يدّعي مصمّموا “الجيل الثاني” من الإصلاحات التربوية بأن مناهج “الجيل الأول” وُضعت في غياب: القانون التوجيهي للتربية الوطنية المؤرّخ في: 23 جانفي 2008م، والمرجعية العامة للمناهج المعدّلة، والدليل المنهجي لإعداد المناهج المكيّفة وفق القانون التوجيهي الصّادر في مارس 2009م؟؟..وهذا الكلام صحيح، فقد تمّ إلغاء المرسوم الرئاسي الذي أصدره الرئيس الراحل “هواري بومدين” عليه رحمة الله سنة: 1976م بنشرية وزارية للأمين العام للوزارة سنة: 2003م، وهي مخالفة قانونية مفضوحة، وبقيت الوزارة بدون قانون إلى غاية: 2008م؟؟.
ونتيجةً لغياب هذا الإطار المرجعي فقد وقعت اختلالات منها: أنّها وُضعت حيّز التنفيذ بطريقة مستعجلة، وأنّها لم تأتِ بالتغيير البيداغوجي المنتظر من تبنّي المقاربة بالكفاءات، وأنّه هناك نقصٌ في التنسيق بين الأطوار والمراحل..؟؟.
وسنرى بأن هذه الإصلاحات تتعارض مع القاعدة القانونية للقانون التوجيهي الذي تُؤسَّس عليه المدرسة الجزائرية وفق الثوابت والهوية الوطنية..فلم تشهد وزارة التربية الوطنية حالةً منالاغتراب والغموض والشّبهة والتلوينالإيديولوجي بمثل ما تشهده الآن، وبالرغم من خطورة المساس بالمنظومة التربية،باعتبارها قضيةُ شعبٍ ورأيٍّ عام، إلا أننا نلمس “اختطاف” هذه الإصلاحات، بعيدا عن الشفافية والديمقراطية ورأي الأغلبية، وبدون إشراك الأسرة التربوية وممثلي الشّعب وباقي مؤسسات الدولة..
ومن خلال الإنزال الحصري الفرنسي على المنظومة التربوية وغيرها، يتأكّد لدينا بأنه قد تمّ انتهاك السيادة الوطنية، ورهن القرار الوطني، وإلحاق المنظومة التربوية بالقيم التغريبيةوبالنكهة الفرنسية الخالصة، وهو ما يعني التراجع عن الإستقلال الوطني والانقلاب على بيان أول نوفمبر، عندما تأخذ فرنسا الحصة الأوفر في التعاون والشراكة في مجال التربية والتعليم..
إنّ الوزيرة وطاقمَها التغريبي يعطي لنفسه الحقّ في الحكم على المنظومة التربوية بأنها منكوبة، وأنّ إصلاحات الجيل الأول قد فشلت، لتعطي لنفسها الحقّ بالانقلاب على كلّ شيء، دون تحديد الجهة المسؤولة عن ذلك، ودون المحاسبة أو تحمّل المسؤولية في ذلك؟؟فلماذا لا يُفتح تحقيقٌ علمي موضوعي ومحايد لمعرفة الحقيقة، حتى لا تتحوّل الأجيال كالفئران إلى “حقلٍ للتجارب”.
فهناك تهديد للأمن القومي والاستقرار الاجتماعي بمثل هذه التوجّهات المريبة لهذه الوزيرة ومَن يقف وراءها، من خلال هذا العبث المستمر بالمنظومة التربوية، والمساس بالقيم الوطنية، وتهديد الثوابت وأبعاد الهوية، من خلال المساس بالمواد المتعلّقة بذلك مثل: اللغة العربية والتاريخ والتربية الإسلامية ومحاولة فرض فرنسة التعليم، ارتباطا وارتهانا لفرنسا والفرنسية كمنظومةٍ ثقافية وقيمية صادمة لعمق البُعد الإسلامي العربي الأمازيغي للشعب الجزائري..ولابد من الوقوف مع الأصول والجذور التاريخية لهذه الوزيرة، ومن حقّنا الآن “عدم الثقة” فيها، وهي التي حوّلت “نظرية المؤامرة” إلى حقيقةٍ ماثلةٍ أمامنا، وإلاّ بماذا نفسّر هذا التدخل الفرنسي في مناهجنا؟ وهذه الإهانة لكفاءاتنا والإقصاءلخبراتنا الجزائرية؟ ولماذا هذا الغموض والتكتّم بعيدا عن الشفافية والنقاش العلمي العلني لهذه الإصلاحات؟ ولماذا تتمّ هذه الخطوات المتسارعة برعايةٍ ونفوذٍ وتبعيّة فرنسية مطلقة؟ ولماذا هذه العناية الخاصّة والتمكين القسري للفرنسية على حساب اللغة العربية والأمازيغية؟ ولماذا هذا الإصرار على الفرنسة وبمضمونٍ ثقافي صادم للقيم الأصلية، التي يُراد لها أن تكون نسبية وعائمة فيما يسمّى بالقيم العالمية؟؟.
كما يجب على هذه الإصلاحات أن تكون منسجمة مع الدستور، ومع القانون التوجيهي لسنة: 2008م المصادق عليه من طرف البرلمان، والذي يحدّد القواعد القانونية التي تُؤسّس عليها المدرسة الجزائرية، وهي التي يجب أن تراعي: الثوابت، الانتماء الحضاري، الوحدة الوطنية، القيم الوطنية، رموز الجزائر..
وهو الذي يُفترض أن يضع حدًّا للإصلاحات الإيديولوجية والظرفية، ويكون المرجع عند الاختلاف، بعيدا عن الألغام التي تمسّ بالضمير الجمعي والنّسق الثقافي والشعور الديني والخصوصية الوطنية للشعب الجزائري.. لابد أن تكون هناك “هيئة، وطنية، عليا، سيادية، مستقلّة، وبصلاحيات حقيقية”، مثل: المجلس الأعلى للتربية، وهي أعلى من وزارة التربية الوطنية، هي المسؤولة عن وضع المناهج والبرامج والإصلاحات برؤية استراتيجية وبتوجّه دولة، وما الوزارة إلا منفّذ لها،بعيدا عن هذا الاختطاف الإيديولوجي للإصلاحات، وتلوينها بتوجّهات تغريبية لا تحقّق الإصلاحات الحقيقية، وتُوقِعنا في الحلقة المفرغة والمحاولات العبثية لسلخ الأجيال عن هويتهم وانتمائهم الحضاري..
إنّ هذا المخطّط المشبوه لهذه الوزيرة بفكرها التغريبي وتوجّهها الفرنكوفوني، تشكّل خطرا حقيقيا على المنظومة التربوية وعلى الشعب الجزائري، وهي تستغل هذا الفراغ السياسي والمؤسساتي للتمدّد في ذلك، وتريد فرض إصلاحات مشروخة بعيدا عن الخبراء وأهل الاختصاص الموثوق بهم..ولذلك نقول: إن كان “رئيس الجمهورية” يعلم بذلك فهذه مصيبة، وإن كان لا يعلم فالمصيبةٌ أعظم، ونحمّله المسؤولية التاريخية الكاملة على كلّ ما تقوم به هذه الوزيرة..
كما نحذّر من هذه التوجّهات الخطيرة، والتي تُدخِل الجميع في معارك الهويّة ومعارك التّلهية، وهو ما يهدّد الأمن والاستقرار، في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى التوافق والانسجام، وليس إلى الصراعات والتوترات..
وإذا مُرّرت هذه الإصلاحات القسرية بعيدا عن النقاش العلمي المؤسّسي، ومن ذوي الاختصاص والخبرة الوطنية، فإننا ندعو الجميع إلى “هبّة وطنية” لمقاومة هذه “الإفسادات”، وإلى الإعلان عن مقاطعة هذه الإصلاحات، والإضراب العام عليها في الدخول المدرسي القادم..
تعليقات الزوار ( 0 )