الرئيسية مقالات الدكتور عبد الرزاق مقري أويحيى وبرنامج الحكومة (8): عن المنظومة التربوية والحرب على الهوية

أويحيى وبرنامج الحكومة (8): عن المنظومة التربوية والحرب على الهوية

كتبه كتب في 4 أكتوبر 2017 - 5:22 ص
مشاركة

تُحدث وزيرة التربية بن غبريط، لغطا كبيرا في الساحة الجزائرية، لا نرى لها أي أثر في تطوير المنظومة التربوية من الناحية العلمية والبيداغوجية والعناية بالمربي، وبدل ذلك اشتهرت كثيراباستفزاز مشاعر الجزائريين في هويتهم، وبالرغم من أنها تحولت إلى ظاهرة للاستفزاز والتسبب في التوترات المجتمعية لم تحرك الدولة ساكنا لوقفها أو إقالتها، بل ثمة إرادة عليا لإبقائها في منصبها ودعمها في ما تقوم به. ولو أخضعنا حالة الصراع بين بن غبريط وجزء كبير من المجتمع للدراسة الاجتماعية لعلمنا أن سبب ذلك هو شعور عدد كبير من الجزائريين بأن بن غبريط تعمل على زعزعة المشترك بينهم، وهو هويتهم العربية الإسلامية. إن سكوت الدولة على ما تقوم بع بن غبريط مخالف كلية لبرنامج أويحيى الذي يعد في قسمه الثالث بتعزيز التنمية البشرية وتوسيعها، ومخالف تماما لفكرة العقد الاجتماعي الذي تحدثنا عنه في المقال السابق والذي يجب على الدولة حفظه وصونه. إن حملات بن غبريط على المنظومة التربوية تخضع لخطة مدروسة تحاول تطبيقها بالتدرج ببالونات الاختبار تارة وبالصدمة تارة أخرى. إن عبارة أويحيى في رده على الضجة التي حدثت على إثر نزع البسملة من الكتاب المدرسي بأن ذلك كان مجرد خطأ مطبعي أسلوب متبع لترويض الجمهور، وهو نفس الأسلوب الذي استعمله من قبله سلال لحماية الويرة، والذي استعملته هي نفسها وهي تتراجع خطوة إلى الوراء تحت تأثير ردة الفعل المجتمعي في قضية استبدال كلمة فلسطين بكلمة إسرائيل في كتاب الجغرافيا، وقضية اللغة العامية وغير ذلك. إن بن غبريط هي في حقيقة الأمر مجرد أداة لمشروع أكبر منها هي ولكنها جزء مهم منه، قد تكون بن غبريط هي الأكثر حرصا واستماتة في تطبيق الجزء المتعلق بها من البرنامج، ولكن ثمة آخرون على مستوى الوزراء والإداريين ينفذون نفس الخطة، بعضهم بعلم وقناعة كالوزيرة، وبعضهم بعلم وبلا قناعة وإنما يدفعهم إلى ذلك طموحهم الشخصي وضعفهم أمام نزواتهم وأهوائهم ومطامعهم، وبعضهم سذج لا يعلمون شيئا ولكنهم يطبقون بكفاءة واجتهاد. ولو نسأل بعض المسؤولين عن خلفيات بعض القرارات الأخيرة وجدواها، سواء في قطاع التربية أو الأسرة، أو الشؤون الدينية، لما فصُحت ألسنتهم مهما حاولوا التبرير للخروج من الحرج الشخصي، كقضية خفض صوت الآذان أو غيرها.

إننا لو تفحصنا تطور قرارات الشؤون الدينية مثلا منذ التسعينيات لظهر لنا بأن البداية كانت تتعلق بملاحقة الأئمة الذين انتموا للجبهة الإسلامية للإنقاذ، ثم أصبح الخطباء المستهدفون هم كل من يتطرق للشأن السياسي ناقدا السلطة الحاكمة، ثم أصبحت المطاردة لكل من يُشتمُّ فيه الانتماء لحركة مجتمع السلم ولو بقي عشرين سنة في المنبر لا يتطرق إلى أي حديث يغضب الحاكم، ووصولا إلى هذه المرحلة أصبح المستهدف المنهج وليس الشخص، حتى اضطر كثير من الأئمة الذين انتموا للحركة أو أحبوها أو حُسبوا عليها رغما عنهم، يضعون لأنفسهم المحددات ويفرضون رقابة ذاتية على خطابهم المسجدي، حتى بالغ البعض ودخلوا في دائرة العقدة من الحركة وبعضهم التزلف للحاكم، وحدثت لي في هذا الإطار حادثة غريبة حيث زارني ذات يوم أحد الفضلاء في مقر الحركة كان بصحبته إمام من أفرادنا رفض الدخول معه لكي لا يحسب علينا. رغم انزعاجي من تصرفه لم أؤاخذه والتمست له العذر، ولكنني أصبحت لا أطيقه بعد ذلك حينما صليت عنده الجمعة ذات مرة دون أن يدري، وكان في المسجد عبد العزيز بلخادم وهو أمين عام لجبهة التحرير عندئذ، فعلم بوجوده صاحبنا الإمام فأخذ يبالغ في مدحه بما يتقزز له القلب ! ولو التزم حياد المسجد بيننا وبين جبهة التحرير لبقينا نلتمس له العذر. بل إن ثمة أحزاب وشخصيات إسلامية أصبح لها الاستعداد للانخراط في الدفاع عن مشاريع السلطة حين تُدخِلها هذه الأخيرة في قضايا خلافية في الشريعة الإسلامية كمسألة الولي في عقد الزواج وطرائق علاج أحداث العنف ضد المرأة وزوايا التشريع في مسألة الخلع دون الإدراك بأن تلك التشريعات مرحلة فقط للوصول إلى مراجعة المعلوم من الدين بالضرورة كمسألة قوانين الإرث وأركان الزواج. ولو طرح الغافلون عن هذه المخططات على أنفسهم السؤال لماذا حُرمت حركة مجتمع السلم من إدارة أي وزارة من وزارات التنمية البشرية التي لها علاقة بالهوية لانتبهوا للأمر ، ولتذكروا بأن هذه الوزارات تُسَلّم فقط للمعروفين بانتماءاتهم للعلمانية المعادية للحركة الإسلامية، كابن غبريط وخليدة مسعودي، أو الشخصيات من صنف “اللافقريات” التي تتشكل حسب القالب والتي لا تبالي بتنفيذ ما تؤمر به للمحافظة على المنصب، أو ربما تجتهد دون أن يُطلب منها لإظهار الولاء والتبعية لمشاريع محاربة لما كانوا أنفسهم يسمونه ثوابت.

يجب أن نفهم ما الذي يحدث ولماذا أصبحت كتب عبد الرحمن شيبان هي التي كونت الإرهابيين بالرغم من أن الحقيقة الساطعة أنها هي التي كونت أحسن نخبة عرفتها الجزائر كفاءة علمية وأخلاقا واعتدالا، ويجب أن ننتبه لماذا نُزعت صورة بن باديس من الكتاب المدرسي والانتقال من تعريفه بأنه هو رائد النهضة الجزائرية إلى متهم زورا بالإدماج، ويجب أن نعي لماذا ينزع الاستشهاد بآيات القرآن الكريم والحديث النبوي وتُغير الأسماء الإسلامية في النصوص المدرسية، ولماذا يُستهدف

قانون الأسرة الذي شرع في زمن الحزب الواحد في إطار الشريعة الإسلامية ولأي سبب السعي لتفريغه من محتواه في زمن الأحزاب الإسلامية. إنه لا بد أن يسأل عن هذه الإشكالات المخضرمون الذين عاشوا هذه المراحل كلها وكانوا طرفا أساسيا في الفعل السياسي والفكري والاجتماعي، وازعم أنني واحد منهم !

لقد خرج الشعب الجزائري من فترة الاحتلال متمسكا بدينه كحصن أساسي واجه به الاستعمار وحافظ به على وحدته، وقد كان النظام السياسي على صورة الجزائريين يؤمن بهوية الوطن العربية الإسلامية، وكان شغله الأساسي هو الصراع على السلطة وليس الصراع حول الهوية، واختياره للاشتراكية خيار منطقي لا يتصور غيره عندهم وفي تلك الظروف، ووضع البشير الإبراهيمي في الإقامة الجبرية ومنع جمعية المسلمين كان شأنا سياسيا وليس دينيا، وحينما ظهرت الحركة الإسلامية في منتصف السبعينيات كان التعامل معها تعاملا سياسيا غير متشدد مقارنة بما كان موجودا في دول أخرى كمصر وسوريا، كما أن سجن الشيخ محفوظ نحناح كان موقفا سياسيا مرتبطا بعملية عنيفة نسبيا قام بها الشيخ ضمن نضاله ضد الاشتراكية المستوردة في زمن لم تكن المعارضة القانونية مسموحة. وحينما اشتد عود الحركة الإسلامية في الثمانينيات تأثر بها النظام السياسي ولقيت صدى إيجابيا كبيرا عند التيار الوطني داخل السلطة المتأثر كثيرا بالقيم الإسلامية للحركة الوطنية والثورة التحريرية، ولذلك رغم المواقع المهمة التي وصل إليها التيار التغريبي المسمى ” حزب فرنسا” لم يستطع مواجهة التيار الوطني الإسلامي داخل السلطة وفي المجتمع، ونتيجة ذلك ما تحقق من إنجازات كبرى في زمن الحزب الواحد على مستوى قانون الأسرة والمنظومة التربوية والتعريب والمرجعيات الدستورية المتعلقة بالهوية. ولا بد أن ننظر إلى انتصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ ضمن هذا السياق، فهو نتيجة هذا الرصيد الكبير الذي أخطأ وجهته فوقع الانكسار، و قد كان ذلك الانكسار هو بداية صعود التيار الاستئصالي وارتباك التيار الوطني الإسلامي داخل السلطة  وبداية ظهور الحساسية المفرطة من الإسلاميين بكل اتجاهاتهم والذي عبر عنه خالد نزار بشكل لا أوضح منه في مذكراته. ونستطيع القول أنه لو لا السياسة التي اعتمدها الشيخ محفوظ ورجاله بالحرص على المشاركة في مؤسسات الدولة لكان التحول نحو العلمانية أعمق وأسرع ولما بقي حزب إسلامي في الساحة اليوم ولتعلمنت كل النصوص والتشريعات ولأضحت الجزائر أسوء من تونس في هذا المجال في ذلك الوقت.

كان التيار الإسلامي في تلك المرحلة يتصاعد بشكل لافت في العالم العربي وبدأ ينتقل بين عقد الثمانينيات وعقد التسعينيات من كونه ظاهرة دعوية إلى ظاهرة سياسية من حيث النتائج الانتخابية أين توفرت له المشاركة أو من حيث كونه معارضة غير قانونية  أساسية محرجة للأنظمة الحاكمة.

باعتبار المصالح الكبرى التي تمثلها منطقتنا عند الدول الغربية، بدأت المؤسسات الأوربية والأمريكية تهتم بالظاهرة الإسلامية السياسية عن طريق الدراسات والحوار مع الأحزاب والجماعات الإسلامية لمدة عشرين سنة طيلة عقد تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي إلى أن اندلعت أحداث الربيع العربي.

كنت أحد الفاعلين الأساسين في جولات الحوار تلك، وكنت في فترة ما أحضر من ثلاث إلى أربع جولات حوار في السنة مع مراكز دراسات غربية صحبة قيادات إسلامية كثيرة من العالم الإسلامي من جماعة الإخوان المسلمين وحركات وأحزاب التيار الوسطي من مصر والأردن وتونس والمغرب والكويت ولبنان وغيرها. كنا نعتقد أن الغرب يريد أن يطلع على فكرنا ويعرف مواقفنا من قضايا الديمقراطية والمرأة والعلمانية وحقوق الإنسان والبيئة والعلاقات الدولية وقضية فلسطين، وكان بعض مراكز الدراسات يسمي هذه القضايا ” المناطق الرمادية” في فكر الحركة الإسلامية، وكنا نجتهد في شرح مواقفنا استنادا إلى فهمنا للشريعة الإسلامية حريصين على إقناعهم بعدم تناقض الإسلام مع الغرب سوى بعض الخصوصيات التي تستوعبها الديمقراطية ولا تمنع من التعايش إلى أن اتضح لكثير منا بأن حقيقة جولات الحوار تلك لا تتعلق إلا بمحاولة ذلك الغرب فهمنا، هل تمثل قناعاتنا الإسلامية خطرا على مصالحهم أم لا، ضمن رؤيتهم الاستعمارية التي لا تؤمن بالشراكة وقاعدة الربح للجميع. كان الغربيون يريدون أن يعرفوا هل هذه الموجة السياسية الإسلامية الجديدة التي يمكن أن تصل للسلطة لها القابلية للعمالة مثل الحكام العرب الذي فقدوا مبررات وجودهم  ولم يصبحوا قادرين على الاستمرار لكثرة فسادهم والمستويات العليا لفشلهم.

لم يطمئن الغرب إلى خطاب الإسلاميين، ليس لأن ثمة إسلاميين شوشوا الرسالة بسبب ضحالة فكرهم وضعف وتنافض خطابهم وقلة مهارتهم في الحوار والاتصال، ولكن لأن أصل الفكرة لم تعجبهم، وأصبح أكثر من يخيفهم هو الفكر الإسلامي الثاقب الوسطي المقنع الواقعي، و أضحى أكبر من يحرجهم من يحسن التعبير عن ذلك الفكر. بل أصبح هم الغرب هو تسخير وسائل إعلامه الفتاكة لإظهار الخطاب الإسلامي الرديء العنيف. وحين جاء الربيع العربي ازداد هلعهم ودخلوا على الخط لدعم الثورات المضادة المحلية والإقليمية.

 

قبيل الربيع العربي وجدت الدول الغربية نفسها في وضعية صعبة بين قوتين سياسيتين، قوة تقليدية حاكمة متحكم فيها ولكنها فاسدة ومنقطعة عن شعوبها، وغير مؤهلة للاستمرار، وغير قادرة على ضمان المصالح الغربية المستقبلية. وقوة إسلامية بديلة غير متحكم فيها لها وجود شعبي أكثر من غيرها، ولا توجد أي قوة سياسية قادرة على منافستها، ولم تفلح سياسة الاستيعاب في إلحاقها. ولذاك أصبح المشروع الغربي للتحكم في القوى السياسية على مستويين، مستوى عاجل، ومستوى آجل. أما المستوى العاجل فهو دعم الأنظمة القائمة لكي لا تزيحها شعوبها وتأتي بالإسلاميين، وعلى المستوى  الآجل تغيير الشعوب ذاتها لكي تصبح خياراتها علمانية لا علاقة لها بالإسلام المهدد في ذاته للهيمنة الغربية والتمدد الصهيوني.
لم تكن خيارات الحكومات العربية في مجملها خيارات علمانية متشددة. لم تكن التشريعات إسلامية في مقصدها وأهدافها وكثير من تفاصيلها، ولكنها لم تكن مصادمة للإسلام خصوصا في القضايا التربوية والاجتماعية. ولم تظهر الحساسية من البعد الإسلامي في الشأن العام إلا بسبب الصراع على الحكم، سوى بعض الأنظمة العربية التي لا نكاد نذكر منها إلا تونس سابقا. غير أن شدة الخوف على العروش من ثورات الربيع العربي جعلت الأنظمة العربية تقبل المشروع الغربي الآجل لتغيير الشعوب مقابل بقائها في الآجل.
كل الأنظمة العربية انخرطت في مشروع تغيير الشعوب، ولكن بدرجات وسرعة متفاوتة، وبقناعات متباينة بين من انخرط مؤمنا بالمشروع بسبب الانحرافات الدينية والعمالة، أو مضطرا لنيل دعم الغرب والصهاينة للمحافظة على السلطة. أما عن طرق تجسيد هذا المشروع فهي تتمثل في تغيير منظومات التعليم والأسرة والمسجد والإعلام والتشريع بما يلغي منها أي إشارة للإسلام ويشحنها بالتدرج بقيم أخلاقية لا علاقة لها بمجتمعاتنا.
إن الخلفية التي ضبطت توجه الغرب مع العالم الإسلامي على هذا المنوال هي تجربته التاريخية التي مر بها والتي انتصر فيها على المطلق الديني انتصارا تاما بين القرن السادس عشر والثامن عشر الميلادي.
لقد مر الغرب بمرحلة مظلمة في تاريخه في القرون الوسطى بين القرن الخامس والقرن الخامس عشر الميلادي سيطرت فيه الكنيسة على العقول والأبدان والأرزاق وتفسير الظواهر الكونية وعلى السلطة وحاربت كل من يخالفها حربا شعواء. كانت تلك القرون التي ظهرت وتطورت ضمن ظروف تاريخية أوربية شرحتها في بعض كتبي منها كتاب الدولة المدنية. كانت نتيجة تلك الهيمنة الجهل والفقر والأمراض والتخلف والحروب. وتحت وطأة هذا الواقع وبعد التأثر بأنوار الحضارة الإسلامية عن طريق الأندلس الإسلامية في أوربا، والحروب الصليبية والحركة التجارية والرحلات العلمية، انطلقت حركة اوربية عميقة للإصلاح والتغيير ضمن محورين: المحور الديني المتمثل في الحركة البروتستنتية الذي ثارت على الكنيسة الكاثوليكية وناقضتها في أسس مبدئية منها ضرورة الفصل بين الدين والسياسة والمقاربات الاقتصادية والدعوة إلى التحرر العقلي والسعي للعمل للمال والغناء. أثرت الدعوة البروتستنتية في تعميق العلمانية وفي إنشاء التوجه الرأسمالي كما يبين ماكس فيبر أحد فلاسفة النظام الليبيرالي في كتابه : ” الأخلاق البرتستنتية والروح الرأسمالية ” . تمكن المذهب البروتستنتي في الدول الأنجلوسكسوتية ونشأت في هذه الدول علمانية ليست ضد الدين ولكنها مستغلة للدين من حيث تهذيب المجتمع ودفعهم للسعي وراء المادة مع إبعاد الدين عن الحكم والشأن العام. أما في الدول اللاتينية التي تعتبر مهد ووعاء الكاثوليكية وأرضها الصلبة فإن شدة الصدام بين هذه الأخيرة والحركات الفلسفية والعلمية التنويرية التي ظهرت في القرن الثامن عشر أنشأت عداء صارخا للدين وساهمت في ظهور علمانية متشددة وفي بعض الأحيان ضد الدين ومشجعة للإلحاد.
بعد أن خاب ظن الغرب في إمكانية وصول العلمانية العربية اللادينية لتكون بديلا للأنظمة القائمة بظهور انحصارها الشعبي، وبعد أن تبين لها استحالة احتواء الإسلاميين الصاعدين سياسيا، ظن الغرب أنه يمكنه دفع المسلمين من خلال الحكام وبعض النخب إلى “بروتستنتية إسلامية”، أي تغيير الدين في أسسه،  على شاكلة ما حدث في أوربا، وأنه يستطيع إخراج أي أثر للدين عن الشأن العام، كالمدرسة والأسرة، وجعل المسجد مؤسسة لا علاقة لها بما يحدث خارج جدرانه.
إن كل الذي يحدث في العالم العربي، ومنه الجزائر، يعود إلى هذه الخلفيات، لا بد أن يتغير الدين الإسلامي، وليس الفكر الإسلامي، ولا بد أن يكون الدين شأنا خاصا لا يتدخل في القضايا العامة، فلا حديث عن الربا، ولا عن الاستغلال، ولا عن الرشوة من الناحية الدينية، ولا عن قوانين الميراث، ولا عن المحرمات، ولا عن العقود الشرعية للزواج، ولا عن العلاقات المحرمة، بل لا عن المثلية، ولا عن قدسية القدس وتحريم الصلح مع إسرائيل، وعن أمة إسلامية، ولا وحدة إسلامية، ولا عن ثقافة، ولا عن لغة عربية، ولا عن مشروع حضاري.

علم الغرب أن الجيل الحالي لن يتغير، ولن يغير دينه، سواء المسلمين الملتزمين بالعبادات  أو غير الملتزمين، ولكنه يطمع في أبنائنا، يطمع في تغييرهم، من خلال المدرسة  والإعلام أو بتفكيك الأسرة وإبعاد المسجد عن رسالته ….هذا الذي يجب أن نفهمه من حملات بن غبيرط على المنظومة التروبية قناعة منها كجزء من المشروع، أو ما يفعله غيرها في مجالات الأسرة والمسجد والإعلام وزراء آخرون   حفاظا على مناصبهم، وما تفعله لوبيات متخفية في مختلف مفاصل الدولة.

 

يتبع …

المقال المقبل: من برنامج الحكومة إلى تعديل قانون النقد والقرض: البديل (1).

 

 

 

 

 

 

تعليق

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً