عن مخطط عمل الحكومة (2)

كتبه كتب في 13 سبتمبر 2021 - 7:28 م
مشاركة

 

في المقدمة:

يبدأ الزيف وقلب الحقائق في مخطط الحكومة المعروض علينا من السطرين الأولين في مقدمته إذ يؤكد المخطط أن الانتخابات التشريعية السابقة كانت نزيهة وديمقراطية.

 

إنهم تالله ليعلمون أن الانتخابات كانت مزورة، قبل الانتخابات وأثناءها وبعدها، وقد قدمنا الحجج الساطعات عن ذلك للمسؤولين على أعلى مستوى.

 

إن المرء ليتعجب تارة كيف هي نفسية ذلك الذي يزور الانتخابات ثم يتحدث في وثائق رسمية عن نزاهتها، ربما يشعر الذين لديهم ضمير بشيء من وجع الوخز، لا يبوحون به اليوم حرصا على المنصب وأمان الوظيفة، وقد يبرز منهم غدا بشير فريك آخر، وأمثالُه، يدفعهم ندم الصنيعة الوضيعة إلى البوح بما فعلوا فنسامحهم عند الله تعالى، وربما ثمة أناس بلا ضمير لا يندمون أبدا عن فعلهم المشين ولكن يبقون يشعرون بالخزي في نفوسهم إلى يوم الدين، والحساب بيننا وبينهم عند صاحب الميزان عز وجل غدا يوم القيامة. وفي كل الأحوال صدق الله تعالى إذ يقول: ((إن الله لا يصلح عمل المفسدين))، ولا إفساد أعظم من تزوير الانتخابات ولا ظلم أشنع من ظلم تزوير الحقائق، ولا شيء يرجى من أي مخطط ما دام ما يشكل الحكوماتِ قاعدةُ التزوير والظلمُ في حق الأحزاب المناضلة والعدوان على إرادة الشعب المعبر عنها.

 

وإننا لنخشى حقا على مصير من تورط في التزوير حينما نسمع ضحاياه يرفعون أيديهم بحسرة، وبعضهم باكيا، يدعون على من ظلمهم بالزبر من القوائم أو تزييف المنافسة أو التزوير المباشر أو غير المباشر، لا سيما وأن مصير من زور علينا ممن سبقهم ماثل أمام العالم ولا شك أن دعاءنا جزء أصيل وأساسي من أسباب المصائب التي على رؤوسهم.

 

نحن ندرك بأنهم سيفعلونها مجددا في الانتخابات المحلية، وقد بانت الأمارات باستهلاك أوقات التوقيعات قبل بدئها، وبالتضييق على ممثلينا في تسليم الاستمارات، وفي الأعداد الخيالية المطلوبة من التوقيعات التي تصل إلى 800.000 للحزب الذي يريد أن يترشح في كل البلديات، والتي يمكن أن يُعفى منها المحظوظون من الموالاة خفية وخلسة دون أن ندري إذ هي أرقام تعلن لا يعلم بها أحد، كما كان يحدث في زمن النظام السابق، علاوة على التحيز لصالح المستقلين الذي بات مكشوفا للعيان. هذه هي طبائع الاستبداد، والغريب في الأمر أنهم يظنون أنهم يحسنون صنعا كما كان يقول المستفيدون من التزوير: “لقد زورنا من أجل المصلحة الوطنية” ثم فضحهم الحراك الشعبي فظهر بأن أعظم ضحية للتزوير هي المصلحة الوطنية وصدق الله تعالى إذ يقول: ((الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)). لقد جعلت جرأتُهم على الظلم وعجزُ المظلوم وتأجيلُ العقاب الرباني من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فهم لا يبصرون، ولكن مع ذلك سنستمر في المقاومة السياسية لنفتكّ منهم ما نستطيع لصالح ما يصلح البلد ولا يفسده، وسيأتي الزمان الذي يحكم الله فيه بيننا وبينهم، بل يحكم بينهم وبين الشعب الذي نحن جزء منه، يرونه بعيدا ونراه قريبا.

 

ومن أمارات عدم التوفيق في هذا المخطط، عدم تفريق أصحابه بين السياسات والمخطط (أو الخطة)، فالمخطط المعروض على البرلمان جملٌ متراكمة وآمال غير منضبطة. فلو سميت الوثيقة سياسات عامة كنا ربما نتقبلها من حيث الشكل لا كبرنامج حكومة، أما وهو مخطط فإن أصول التخطيط أن تكون الأهداف قابلة للقياس حتى يُمكن متابعتها وتقييم مدى الإنجاز والاستدراك عليها، فكتابة مخطط بهذا الشكل لا جدوى من أن تتبعه في كل سنة بيان السياسة العامة (التي لم تعرضها حكومات سابقة عديدة) حيث “ما لا يقاس لا يدار وما لا يدار لا يطور” كما تبينه قواعد التخطيط والإدارة الاستراتيجية.

 

– ومن خصائص هذا المخطط، التي أكدت تحليلاتنا السابقة، أنه مخطط رئيس الجمهورية وحده، فلا أثر لبرنامج الأحزاب المشكلة للحكومة، ولو من حيث المجاملة لهذه الأحزاب وحفظ ماء وجهها.

 

ولذلك يعود السؤال المشروع عن طبيعة الأغلبية المساندة للحكومة، هل هي أغلبية رئاسية أم أغلبية برلمانية؟ وبلا شك: لا هي أغلبية رئاسية لأن الرئيس لا حزب له والأحزاب المشكلة للحكومة كانت معارضة له في الانتخابات الرئاسية السابقة، ولم تعلن أصلا بأنها تابعة له، ولا هي أغلبية برلمانية لأن هذه الأحزاب أعلنت مساندتها لبرنامج الرئيس وتخلت عن برامجها. فحري بنا أن نسأل متى تصفو الأمور؟ ومتى نعرف من نحاسب؟

– أما من حيث المضمون فإن ما نقرؤه في جمل المخطط يذكرنا حقا بالطموحات العظيمة لبرنامج “فخامة” الرئيس بوتفليقة في مخططاته التنموية الرباعية وما كان يتحدث به رؤساء حكوماته، خصوصا أويحيى وسلال، من وعود تجاوزت كل الحدود ثم انتهينا إلى ما نحن عليه. فلا شيء تغير في النظام السياسي لكي نصدق هذه المرة. لا سيما وأن عهدة الرئيس، صاحب البرنامج، قد مضى منها سنتين ولم ينضبط مستوى ووتيرة الإنجاز بما يجعلنا نعتقد بأن السنوات الثلاث المتبقية ستقع فيها المعجزة. وكيف تقع المعجزة والأوضاع الوبائية فتاكة، والأزمات عميقة، والموارد شحيحة، والتوافق غائب، ومعنويات الشعب متدنية، والمؤسسات جامدة، والمشاريع متوقفة.

 

– ومما لا يشجع على التفاؤل أن هذا المخطط لا يصاحبه ذكر الميزانيات المقدرة له، كما هو شأن أي مخطط جاد ومسؤول، ولا يوجد ذكر لمصادر التمويل المعول عليها، وكأن الذين وضعوه يتعاملون مع نخب جزائرية وأحزاب وطنية ونواب مسؤولين لا يدركون حجم الأزمة المالية التي تعرفها البلاد. ومن دلائل هذه الأزمة القانون الذي تم تمريره بما يسمح للخزينة والبنوك أن تتحرر من رقابة البنك المركزي على أصولها في توسعها في المعروض النقدي، بما يلغي معنى الجباية العادية ويرفع معدلات التضخم الحقيقية التي يقابلها المواطن في السوق، وليس معدلات الأرقام الرسمية، وكذلك حال احتياطي الصرف الذي لن يبقى منه شيء يعول عليه في مدى سنة ونصف.

 

إن ما كتب في المخطط دون ضبط أرقام ميزانيته هو مجرد إطلاق للخيال، ورسم ما هو مأمول وليس ما يراد تجسيده على الأرض فعليا. وأسوء ما يمكن أن يحدث لنا، ما حدث لنا سابقا، ما هو إيجابي لن يكون له أثر، وما هو خطير وسلبي -مما سنبينه في هذه المساهمة -يجسد فعلا على الأرض.

 

ولكن لنتفاءل! ولنصبر! رغم كل هذا! بشرط أن يكون لنا الحق أن نسأل بعد ذلك: هل إذا فشلت الحكومة، أو الحكومات، في إنجاز ما تم الوعد به من سياسات عامة ولم يظهر لها أثر في الواقع، هل سيعترف المسؤولون هذه المرة بالفشل ويسمحون بانعتاق البلد من خلال انتخابات ديمقراطية فعلية؟ أم أنهم سيتحايلون مرة أخرى ويبقون في الحكم عنوة ويعرضون علينا طبقا جديدا للاستهلاك الإجباري اسمه ربما “الجزائر المتجددة”؟

 

…. يتبع

 

رئيس الحركة

د. عبد الرزاق مقري

تعليق