الرئيسية مقالات الدكتور عبد الرزاق مقري التطرف العرقي وصناعة التوحش

التطرف العرقي وصناعة التوحش

كتبه كتب في 13 أغسطس 2021 - 1:37 م
مشاركة

 

كل الانتماءات يمكنها أن تتطرف وتنتقل من مستوى من التطرف إلى مستوى أشد حتى تبلغ مرحلة التو-حش، رأينا هذا عبر التاريخ في مختلف الانتماءات الدينية، وفي الانتماءات الأيديلوجية اليمينية واليسارية، وفي الانتماءات العرقية العنصرية بكل أنواعها، وحتى الانتماءات السياسية المتمركزة حول الرغبة في السلطة والنفوذ لا غير.

وفي الجزائر رأينا كيف وصلت جرا#ئم “الجيا” وأخواتها في التسعينيات إلى حالات من التوحش مذهلة، سابقة للتو-حش الذي رآه العالم مع “دI.عش” والثقافة الدI.عشية، بدأت بالخطاب وانتهت بالمجاIزر في حق النساء والأطفال.

وأغلب حالات التو-حش في تاريخ البشرية وصلت إلى هذا المستوى المفزع لما تدخلت فيها وأججتها واستعملتها الأبعاد السياسية والأمنية ومقاصد السيطرة والنفوذ بين قوى سياسية متصارعة على الحكم، وقوى دولية متصارعة على المصالح والسيطرة على العالم.

لقد رأينا في الأسبوع الفارط في مدينة الأربعاء ناث إيراثن بولاية تيزي وزو حالة من التو-حش مثلتها الصور المفزعة عن الإعدام الجماعي للشاب جمال بن إسماعيل وحرق وتشويه جث.ته. فاجأت هذه الجريمة الشنعاء كثيرا من الجزائريين والمتابعين في العالم.

ولكن هذه الحادثة المتو.حشة البربرية لم تفاجئ أهل العلم وأصحاب الاطلاع على التحولات النفسية والاجتماعية التي تحدث للشعوب.

تعرف منطقة القبائل منذ مدة شحنا عنصريا مدروسا وممنهجا تحركه أقلية من سكان المنطقة في الداخل، وقوى من الخارج، وتغذيه ردود الأفعال المتقابلة المتطرفة.

وقد صنع هذا الشحن عند كثير من المواطنين البسطاء في المنطقة حالة من الاستعلاء العرقي، والشعور بالمظلومية الموهومة المعاكسة للواقع بين الجزائريين تماما.

انتقل الشحن من مجرد خطاب، يطلقه البعض عمدا وقناعة، والبعض يطلقه امّعة وتقليدا، وبعضه يكون جادا وبعضه مجرد لغو، ثم تحول الخطاب إلى تحشيد، فوجد الخطاب والتحشيد سكوتا عن إنكار المنكر من قبل الأغلبية الصامتة من الصالحين والطيبين في المنطقة، وضعفا وتخليا عن المسؤولية من قبل الدولة، فاشتد الخطاب وتعاظم الحشد حتى ابتلع كثيرا من المساحات الرخوة وكسّر الصخور القليلة المقاومة للباطل في المنطقة، فكان الانتقال للتو-حش تلقائيا ومباشرا، وما حدث في قضية الشاب جمال رحمه الله وتشويهه قد يزداد اتساعا وتو-حشا في المنطقة وقد ينتقل بفعل الانتقام والثأر لمناطق أخرى، بشكل أو بآخر، إن لم يتم معالجة هذه الحادثة بالذات بالطرق الشرعية المتعلقة بالصلح والدية لرأب الصدع الاجتماعي، وبالطرق القانونية الرسمية للتحقيق في حيثيات وأبعاد الحادثة ولمعاقبة المباشرين للجريمة ومختلف المسؤولين عنها.

وستستمر الأزمة وتنتج أشكالا أخرى من التو-حش إذا استمر السكوت عن المنكر من الأغلبية الصامتة الخائفة أو التائهة، وإن استمر غياب الدولة في المنطقة، وإن لم يتم معالجة أزمات الجزائر كلها من قبل النظام السياسي بالطرق التي تحقق الرضا الاجتماعي وتبني الثقة بين مكوناته، وتعلي من قيمة المواطن والشراكة المجتمعية وتجسد الإرادة الشعبية الفعلية الحقيقية التي تسمح بالرقابة على الشأن العام وبإمضاء العدالة وهيبة القانون أمام الجميع، وترك الطرق الفاشلة الضعيفة السائدة التي تحاول إظهار القوة والتحكم .. وهي غير ذلك.

إن لم تتجه الجزائر إلى معايير الرشد رسميا وشعبيا فلا يستغربن أحد عندئذ أن نرى البلد تنقل يوما ما، والعياذ بالله، إلى حرب أهلية، تس_فك فيها دماء كثيرة، وتهدد وحدة البلاد، تغذيها أطراف دولية معروفة … حفظ الله بلادنا من كل سوء.

 

رئيس الحركة

عبد الرزاق مقري

يتبع..

تعليق