خاطرة رمضانية 4: عَشر الاستدراك.

كتبه كتب في 8 يوليو 2015 - 7:48 م
 اخترنا أن نبدأ عملنا في كل لقاء من لقاءات المكتب التنفيذي الوطني الوطني منذ المؤتمر الخامس بموعظة في بضع دقائق يقدمها في كل مرة فرد من أفراد المكتب، وحضر معنا لقاء هذا الأسبوع أخونا علي دواجي نائب رئيس مجلس الشورى للمشاركة في الإعداد للدورة العادية المقبلة لمجلس الشورى الوطني فطلبنا منه أن يتفضل علينا بموعظة، فذكّرته المناسبة بخطبة ألقاها الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله بمقر الحركة في يوم جمعة صادف دخول العشر الأواخر من شهر رمضان، وكان عنوان الجمعة وموضوعها هو الاستدراك، استدراك المؤمنين ما ضاع منهم من أيام وليالي شهر رمضان بل ما ضاع منهم في سنة كاملة. أشعرني أخي علي رغم الكلمات القليلة التي ذكرها في الموضوع بمسؤولية كبيرة حيال ما تبقى لنا من هذا الشهر الجليل، ومهما كان اجتهاد أو تقصير المؤمن في الأيام والليالي العشرين الخالية، فإن أجواء العشر الأواخر وفرصها وسوانحها تستدعي كل ذي لب للتأمل في سبل الاجتهاد أكثر كما استدعت الشيخ محفوظ نحناح ليدعو نفسه وأهله وأولاده وأصحابه وكل من يحب لهم النجاة والخلاص والخير والفلاح ليشمروا جميعا، ذلك أن شهر رمضان كله فرصة (( لعلكم تتقون))، وأن بقاء ثلثه فحسب مدعاة للخوف من ضياع الفرصة، وأن هذه الفرصة قد تكون هي آخر فرصة في الحياة، كما أن بقاء ثلث الشهر هو الدائرة الأخيرة للسباق، وهي دائرة السرعة الفائقة لمن أراد أن يأتي في الأول، ولذلك جعل الله لها محفزات عظيمة لا يغيب فضلها إلا على محروم أو مفتون. عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله متفق عليه. وفي رواية مسلم: (كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره)، كما أن العشر الأواخر هي الليالي التي تكون منها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، أي خير من ثلاث وثمانون سنةوأربعة أشهر، ومن قامها إيمانا بالله قاصدا وجهه مصدّقا بما ترتب عليها من الثواب محتسبا الأجر منه سبحانه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وخرج منها كيوم ولدته أمه نقيا من الذنوب طاهرا من الخطايا كما وعد بذلك المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة: (( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)، والدليل أن الاجتهاد في هذا الشهر مطلوب من الله أكثر في هذه الليالي أنه جعل ليلة القدر متنقلة بينها في كل سنة لا يعرفها أحد، بل المندوب تحرّيها كل ليلة لمن أراد أن لا يترك أي مجال لضياعها، وفقا لقول النبي  صلى الله عليه وسلم (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان) متفق عليه. ومن ضعف عن ذلك تربص لها في أوتارها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) رواه البخاري. ومن لم يقدر تحفز لها مشمّرا في السبع الأواخر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي) رواه مسلم. ومن صرفته الصوارف فليجرب حظه في السبع والعشرين لحديث أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: (والله إني لأعلم أي ليلة هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة سبع وعشرين) رواه مسلم. ويبقى فضل الله قبل ذلك وبعده هو الأصل وهو المبتدأ والخبر، إذ قد يأتي الله بمؤمن مشغول بجهاد في سبيل الله دون انتهاء، عمره عامر بالطاعة بلا توقف، وقته كله لله بغير كلل، قد لا يعرفه أحد ولكن الله يعرفه،  لم يكن في ذهنه قيام ليلة القدر فيأتي به مولاه حبا له ودنوا منه ورضا عنه يوفّقه لركيعات صادقات في وقت تنَزُّل الملائكة،  ودعوات بتضرع  في وقت الإجابة، يسأل الله القبول، لا يهمه فيما يقوم به سوى أن يقبل الله منه، ثم يغلبه النعاس لكثرة عمله في دروب الخير وأصناف البر فتقابل تلك الركعات ليلة القدر فيدركها، والناس وراءها يلهثون ولا يُوفَقون. ولكن أين نحن من ذلك؟ نحن الضعفاء الغلابة المساكين الذين جُعلت لهم التحفيزات ليستدركوا كما دعا لذلك الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله. وأعظم الاستدراك أن نستحضر التوبة من الذنوب والتقصير لأن التائبين بصدق أولئك الذين يوفقهم الله للأفضال العظيمة كفضل ليلة القدر، فمن كان مقصرا في حق الله فليتب، ومن كان مقصرا في حق والديه فليتب، ومن كان مقصرا في حق أهله فليتب، ومن كان مقصرا في حقوق الناس فليتب، ومن كان مقصرا في حق دينه ودعوته وأمته وعهوده ومواثيقه فليتب، ومن كان مقصرا في واجباته وأماناته فليتب، ومن كان مقصرا في حق بلده فليتب، ومن كان مخادعا لله ولرسوله والمؤمنين فليتب، ومن كان جافيا لله منصرفا عن ذكره فليتب، ومن كان مؤثرا للدنيا على الآخرة فليتب، فمن تاب في هذه العشر الأواخر حلت العبادة في قلبه، ورأى الجنة رأي العين وهو في الدنيا. ومن أراد أن يعرف أن هذا الذي نقوله حق وواقع وليس أساطير وأحاجي فليجرب ثم يرجع لنا الخبر، أو فليخالط المؤمنين الصادقين البسطاء، وليتأمل إقبال الناس على الطاعة في هذه الليالي المباركة، فلينظر إلى أولئك الشباب والكهول والعجائز المشمرين والمشمرات الذين يعمرون بيوت الله قياما وسجودا وتلاوة وبكاء وتضرعا في أنحاء البلد وفي كل أنحاء المعمورة، وأما أولئك الذين فضلوا الأفضل فاقتحموا محاريب بيوتهم وأحيوا لياليهم بينهم وبين الله حتى مطلع الفجر، اللهم وحده أعلم بفضلهم، نسأله سبحانه  أن يمنحنا من فضل هؤلاء وهؤلاء نصيبا، والمهم في كل هذا وذاك أن نُرحم وأن يغفر لنا وأن تعتق رقابنا ورقاب آبائنا وامهاتنا وأساتذتنا وشيوخنا ومن له فضل علينا من النار.. اللهم آمين، اللهم آمين.

تعليق

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً