن بالزيادات الجنونية والتي ستؤدّي إلى الانفجار الشعبي في أيّ لحظة، وإليكم “سخاء الحكومة” على رجال الأعمال، وبخلها عن المواطن، وهو ما يعني “اختطاف الدولة” من طرف “المافيا المالية” و “ابتلاعها لمؤسسات الدولة” ورهن سيادتها على القرار السياسي:
ففي المادة:02 والتي تنصّ على إلغاء إلزام المستثمرين الذين يستفيدون من الامتيازات مثل: الإعفاء من الحقوق الجمركية و: TVA والإعفاء من الرسم على النشاط المهني (TAP)، فلا يعيدوا استثمار هذه الأموال مقابل هذا الإعفاء، ولا تطبّق على عدم احترام ذلك: استرداد التحفيز الجبائي، ولا تطبّق الغرامة الجبائية السابقة التي تقدّر نسبتها بـ:30%.، وهو ما يكبّد الخزينة العمومية – حسب اعترافات مدير الضرائب:9000 مليار سنتيم سنويا.
وفي المادة 53: تكون الأراضي التابعة للأملاك الخاصة للدولة والموجّهة لإنجاز مشاريع ذات الطابع السياحي محلّ منح الإمتياز القابل للتنازل على أساس دفتر الشروط..”.
ولكن الأخطر كذلك أن هذا الإجراء يطبق أيضا وبأثر رجعي ابتداءً من:01 سبتمبر 2008م.
هي مادّةٌ لقيطة والكلّ يتبرّأ منها سواءٌ داخل الحكومة أو لجنة المالية بالبرلمان، وهي دليلٌ أنّ هناك “جهةً ما” وبطريقة غير قانونية تخدم مصالح ضيّقة هي مَن أقحمتها وتريد فرضها، وتختطف سيادة مؤسسات الدولة.
وفي المادة 66: “على المؤسسات الاقتصادية العمومية التي تنجز عملياتٍ لفتح الرأسمال الاجتماعي إزاء المساهمة الوطنية المقيمة، الاحتفاظ بنسبة:34% من مجموع الحصص الاجتماعية..
بعد انتهاء مدة:05 سنوات .. يمكن للمساهم المقيم رفع خيار شراء الأسهم التي تحوزها المؤسسة العمومية الاقتصادية إلى مجلس مساهمات الدولة”. وهو ما يعني تكسير القاعدة السيادية (51/49) وبيع مؤسسات القطاعات الاستراتيجية مثل: “سوناطراك” و”سونلغاز” و”البنوك” لرجال المال والأعمال الجزائريين والأجانب؟؟؟، في مخالفة دستورية صريحة، وهو ما يُعدّ “خوصصةً للدولة واختطافا لها”، واغتيالا للإنجاز التاريخي بتأميم المحروقات يوم:24 فيفري 1971م.
وبالمقابل نجد هذا التوجّه الخطير للمساس بالأمن والاستقرار الاجتماعي والذهاب رأساً إلى الانفجار الشعبي بإقرار زياداتٍ تمسّ بطريقةٍ مباشرة أو غير مباشرة جيوب المواطنين، وتحميلهم ضريبة فشل الحكومة لوحدِهم.
سوف لن تكتفي الحكومة بالارتفاع الجنوني لأسعار المواد الاستهلاكية، حتى تُلهِب الأسعار في موادٍ أخر مثل: الماء والكهرباء والمازوت والبنزين، فقد تمّ تعديل الرّسم على المنتجات البترولية من:0.01 دينار للتر حاليا إلى: 5 دينار للتر بالنسبة للبنزين الممتاز ودون رصاص، وإلى:4 دينار للبنزين العادي، وتعديل الرّسم بالنسبة للمازوت من:0.01 دينار للتر حاليا إلى: 2 دينار للتر، وهو ما سيؤثر في سعر تذاكر النقل كذلك.
كما ارتفعت الحقوق الجمركية المفروضة على أجهزة الإعلام الآلي من:05% إلى:15%، وهو ما سيزيد من أسعارها، إضافةً إلى الزّيادات في الإنترنت والهاتف النّقال وقسيمة السّيارات والضّريبة على شراء السّيارات..
بالإضافة إلى انهيار قيمة الدينار والسقوط الحرّ له، والذي فَقَد:20% من قيمته في ظرف سنةٍ واحدةٍ فقط، إضافةً إلى ارتفاع نسبة التّضخم من:3% إلى:5.32%،وهو ما سيؤثر سلبا على القدرة الشرائية للمواطن.
وفي المقابل فإن كتلة الأجور مرهِقةٌ للحكومة، وهي تشكّل خطرا حقيقيا لارتباطها بالمحروقات بنسبة: 70%، فميزانية التسيير التي تقدّر بحوالي:48.07 مليار دولار هي لوحدها أكبر من مداخيل الميزانية العامة التي تُقدّر بـ: 47.47 مليار دولار، بينما صادرات المحروقات لا تتجاوز: 26 مليار دولار.
نحن لا نثق في أرقام الحكومة وهي غير خاضعة للمنطق العلمي الموضوعي، فهي تتوقع أن تكون نسبة النّمو الاقتصادي لسنة 2016م:4.6%، وهذه النسبة غير منطقية مقارنة مع التراجع في ميزانية التجهيز بنسبة:46%، وقد توقّعت الحكومة نسبة النمو سنة 2013م:5% ولم تصل إلى:2.8%..
فبعد إنفاقنا الخيالي (أكثر من:800 مليار دولار خلال: 16 سنة من حكم بوتفليقة) نصل إلى هذه النّسبة الأقل من نسبة نموّ جيراننا في تونس والمغرب (فنُنْفِق مثلا:07 دولار لنَجْنِي:01 دولار، بينما جيراننا في المغرب ينفقون:01 دولار ليربحوا:03 دولار)..
هذه الحكومة هي عنوانُ الفشل، وهي الطرف الأساسي في الأزمة ولا يُعقل أن تكون طرفا في الحل، والأصل أنها تتحمّل مسؤولياتها السياسية بالاستقالة والرّحيل، وهي لا تزال تنام في العسل ببيع “وَهْم السّلم الاجتماعي”، لربح الوقت وخداع الجميع بأن الأزمة لم تصل إلى درجة “استفزاز صبر الشعب”، بتمديد عمر “الهدنة الهشّة” وتجنّب “الثورة الشعبية” منه، فبالرّغم من الرقم الخيالي للتحويلات الاجتماعية المقدّرة بـ: 18.4 مليار دولار أي بزيادة:7.5% (تساوي حوالي:66% من حجم الصّادرات) إلا أنها تفتقد للعدالة الاجتماعية وتحسين نمط المعيشة وتحقيق البُعد الاجتماعي الحقيقي للدولة، لأنها توجّه للجميع: الفقراء والأغنياء، وللجزائريين والأجانب، وهي تخدم المستوردين وتشجّع على “التهريب” للاختلاف الكبير بين سعر المواد المدعّمة في الجزائر وقيمتها الحقيقية عند جيراننا..
فيُقدّر الدّعم الخيالي لمنتجات الطّاقة (الوقود والغاز) لسنة: 2014م مثلا- وهي خسارة للدولة- ما قيمته:13.86 مليار دولار، تمثّل الفرق بين السّعر الحقيقي والسّعر المدعّم..
ومع هذه الخيبة الكبيرة للحكومة، فهي تتجرّأ – ولأول مرّة في تاريخ قانون المالية منذ القانون الإطار المتعلّق بقوانين المالية الصادر بتاريخ:07 جويلية 1984م- على مبدأ السنوية فيه، للتلاعب بالاعتمادات المالية خلال السنة كما تشاء، وهي التي لم تلجأ إليه حتى في عزّ أزمة التسعينات، وتقترح في المادة:71 (كاعتداءٍ صارخٍ على صلاحيات البرلمان ومجلس المحاسبة في مراقبة الحكومة):” يمكن اتخاذ مراسيم التّسوية خلال السّنة، بناءً على تقرير الوزير المكلّف بالمالية من أجل التّكفّل عن طريق تجميد أو إلغاء الإعتمادات الموجّهة لتغطية النّفقات..”.
ماذا بقي لحكومة “بوتفليقة” إلا الإعلان الصريح عن “الإفلاس” و”الحصيلة الكارثية” و “سقوط خطاب الانجازات” في الماء، ومنها: القضاء على المديونية الخارجية، وذلك بالعودة إليها عبر الاستدانة تحت غطاء التمويل الخارجي، وهو ما سيرهن “السيادة الوطنية” في زمن “ما بعد البترول”، ففي المادة: 59 تنصّ على أنّه: “يُرخّص باللّجوء للتمويلات الخارجية الضّرورية لإنجاز الاستثمارات الإستراتيجية ..”، وهي نوعٌ من “الاستدانة المغشوشة” بضمانات الدولة للمستثمرين الأجانب، وهو ما يرهن سيادتها في حالة فشل هذه المشاريع.
والمضحك المُبكي في عرض أسبابها أنّها تستند إلى “مشروع قانون الاستثمار” الذي لم يُصادق عليه بعد.
هذا القانون: هو الإعلان الرّسمي عن الإخفاق والفشل، وهو الأخطر في تاريخ قوانين المالية في الجزائر.
تعليقات الزوار ( 0 )