شهر رمضان يا أكرم الشهور، شهر المؤمنين، شهر التوابين، شهر الأوابين، شهر المصلحين، شهر المجاهدين، شهر الأولياء لله ورسوله، شهر الأوفياء لأمة المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، شهر الكرماء وأصحاب القلوب المرهفة البكائيين الأواهين.
يسأل المؤمن نفسه تارة كيف كان يكون الحال لو لم يكن رمضان، كيف كان يكون الحال والإنسان نسّاء تأخذه مصاعب الدنيا، ووتيرة السعي فيها، تلهيه ضغوط الكد وتسارع الأحداث فلا يذكر ربه كما ينبغي لجلال وجهه، فيفتر عن العبادة ويشعر بجفوة تلف قلبه فيضيق صدره ويحاول أن يعود لرحاب المحراب فيثقل الأمر عليه. فإذا برمضان يقبل فكل شيء يتغير، تُبسط الرحمة والبركة في كل شيء، فيصبح الإقبال على الله سهلا سلسا حلوا ممتعا، تتوالى أيام وليالي الشهر فلا تنقضي إلا وقد أصبح المؤمن مؤمنا حقا، قد آب إلى ربه وعاد إلى محرابه، يَذهب للناس يعيل فقيرهم ويعين المسكين، يفرحبالمحتاج إذ يصبح في عينه سبيله إلى ربه، ، قد جمّل نفسه بقراءة القرآن، وخاطب بالدعاء مولاه الواحد الديان، يسأله حاجته ويشكو له ضعفه، يستعينه على مشاق الدنيا ويتقوى به على ثقل الواجبات، يستنصر للحق ويتقوى بالضراعة على كل ظالم خوّان، قد حمل نفسه على الصفح والغفران يسأل الله لعله يجمع شمل المتخاصمين من المؤمنين، لعله سبحانه يُكبِت كل شيطان نزع بين قلبين، لعله سبحانه يوحد كلمة أهل القبلة والدين، في كل بيت، وفي كل حي، وفي كل بلدة، وفي هذا الوطن وفي سائر أوطان المسلمين، فلا حقد ولا غل بين الناس بل إخوان في هذه الدنيا على الخير متعاونين، وإخوان يوم القيامة على سرر متقابلين.
قد يظن الظان أن أوبة المؤمن في رمضان هي تبتل في المحراب ثم لا شيء، ألا فليعلم من لم تخالط قلبه بشاشة الإيمان، أن الإيمان حين يصدق ينشئ في القلب همّة، وأن في تدبر القرآن مساءلة للمرء عن حاله وعن واجبه في هذه الدنيا، تجاه نفسه ودينه ووطنه وعن هذه الأمة. فمِن أعظم ما يعبد به المؤمن ربه في رمضان التفكر، التفكر في النفس، التفكر في الكون، في المحيط، في أوضاع الأهل، أوضاع الأوطان، أوضاع المؤمنين، أوضاع المحاربين للإسلام والمسلمين. إنه لا يجد المرء صفاء للروح، بعيدا عن جذب الهوى وأكدار الخلطاء وتجبر النفس الأمارة، كذلك الصفاء الذي يجده في رمضان ليحدد بدقة المسافة الحقيقية بين الواجب المطلوب منه وما يؤديه له. فلو انتبه في رمضان وعزم على تغيير ما في نفسه وخطا الخطوات الأولى لأمكنه أن يساهم بنجاح في تغيير وإصلاح ما حوله بقدر مستوى استفاقته وبقدر مستوى صدقه وبقدر مستوى عمله، فلعها تكون أعمال عظيمة تبدأ بالنفس قد يُكتب لها أنتكون صورة من غزوات كانت في رمضان.. أو حوله .. فغيرت الدنيا.
هو هكذا رمضان بالنسبة للمؤمنين التوابين الأوابين المجاهدين الأولياء الأوفياء، يصنعهم من جديد فيعيشون على ما اكتنزوه فيه شهورا طويلة بعده، فإذا غلبهم الفتور بعد الشرّة يعود إليهم في عام جديد فيصنعهم مرة أخرى بفضله سبحانه ومنه.
اللهم لك الحمد على أن أحييتنا فأدركنا الشهر بفضلك، اللهم أعنا على صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا، واجعله لنا في كل عام زادا على الطريق، حتى نلقاك وأنت راض عنا …. يا حنان يا منان …. يا واسع الفضل يا مجزل العطاء.
تعليقات الزوار ( 0 )