تظن أن الله سيفتح عليك ، وأنت لم تتأدب بآداب أوليائه ، ومللت من طرق بابه ، واستعجلت نصره وعطاءه ،لا تقبل الاستعمال وتخاف الاستبدال ، أنسيت أنه من لم يقبل على الله بلطائف الامتنان سيق له بسلاسل الإمتحان ، ولذلك قال تعالى في سورة محمد صلى الله عليه وسلم وإن تتولو يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ، وشرح في سورة الفتح صفات من يحق فيهم الاستعمال فقال تعالى محمد رسول الله والذين امنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم الى آخر الآية
الفتح ليس انتصارا في معركة آنية ، ولو كان كذلك ما سميت صلح الحديبية نصرا وفتحا ، وفيها ما فيها من الشروط التي لم تكن في صالح المؤمنين ، في إشارة إلى أن الخير في علم الله ، وأن الإمداد بقدر الاستعداد ، وبقدر المغرم يكون المغنم وقد يكون في الشر خير كثير ، كما قال تعالى في آيه القتال وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم
في سورة الحجرات تربية للإنسان على الأخلاق والأدب ، دستور جامع لكل مؤمن ينشد الاستعمال ، قصة تتجاوز حجرات النبي المتواضعة الخالية من مظاهر الترف والبذخ قصة قلوب لا قصة بنيان ، نداءات متكررة لأهل الإيمان تشير إلى أن الأدب والاخلاق الرفيعة من الايمان الصادق ، ولا يلتزم بها إلا مؤمن ، تبدأ بالاستسلام والتسليم والوقوف عند أمر الله في قوله تعالى يا أيها الذين أمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله ، فقد ذكر أهل التفسير أن سبب النزول كان الخلاف الذي وقع بين سيدنا ابا بكر وعمر رضي الله عنهما حين قدم وفد بني تميم على رسول الله فقال أبو بكر يا رسول الله أمر عليهم القعقاع بن معبد وقال عمر يا رسول الله أمر عليهم الأقرع بن حابس فقال أبو بكر ما أردت إلا خلافي ، وقال عمر ما أردت الا خلافي فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت الآية لتأدبهما وتأدب كل المؤمنين بعدم تقديم قولهم على الله ورسوله وعدم تقديم حظوظ النفس على الحق .
ثم يأتي الأدب الثاني بتوقير رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم رفع الصوت في حضرته ، لنتعلم ايضا عدم رفع الصوت حتى بعد موته فالمؤمن ليس سخابا ولا سباب ولا فاحشا بذيئا .
ثم تأدبنا سورة الحجرات بأدب التثبت في تلقي الأخبار حين قال تعالى يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ، وقد نزلت الآية في الوليد بن عقبة حين أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق ليحصل الزكاة ، فحدثه الشيطان في الطريق أنهم يريدون قتله فخاف ورجع دون أن يصل إليهم وأخبر رسول الله أنهم منعوه الزكاة فهم رسول الله صلى الله لعيه وسلم بحربهم حتى نزلت الآية ، في رسالة واضحة إلى كل مؤمن أن يتثبت ويتحرى قبل أن يصيب أي أحد بجهالة ويندم على فعلته
ثم يأتي الأدب الرابع في أدب الاصلاح وترك التنازع والاقتتال فقد قررت الآيات أن المؤمنون إخوة فقد عاتب الله الصحابة من أهل بدر وهم من هم حين تنازعوا واختلفوا عن الغنائم فقال فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم ، فالاهم من المغانم والأموال اصلاح ذات البين وسلامة القلوب ونبذ الفرقة والاختلاف
في سورة الحجرات ينهانا القران الكريم عن السخرية واللمز والتنابز بالألقاب وسوء الظن والتجسس والغيبة فهي من الامراض والشرور التي تهد البنيان وتفسد الانسان فالمسلم ليس رخيصا عند ربه وهو يكره أذيته فربّ مُستدرَجٍ بنعم الله عليه وهو لا يعلم.. وربّ مغرور بستر الله عليه وهو لا يعلم.. وربّ مفتون بثناء الناس عليه وهو لا يعلم ، فعجبا لمؤمن يتنابز بالألقاب ويسخر من غيره ويلمز الناس ويغتاب ويتجسس وظنه بالناس دائما سيئ فمن أراد أن يسلم من الغيبة فليسد عليه باب الظنون فان الظن يقود إلى التجسس وإن التجسس يقود إلى الغيبة .
لا يصنع التغير إلا مؤمن ، ولا يستعمل الله إلى المؤمن ، وعلامة الإيمان حسن الخلق والأدب في التعامل مع الله والنفس والناس ، فإذا ما نزل المؤمن إلى درجة الإسلام ولم يسلم المسلمون من لسانه ويديه فليبكي على حاله
ولا يكون الاستعمال إلا بالايمان الحق وعدم الريب والشك والجهاد بالمال والنفس والصدق حينها فقط يكون الفتح ويفرح المؤمنون بنصر الله
قال تعالى : إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وانفسهم في سبيل الله وأولئك هم الصادقون حينها فقط يكون الفتح وتكون المغفرة والهداية واتمام النعمة وتكون السكينة والطمأنينة