الرئيسية مقالات الانتقال الديمقراطي و فقه الخروج الى الناس (ج3)

الانتقال الديمقراطي و فقه الخروج الى الناس (ج3)

كتبه كتب في 7 يوليو 2015 - 9:38 م
مشاركة

يطمح الشعب الجزائري على رؤية نظام سياسي مستقر و متعاون و متحاور ؛ يتوافق و قيم المنظومة الانسانية و الاجتماعية و السياسية و يحظى من خلاله بالقبول الشعبي الذي هو بمثابة صمام الامان لبناء الديمقراطية .لكنه ظل النظام السياسي في الجزائر في رحلة بحث شاقة عن شرعية سياسية تبرر وجوده و مختلف ممارساته و سياساته في الداخل و الخارج . و أصبح يتسم بدرجة كبيرة من التعقيد من ناحية و حياته التي طال فيها الأمد من ناحية اخرى .

في حين تخطو تنسيقية الانتقال الديمقراطي في الجزائر خطوات ايجابية و متدرجة و متأنية من أجل تكثيف التجارب الفاعلة في صناعة المشهد الإعلامي و قيادة العمل السياسي؛ التي انتجت بفعل الحراك المستمر دروسا و عبرا حول طبيعة النظام السياسي و كشف كل ما هو مستور و إزاحة الغبار الذي تكاثف عبر التاريخ .  و ضروري جدا استيعاب كافة الجماعات السياسية و الاجتماعية في تبني عملية الانتقال الديمقراطي من أجل ضمان تأسيس قاعدة ديمقراطية ذات جذور مجتمعية عميقة و أصيلة.

نحاول مناقشة موضوع النظام السياسي من ناحية تفعيل دور ايجابي في احداث مرحلة الانتقال الديمقراطي وذلك من خلال تحديد مصطلح جديد و الأمل في تحقيقه  : النضج السياسي فهو محاولة استشراف مستقبل النظام السياسي من خلال فتح مجال الامل في انتباهه و خروجه من مربع الخداع واعتلائه قمة النضج السياسي الدافع الى التغيير المنشود و الاصلاح السياسي الشامل.

و مبتغاي الأساسي من خلال الحديث عن النظام السياسي مرتكز على مبدأ تربوي نابع من أصالتنا الدعوية  و هو رؤية مستقبل هاديء و زاهر تترسخ في ربوعه قيم الديمقراطية و حقوق الانسان و تعميم الاستقرار السياسي و النمو الاقتصادي و استعادة عافيته و مكانته بين الامم في اطار القيم الحضارية العربية الاسلامية .   و لسنا بصدد كسب ود النخبة الحاكمة و لا نحاول التقرب من موالاتهم .. بل ان نريد الا الاصلاح و النصح و التوجيه و استخراج الخير منهم و مخاطبة ضمائرهم الحية و مخاطبتهم و بكل ادب و احترام و منافستهم سياسيا بكل سلمية و اعتدال .

يذكر العالم الجليل أبو عبد الله بن الازرق في كتابه الجدير بالقراءة ” بدائع السلك في طبائع الملك “

“ان صلاح السلطان و فساده، صلاح الرعية و فسادها ففي الحديث يقول الرسول صلى الله عليه و سلم :” صنفان من أمتي إذا صلحا  صلح الناس : الأمراء و العلماء .” قال الْعلمَاء المداراة سنة والمداهنة مَعْصِيّة قَالَ ابْن قيم الجوزية وَالْفرق بَينهمَا أَن المدارى يتلطف بِصَاحِبِهِ حَتَّى يسْتَخْرج مِنْهُ الْحق أَو يردهُ إِلَيْهِ أَو عَن الْبَاطِل والمداهن يتلطف بِهِ ليقره على الْبَاطِل ويتركه على هَوَاهُ قَالَ فالمداراة لأهل الْإِيمَان والمداهنة لأهل النِّفَاق ”

  مصارحة النظام السياسي في الجزائر :

يقول الدكتور عبد الرزاق مقري رئيس الحركة :  ” لا يختلف نظام الحكم في الجزائر عن غيره من الأنظمة الحاكمة في العالم العربي من حيث نزعته التسلطية ورغبته في الاستمرار وخوفه من التفاعل الحر للمجتمع والأداء الديمقراطي للشأن السياسي مع ما يميز هذه الأنظمة كذلك من ضعف وتدهور في مجالات التنمية المختلفة رغم الإمكانيات الكبيرة المتاحة.غير أن النظام الجزائري يختلف عن باقي السلطات العربية من حيث نشأته وتشكيلته والتوازنات التي تحكمه ومن حيث أسلوبه والتطورات التي وقعت له.”

من خلال محاولات رصد عوائق الانتقال الديمقراطي في الجزائر وتحديد العثرات ، يتبين لنا بأن النظام السياسي

في الجزائر هو في الوقت الراهن ليس نظاما ديمقراطيا بالمعنى الكامل، أي أن الجزائر بوضعها العام سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، مازالت دون مستوى وصفها بالنظام الديمقراطي، كما أنها ليست نظاما استبداديا؛ النظام الجزائري يجمع بين خصائص الديمقراطية و الاستبدادية .. فالجزائر تتوفر على كثير من الخصائص التي يمكن ان تصبح أرضية صالحة لبناء مؤسسات سيادية و شعبية على أساس ديمقراطي ناجح يتيح المجال بالاقرار بالحقوق و التداول على السلطة و الفصل بين السلطات .

إن طموح الجزائريين الذي ترجمه بيان أول نوفمبر 1954والمتمثل في أقامة دولة ديمقراطية اجتماعية على أسس المبادئ الإسلامية لا زال قائما إلى يومنا هذا، وما زال الشعب ومختلف القوى السياسية الحية و العفيفة في المجتمع الجزائري يحاولان تجسيده على أرض الواقع. وإذا كان قد تحقق جزء من هذا المبتغى فإن الجزء الغالب مازال لم يتحقق: النمو الاقتصادي والتنمية الشاملة وإقامة العدل والمساواة وسيادة القانون، مازالت أهدافا بعيدة المنال.

ان التجربة الديمقراطية الجزائرية ما زالت جديرة بالدعم والصيانة والترقية المتواصلة ولم تبلغ بعد الغايات المرجوة. و هذا راجع الى المسيرة التاريخية المليئة بالعثرات و العوائق التي تتعدد ؛ و لا يكاد القائمون على هذه المهمة يستريحون من عناء اقامة الحواجز و متاعب العوائق الا بمزيد من التصميم على المواجهة و البحث عن الحلول . و من هذا المنطلق فان علاقة النظام السياسي بالديمقراطية قد شهد مدا و جزرا و  عرف محطات تميز أغلبها بالانكار و الاخفاق . و يمكننا الحكم ان الجزائر لم تبلغ بعد مرحلة وصفها بالدولة الديمقراطية بالرغم مما تزخر به مسيرتها التاريخية من إرث كبير في الفكر و الثقافة و الممارسة السياسية .و من خلال مقالنا نحاول معاينة الداء و و وصف الدواء المقترح سعيا نحو الطريق المؤدي الى التغيير نحو الأفضل كهدف مجتمعي عام.

النظام الجزائري و مرحلة النضج السياسي :

ان النمط القيادي المنتهج في بلادنا قديم و منتهي الصلاحية ، أثر بشكل كبير على الثقة بين الحاكم و المحكومين و أصبح من الضروري جدا احداث نقلة نوعية في ادارة الحكم و نظامه و تجاوز الماضي بكل ملحقاته السلبية .و اعتقد ان المرحلة الجديرة بالاهتمام و الانتباه و استيعابها بشكل واقعي واضح هي مرحلة النضج السياسي .  ان حث النظام السياسي الجزائري على النضج السياسي هو وليد قناعة راسخة ان السياسة تكون تابعة لفكر ديمقراطي يكون منتجا للإستقرار لا للتوتر، و للبناء لا الهدم ، و للصلاح و الاصلاح لا للفساد .

النضج السياسي هو الحديث الجاد و الصادق عن الازمات الحقيقية التي يعيشها الناس و البحث عن حلول لها؛ و ذلك بفتح النظام السياسي فضاءات للحوار و الاثراء العلمي الموضوعي من طرف الساسة و المثقفين و الاعلاميين و الاقتصاديين و أقطاب المجتمع المدني . و بفضل النضج السياسي يمكن ان تصل الجزائر الى مصاف الدول الديمقراطية .

النضج السياسي المأمول في النظام السياسي بالجزائر من خلال منطلقات تعامله مع الشعب و همومه و تطلعاته و اهتماماته و مختلف مؤسسات الدولة و الإدارة ؛ يتم بمقتضاه احترام مباديء الديموقراطية و ممارستها بصفة واضحة داخل مؤسسات الدولة النظامية و المنتخبة و بين اوساط المجتمع المدني، و و بالتالي اتاحة الفرص للجميع بدون تهميش و لا اقصاء من أجل تمكينهم في الوصول الى السلطة من خلال التنافس الحر و السلمي للحصول على أصوات الناخبين تحت رعاية لجنة مستقلة فكرا و ادارة .  و  عندما يستجيب ويتكيف النظام الجزائري مع المطالب الجديدة يكون قد وصل إلى مرحلة النضج ، فهو عملية معقدة ومستمرة تعبرعن الفترة الزمنية للانتقال من النظام السلطوي إلى النظام الديمقراطي تتم فيها حل أزمة الشرعية والمشاركة والهوية و التنمية .

نضج على مستوى التفكير و نمطية التسيير الذي يمس النظام في جميع جوانبه و آليات حكمه، الهياكل والمؤسسات ، فالنضج السياسي هو نتيجة تفعيل مختلف الأصناف السياسية،الاجتماعية،.الاقتصادية،الثقافية المرتبطة أساسا بعملية الانتقال الديمقراطي . عملية النضج عملية يعمل النظام السياسي القائم بموجبها على تطبيق حقيقي لمفهوم المواطنة على المؤسسات السياسية و التي تشمل حرية الانتخابات والمحاسبة السياسية.

 أهم مؤشرات النضج السياسي  :

النظام السياسي القائم في بلادنا إدا أراد أن يصل الى مرحلة النضج السياسي عليه أولا أن يسيطر على رغباته المؤثرة على حقوق الشعب ، و أن يحدد لنفسه مباديء جامعة تؤسس لمنظومة فكر ديموقراطي و نظام حكم راشد .

01-التعددية السياسية و الفكرية في الظام السياسي الواحد :

     تعدد الآراء السياسية أمر مشروع و ضروري جدا في مختلف مؤسسات الدولة الحاكمة مما يؤدي بالضرورة إلى وجود تنوع في القيم و الأفكار و المشاريع والممارسات، و ليس صراع مصالح و نفوذ و تبني السياسات العرجاء ،و التنافس من اجل المال،و التموقع السياسي من أجل التودد و التقرب الى الحاكم. إن التعددية السياسية و الفكرية في النظام السياسي الواحد ينتج منظومة أخلاقية تضبط الأفراد و رغباتهم و طموحاتهم و عثراتهم و شهواتهم .

02- العمل بمبدأي المشاركة السياسية والثقافية:

ان تحقيق مبدأ المواطنة بصفة فعلية و أكثر واقعية هو اتاحة فرص المشاركة السياسية و الثقافية في مختلف الأطر و المؤسسات التي تمثل الدولة و الشعب معا ؛ فالنظام الناضج سياسيا هو الذي يتقن عملية مشاركة الأفراد و الجمعيات و الاحزاب و مختلف أطياف المجتمع المدني في صناعة السياسات العامة و مناقشتها و تنفيذها . مما يؤسس نظاما ديمقراطيا يتسم حقيقة بالنضج السياسي . 

03- تعزيز الإعلام الحر والمسؤول:

تكتسي “المعلومات” اهمية بالغة في تشخيص الواقع السياسي و الاجتماعي و معرفة حيثياته و حدود السخط أو الرضى الشعبي فيه، و تساعد على اتخاد القرارات المصيرية؛  و هنا لابد من وجود إعلام حر يستشعر مسؤوليته امام الله و الشعب ولا تقوم القلة الحاكمة باحتكار مصادر المعلومات إذ أنه يخدم المصلحة العامة دون تحيز أوانتماء لجهة معينة.

 دور الأحزاب السياسية في تنمية النضج السياسي

بناء ثقافة سياسية ديمقراطية:

و لا يكون الا بانخراط المواطنين في العمل السياسي حيث يساهم في تنشئتهم تنشئة سليمة فكريا و ينتج دلك انتشار ثقافة احترام الرأي و الرأي المعارض فتصبح المشاركة في الانتخابات مشاركة حقيقية و فعالة .

 تفعيل دور المجتمع المدني:

و ذلك عن طريق افشاء النوادي الثقافية و الاجتماعية و الرياضية مما يضفي على الساحة السياسية ادوارا شعبية أكثر ايجابية و قوة الارادة الحرة ؛ فالمجتمع المدني له  من القدرة الكبيرة على توجيه الرأي العام .

النضج السياسي و أثره في ترشيد النظام السياسي :

  • واقع الصراعات و الولاءات في هيكل النظام السياسي

يجمع كثير من السياسيين و الإعلاميين و العارفين بخبايا النظام السياسي في الجزائري حسب اعتقادي يمر بمرحلة حرجة قد لا يدري عواقبها أو يتعمد المشي المتعثر . لقد طفت على السطح الاعلامي و السياسي مستجدات هي بمثابة ترتيبات” للرئيس القادم”  من خلال اجنحته المتصارعة على الحكم و الثروة و المال ،و أضحت شواهد بارزة على دلك  ؛ احداث و وقائع يشهدها الشارع و أروقة العدالة و الأحزاب السياسية الموالية سواء كانت صغيرة او كبيرة . و جدير بالدكر أن طبيعة النظام السياسي في الجزائر يتأثر بشكل كبير بجماعات الضغط وتتسم تصرفاته بالتسرع والارتجال في كثير من الاحيان و لا يفقه المآل و لا يملك البصيرة في تحديد الاولويات و الموازنات ، و هدا ما ظهر واضحاً في تجاهله للطبقة السياسية المعارضة و عدم احداث شراكة حقيقية من أجل دستور توافقي ، و اغفال دور الشعب في تحديد مسار السياسات العامة للبلاد و مشاركته في اتخاد القرارات السيادية . بالاضافة الى قضايا الهاء الرأي العام مثل الطريق السيار و الخليفة و سونطراك  و التشويش على أولويات اهتمامه الكبرى، و  ويدلل على ذلك بحالة غير آمنة و غير مستقرة يعيشها النظام السياسي في الجزائر .      اذن عليه ان يسعى النظام الى تحقيق مساواة ببعديها الاجتماعي و السياسي ؛ بمعنى ان يرسي في المجتمع قواعد و نظم قانونية تتسم بالعمومية على جميع الأفراد فمثلا تولية المناصب الوزارية التي نشهدها كل مرة في الحكومة الجزائرية ، يجب ان ان تكون مبنية على أساس الكفاية العلمية و المهنية و ليس على أساس الولاء و الجهوية .

مادا تعني شرعية أي نظام سياسي ؟

الشرعية .. هي استشعار القبول الشعبي بصفة واقعية عن النظام الحاكم؛ فكل انظمة الحكم في العالم تعتمد على أساسين من أجل ارساء الرضا العام :  القوة أو التوافق .

و تختلف نسب الاعتماد على أي منهما من دولة الى اخرى، فالدولة الديمقراطية تعتمد على فتح أبواب التوافق الشعبي و السياسي أكثر من استخدام القوة لتحقيق الاهداف المرجوة . و الشرعية صمام امان الدول و الشعوب و قبول الجماهير للنظام السياسي هو تحقيق فعلي للإستقرار السياسي و تأكيد لمدى فعالية أدائه .

و هناك من المؤشرات ما يدعو إلى التفاؤل، حيث تزايد الوعي لدى المجتمع الجزائري بضرورة فتح مجال الحريات و اتاحة فرص المشاركة الديمقراطية، وهذا بعد أن ترسخت قناعات لدى المجتمع الجزائري بأنه لا بديل ولا أفضل من النظام الديمقراطي، كما ظهرت بوادر إيجابية أخرى مساعدة على ترسيخ الديمقراطية في الجزائر و هي الحراك السياسي الايجابي الكبير الدي تؤديه تنسيقية الانتقال الديمقراطي و اجتماع مختلف الأطياف الفكرية و رجالات الدولة السابقين و أهل الفكر و الثقافة و الاعلام حولها. حيث يجتمعون على نفس المباديء و الاهداف و إطلاق المبادرات الشعبية و إثراء المشاريع الفكرية و الحياة السياسية .

و سيكون لنضالهم المستمر و الدؤوب دورا فعالا في دفع الديمقراطية الجزائرية نحو التجذر،كما سيساهم في ايصال النظام السياسي الى مرحلة النضج السياسي و الحكم الراشد من خلال تكريس مباديء التراضي بين الطبقة السياسية و النظام و ارساء قاعدة التوافق من اجل الجزائر .

الحكم الراشد :

هو الحكم الذي تقوم به قيادات سياسية منتخبة، وإطارات إدارية ملتزمة بتطوير أفرا د المجتمع برضاهم وعبر مشاركتهم في مختلف القنوات السياسية للمساهمة في تحسين نوعية حياتهم ورفاهيتهم.  لذلك فإن الحكم الراشد هو الذي يتضمن حكما ديمقراطيا فعالا ويستند إلى المشاركة والمحاسبة والشفافية و المساءلة كأهم مرتكزات النظام الحاكم .                                

وبالتالي فتحقيق التنمية الشاملة والمتوازنة في الجزائر وتجسيدها على أرض الواقع يمر أولا عبر تغيير ذهنية النخبة الحاكمة وتحسين أدائها السياسي ، ثم مدى قناعتهم بآليات الحكم الراشد ثانيا. فالحكم الراشد هو احترام مجموعة من الضوابط القانونية و المعايير الكفيلة بتهيئة اجواء الحريات و تربة خصبة لممارسة الحقوق و اداء الواجبات .

الضوابط المنهجية في فقه الخروج الى الناس

يقتضي الخروج الى المجتمع بكل أصنافه و أطيافه ضوابط تسيره و تنظمه و تحافظ على مصداقيته و رجاحة أفكاره؛ و هي بمثابة ركائز هامة في تحقيق وثبة سليمة و سلمية في مشروع الانتقال الديمقراطي . و قد أفادنا الدكتور حمدي شعيب بـ : 15 ركيزة  .

ذكرنا في الجزء السابق    : الركيزة الاولى : تحديد القضية المرحلية الواحدة     الركيزة الثانية : إشعال روح التحدي  

و نتابع الآن   :

الركيزة  الثالثة : تفعيل الحركة الحواريية مع الآخر .

و ذلك بتبني مبدأ حق الآخر في التعبير عن رأيه في الحوار؛ و هذا من شأنه ان يمنع الاتجاهات الاستقصائية لرأي الآخر داخل كل التيارات .  و هو ما يسمى بتفعيل او من باب تنشيط حركة التدافع الفكري .

فلابد من حرية الرأي و حرية الحوار و ذلك لان العملية الانتقائية للأفكار تمر عبر حرية الرأي و الحوار، في مرحلة هي أشبه ما تكون بعملية الصراع السلمي للآراء و الأفكار، او هي ببساطة ما نسميها بحركة التدافع الفكري الآرائي و هذه صورة من صور حركة التدافع الحضاري الشاملة، التي جعلها الحق سبحانه من السنن الالهية التي تفرز الأصوب و الابقى و الأصلح في كل شيء؛ سواء أفكارا أو أراءا أو أفرادا أو امما، فاذا توقفت تلك العملية التدافعية الحضارية المختلفة الصور لكان الفساد ، و هذا من فضله سبحانه من أجل ديمومة و استرمارية العملية الاستخلافية الإعمارية في الأرض : “و ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض و لكن الله ذو فضل على العالمين ” –البقرة:251.

و تدبر كيف ان القرىن الكريم قد أشار في غير موضع الى هذه القضية، في الحوارات الكثيرة التي تمنتها آياته الكريمة و حق الآخر في المناقشة و التعبير عن رأيه و يكفينا في هذا المقاممجرد الاشارات السريعة الى بعض منابر الحوار .

فتدبر حوار ابليس اللعين مع الحق سبحانه سورة الحجر  :الآيات من 32 الى غاية 44

سورة ص : الىيات من 75 الى غاية 85 .

ثم حوار موسى –عليه السلام- مع السامري  : سورة طه : الآيات من 95 الى غاية 98

حوار الهدهد مع سليمان –عليه السلام-  : سورة النمل . الىيات من 20 الى غاية 28 .

حوار أصحاب النار مع أصحاب الجنة : سورة الأعراف الآيات من 44 الى غاية 51 .

و تدبر قصة الحوار التي جرى بين النبي محمد صلى الله عليه و سلم و عتبة بن ربيعة فقال : ياابن اخي غنك منا حيث علمت من السلطة في العشيرة و المكانة في النسب و انك اتيت قومك بامر عظيم فرقت به جماعتهم و سفهت به احلامهم و عبت به آلهتهم و دينهم و كفرت به من مضى من آباءهم فاسمع مني أعرض عليك امورا ننظر فيها لعلك تقبل منها بعضها . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ” قل يا أبا الوليد أسمع ”

لقد قبل الرسول دعوة الحوار من باب ان وجود جسور في العلاقات من شانها ان تثمر الحركة الحوارية بين التيارات .

لان حرية الرأي يعتبر الركيزة التي تنشط حركة تمحيص الافكار و تنقيتها فتمر في عملية انتقائية تفرز أصوب و اصلح و اشمل الآراء و أكثرها واقعية و قبولا من رجل الشارع العادي .  و قد اتخذ النبي الكريم صلى الله عليه و سلم شعارا له ك ” أشيروا علي أيها الناس ” و حرية الرأي او حرية الحوار انما تدل على صحة المناخ الاجتماعي السائد و هو الدعامة التي تصنع الاحرار و تعمل على تفعيل و تنشيط عوامل الوحدة الفكرية عند الامة .

 

خاتمة ..

ان توصيف الحياة السياسية في الجزائر المستقلة أمر معقد للغاية بسبب تداخل عوامل تفعيلها من جهة و حداثة تجربتها من جهة اخرى . حيث أفرزت اشكالية كبرى تطرح نفسها هي تعدد المداخل الاستراتيجية الكبرى لتعزيز الجهود المبذولة لانجاح عملية الانتقال الديمقراطي .             اليوم حاولنا القاء بعض الضوء الكاشف عن النظام السياسي و امل الوصول الى مرحلة هامة من حياته و هي النضج السياسي و ممارسة الحكم بصفة أكثر رشد و مصداقية و ليس آليات اجتهادية اعتباطية عشوائية تحكمها الاهواء .

و هناك ملاحظة هامة جديرة بان ينتبه اليها النظام السياسي في الجزائر و هي تزايد الطلب الشعبي و الحزبي على المشاركة الفعلية في  الحكم و التسيير و اتخاد القرارات الكبرى .. خيار لا بديل له ، كما لوحظ ايضا تفاقم درجة الوعي بضرورة تهيئة أرضية صالحة و ملائمة للمنافسة الديمقراطية الحرة . فهناك شواهد واقعية تشير الى التفاف المجتمع المدني و السياسي على جملة من المطالب الرئيسة و هي  كرامة الانسان و صيانة حقوقه و حرياته الأساسية و قبول تعدد الاتجاهات السياسية .

يعيش النظام السياسي في الجزائر استمرار تململ مسالة الشرعية و تعثر مسار الديمقراطية و تضييق الخناق على العمل السيـــــــاسي و النقابـــي و الثقافي و اقطاب المجتمع المدني فمستقبل الديمقراطية في الجزائر مرهون و مرتبط  أساسا بالتقاء ” السلطة الفعلية” في النظام السياسي الجزائري مع أقطاب المعارضة الحقيقية في البلاد و التوافق على برنامج الاصلاح السياسي الشامل .

أختم بقول رائع :

” فالابحار في مياه الازمة لا يحتاج الى المتشائمين الذين يشتكون من ريحها و لا الى المتفائلين الذين ينتظرون تغييرها بل الى العمليين الذين يضبطون أشرعتها ثم يتوكلون .”

أعتذر عن تأخري الطويل في كتابة الجزء الثالث من المقال … بسبب وفاة والدي الكريم ، راجيا منكم ان تدعوا له بالمغفرة و الرحمة و أن يحشره في جنات نعيمه و رضوانه و رحماته .

بقلم فتحي أبو اياد

 

تعليق

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً