عضو المكتب التنفيذي الوطني د. فاروق طيفور يكتب: نتجدد معا… ننهض معا
شرح الأصول السياسية العشرون(01)
الأصل الأول: فقه مواكبة التحولات واستشراف المآل.
بعد استعراضنا لأسئلة مستقبل الماضي ودققنا في واجبات التفكير و شخصنا محنة النخب الفكرية والسياسية باعتبارها المادة الرمادية لعقولنا الاستراتيجية التي يتميز دورها اليوم بدرجة من الخصوصية التي تجعلها في نقطة المركز لضمان النجاح في حل معادلة التدافع وكسبرهان تكوين قيادات التحرير الفكري لتسليم جيل الموجة الثالثة مشعل القيادة وراية النهضة والتقدم على قاعدة من أصول عشرين للفقه السياسي الجديد الذي تراكم من خلال التجارب التي قادتها الأمة في مسيرتها التاريخية التي عرفت الصعود والنزول والنجاح والاخفاق.
هي أصول عشرون عرضناها مجملة في سلسلة نتجدد معا… ننهض معا، وسنواصل هذه السلسلة لشرح وتفصيل تلك الأصول أصلا مسترشدين بتفاعلاتكم وتصويباتكم لأن زوايا النظر تختلف ولكن تجميع كل الزوايا في توليفة جامعة مانعة نافعة أمر في غاية الأهمية (عبقرية الانسجام المتكامل)، فهي جامعة للمشترك الأكبر ومانعة للتعصب والتشدد والكبر والغرور ونافعة للأجيال لأنها لا ترغب الا في ترسيخ القيم وغرس ثقافة الفسيلة السليمة الصالحة للاستنبات في الخصب الفسيح.
وسنبدأ بالأصل الأول الذي سنرصعه بعنوان:
فقه مواكبة التحولات واستشراف المآل.
إن حضور فقه مواكبة التحولات والتغيرات والتطبيق العملي لنظرية المآل في اتخاذ القرارات مسار طبيعي ضروري دأبت عليه حركات التغيير والإصلاح حيث لا يمكن التناغم بين فقه الواقع وفقه الشرع الا بتلازم الفهم الصحيح والسليم للنص الشرعي في سياق قوله او فعله او تقريره او نزوله مع مصاحبة ومرافقة الفهم الإسلامي المتراكم عبر العصور لتحقيق القراءة الصحيحة والتنزيل السليم بعيدا عن حالة الغفلة عن الربط بين متغيرات الواقع المتطور والانحباس في لحظة تاريخية فخرية ناجحة لكنها لا تكفي لصناعة تقدم او نجاح ليس بسبب التشكيك في كون اللحظة حازت النجاح في زمنها ولكن بسبب أن للتقدم أسباب ومثابات تتغير من زمن الى آخر ،واصبح الوعي بفقه النوازل الذي يُمثل الدّراية المعرفية في مقابل الدّراية السّياسية واتقان الوعي بمستويات هذه النظرية (الواقع – الأولويات – الموازنات – المآلات – المقاصد – السنن ) أكثر من ضرورة.
هذا الأصل يمثل قاعدة وسقف في نفس الوقت لانه يؤطر حركة الموقف السياسي ويؤمنه ويوفر له ضمانات الاستمرار وأساليب التعامل مع الاحداث والتطورات.
فحضور فقه مواكبة التحولات والتغيرات لدى القيادات المركزية والوسطى وتعليمه المناضلين والأنصار يتيح للمشروع السياسي الرؤية والاقتراب من قراءة الظاهرة السياسية قراءة سليمة مدركة لحقيقة التحولات ومساراتها المستقبلية على اعتبار أن الجمود على المواقف والفهوم السابقة التي كانت مناسبة في مراحل ماضوية سواء كمعايير للتحليل أو كانماط لصناعة واتخاذ القرار لكنها اذا لم تراع التحولات فقد تضيع منها الفرص التي لم تتفاعل معها أو لم تحضر لها نفسها بل غرقت في اوهام الماضي أو احلام المستقبل دون اعتماد على أدوات ومهارات التحليل والاستشراف وتكون بذلك قد فشلت في التطبيق العملي لنظرية المآل في اتخاذ القرارات والمواقف التي قد تجعلها تضع بيضها في سلة الخصوم دون شعور فتصبح بالطبيعة والمنطق جزء من خطته،رغم أن هذا المسار دأبت حركات التغيير والإصلاح على تطبيقه ولكنها لم توفق إلى اليوم في إحراز تقدم ملموس في الانجاز ولا سيما في عملية التنزيل والتأصيل فهي إما ملتزمة بالنص إلى درجة الحرفية أو جافية عنه إلى درجة الانحراف ؛حيث لا يمكن التناغم بين فقه الواقع وفقه الشرع الا بتلازم الفهم الصحيح والسليم للنص الشرعي ذاته في سياق قوله او فعله او تقريره او نزوله مع مصاحبة ومرافقة الفهم الإسلامي المتراكم عبر العصور لتحقيق القراءة الصحيحة والتنزيل السليم بعيدا عن حالة الغفلة عن الربط بين متغيرات الواقع المتطور والانحباس في لحظة تاريخية فخرية ناجحة لكنها لا تكفي لصناعة تقدم او نجاح ،فحركات التغيير والإصلاح لا يمكن أن يشكك أحد في نوايا قياداتها واخلاصهم للفكرة والمشروع بل والتضحية من أجله بكل ما يملكون ،كما أنه لا أحد يشكك في كون الفكرة والمشروع يحمل عوامل قوته في ذاته ومر بلحظات تاريخية حازت النجاح في زمنها ولكننا اليوم نحصي اخفاقاتنا رغم نصاعة وصلاحية الفكرة والمشروع على اعتبار أن للتقدم أسباب ومثابات تتغير من زمن الى آخر وهو أمر يقتضي اعمال النظر في السنن الإلهية الكونية والتعمق في أسرارها والفرص التي تتيحها و تحويلها في صالحنا ،مما يجعل الوعي بفقه النوازل الذي يُمثل الدّراية المعرفية في مقابل الدّراية السّياسية واتقان الوعي بمستويات هذه النظرية (الواقع – الأولويات – الموازنات – المآلات – المقاصد – السنن ) أكثر من ضرورة.ينبغي أن تؤسس له مراكز الدراسات ومخازن التفكير وخلايا البحث والتصنيف ومؤسسات تقدير الموقف وليس كل من يصلح للتنظيم
والتنفيذ يصلح بالضرورة للتفكير والبحث وتقدير المواقف و المفاضلة بين الخيارات والبدائل المتاحة ،فنحن اليوم بحاجة ماسة إلى تكليف من يقوم هذا المقام ويضطلع بهذا الدور وينبري للمراغمة والمدافعة لتنبيه الغافلين عن التحولات وتحريكم باتجاه اهتبال رياح التغيير والتحضير لها وإعداد النخب والقيادات التي توفر أجواء وبيئة استقبال الموجات التحويلية القادمة بمزيد من اليقظة الاستراتيجية التي تحول حالة الحيرة والذهول إلى مربع التفاعل المباشر مع الكتلة الاجتماعية الحرجة التي تمثل جسرا نحو القيادة والسيادة وتحتضن المشروع والبرنامج مجتمعيا بما لا يتيح ثغرات في جداره يتسلل منها العابثون.
فكيف نتمكن من فهم قواعد و معايير وأدوات فقه مواكبة التحولات واستشراف المآلات؟؟؟ هو حديثنا في الحلقة القادمة فمعا نتجدد .. ومعا ننهض.