الرئيسية مقالات أ. فاروق أبوسراج الذهب نتجدد معا .. ننهض معا الأصول التأسيسية السياسية العشرون

نتجدد معا .. ننهض معا الأصول التأسيسية السياسية العشرون

كتبه كتب في 27 يونيو 2022 - 8:28 ص
مشاركة

نتجدد معا .. ننهض معا
الأصول التأسيسية السياسية العشرون
الأصل الأول : فقد مواكبة التحولات والمآلات (04)
العلوم الخمسة لفقه التحولات (علم الساعة بفهم جديد)
إن إدراك وفهم علوم فقه التحولات بفروعها الخمس ،يعتبر من االواجبات الحيوية في استكمال فهم الأصل الأول من الأصول السياسية العشرين حيث سطرنا ثلاث حلقات عنه ونحاول في هذه السانحة الرابعة أن ندلف بهدوء ودون ضجيج منهجي مثير للجدل إلى علم الساعة بفهم جديد والذي ينطلق من القراءة الاستباقية للقرآن الكريم والسنة النبوية التي بينها جبريل عليه السلام عندما جاء ليبين للصحابة أصول دينهم ،وهو الذي استخدم منهجية رائعة في التعليم عندما انتهج أسلوب(السؤال ثم التصديق على الجواب كما أثار استعجاب الأصحاب حينما قالوا: فعجبنا له يسأله ويصدقه) )،حيث سأل عن أربع بين ثلاث اعتبرت أركان أساسية في الفهم الإسلامي العام (الإسلام ،الإيمان، الإحسان) وهي جميعا تقع في دائرة الثوابت ،لكنه تحدث في سؤاله الرابع عن علم جديد هو علم الساعة وعلاماتها وهي من المتغيرات التي أجابه الرسول صلى الله عليه وسلم عن أماراتها لكنه لم يجبه عنها حين قال (مالمسؤول عنها بأعلم من السائل) ،مركزا في إجابته على قرار نقض العلم والاعتقاد (أن تلد الآمة ربتها) وقرار نقض الحكم والاقتصاد (أن ترى الحفاة العراة العالة رعاءَ الشاء يتطاولون في البنيان) ،وهو علم ينبغي أن نوليه أهمية خاصة لأنه يتحدث عن المستقبل بمنطق يقيني ،ويمكن حصر علوم فقه التحولات بخمسة هي (فقه النواقض والنقائض ومضلات الفتن وأسباب الوقاية منها ، وفقه الإشارات والبشارات والنذارات والحصانات وشرف العدالة والسند ، وفقه مستجدات العلوم النظرية والتطبيقية وجديد الثقافة والمعارف والإعجاز العلمي ، وفقه الأشراط الكونية والملاحم ، وفقه الربط الشرعي بين الديانة والتاريخ ).
واعتقد أننا عندما نتحدث عن يسير هذا العلم الذي نسيته الامة بخاصتها وعامتها بالرغم من أنه يعطيها فرصة ملهمة لاستشراف المستقبل وصناعة المجد فيه ،كيفلا وقد تضمن هذا العلم استشرافات يقينية للرسول صلى الله عليه وسلم لما سيكون عليه العالم ،وفي المقابل فان الغرب الذي يتسيد العالم اليوم ويحاول أن يعيد صياغته في ظل التحولات التي يعرفها بعد مرحلة كورونا ثم مرحلة مابعد الحرب الروسية الاوكرانية ،وكأن نظرية (المابعدية) التي يستخدمها الكبار في شرعنة سياساتهم وبرامجهم ومخططاتهم المستقبلية ماتزال مفضلة لديهم لضمان نصاب البقاء في المستقبل الذي وصفه المنهج النبوي بمواصفات دقيقة عرفت تحت علم (تحولات علم الساعة) حيث أفردت له مراكز الدراسات الغربية دراسات معمقة وكتبت حوله السيناريوهات وأخرجت من اجله الأفلام القصيرة والطويلة ومنها على سبيل المثال (فيلم معركة هارماجيدون ) الذي يقص علينا قصة نهاية العالم ، واذا كان علم الساعة بهذه الأهمية فماهي العلوم الخمسة التي يتضمنها فقه تحولات علم الساعة ؟
لقد أبدع العالم اليمني الإمام أبو بكر العدني ابن علي المشهور في كتابه الاقليد في فتح أبواب العلوم الخمسة المرتبطة بفقه التحولات التليد ،في بحث هذا العلم المهجور حيث فصل له ثلاثة كتب ثمينة لشرح وترتيب هذا العلم حيث تندرج العلوم الخمسة المشار إليها سلفا بالعلم بعلامات الساعة كونها علوما استباقية في بعض نماذجها المنطوية تحت ما اخبر عن وقوعه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم استباقيا قبل وقوعه مثل النواقض والنقائض المعروفة في فقه علامات الساعة بـ” الفتن ومضلاتها “واتخاذ المواقف الشرعية حيالها.
ومثلها علوم البشارات المستقبلية والنذارات والانذارات وفقه حصانة الذوات والمراحل ،ومنها علوم استقرائية ترتبط بالتحولات الكونية بمسيرة التاريخ الإنساني وتصحيح مساره الشرعي وفق ما جاءت به الرسالة الخاتمة وإدانة الانحرافات والتحريفات التي جرت وتجري على أيدي مدارس الكفر والإلحاد والنفاق والاستتباع والدجل من التفسير المادي للحياة وبدأ الخليقة ونهاية الكون وانحراف مسائل الأخذ بالقيم والضوابط والحريات في حياة الجنسين …الخ وكذا النيل من عقيدة الغيب والقضاء والقدر ؛ وبرز في العمق العربي والإسلامي الغثائي المتمرحل من حمل لواء العلمانية والعلمنة والعولمة المتوحشة وتغلغل في بعض العقول المتأثرة بالثقافات الغازية في مرحلة الاحلاس التي كشف سرها النبي صلى الله عليه وسلم وماتلاها من نقض ماتبقى من الحكم الإسلامي العام بإسقاط الخلافة وإعلان الدولة العلمانية الأولى وماتلاه من مرحلة السراء والدهيماء حتى مرحلة الفتنة الرابعة التي آل فيها أمر الأمة إلى الغرب.وهي قضايا ذكرها الصادق المصدوق بعبارات واضحة حيث قال :” تكون في أمتي أربع فتن تصيب أمتي في آخرها فتن مترادفة إلى قوله والرابعة تصيرون فيها إلى الكفر إذا كانت الأمة مع هذا مرة ومع هذا مرة بلا إمام ولا جماعة ثم المسيخ ثم طلوع الشمس من مغربها ودون الساعة اثنان وسبعون دجالا منهم من لا يتبعه إلا رجل واحد”.وكان في هذه المراحل من نقض وقبض وتداع ووهن واستتباع وتوسيد وضياع أمانة أدت بالضرورة إلى فشو مدارس الاستعمار والاستهتار والاستثمار .
أن فقه الفتن أو فصول باب الفتن والابتلاءات التي تصيب الأمة والأفراد يمكن حصرها في أساسين مهمين هما فتن العلم والاعتقاد وقاعدته النصية “أن تلد الآمة ربتها “وفتن الحكم والاقتصاد وقاعدته النصية “أن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان”.وفي اصطلاح فقه التحولات أشار النص النبوي إلى علم النقائض والنواقض حيث قال :” لتنقضن عرى الاسلام عروة عروة كلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها فأولهن نقضا للحكم وآخرهن الصلاة ورب مصل لا خلاق له”.
والنقائض والنواقض في الأصل هي وسيلة الشيطان الذي تهيكلت مؤسساته وأصبحت تتحكم في القانون الدولي وبروتوكولاته من أجل إنجاح مشروع” لاحتنكن” وهو يتأسس على أمرين جوهريين الأول هو المنافسة والثاني هو التحريش ،فالمنافسة هي مادة الصراع الأساسي في النفس البشرية ولا يروضها إلا الدين القيم الصحيح وعامل نجاح المنافسة مادة التحريش القائمة على الغيبة والنميمة والكذب والبهتان وسوء الظن والتحسس والتنابز وهي وسائل قوية لصناعة وتثبيت مشهد الفرقة والاختلاف والتنازع والحروب وتداع الأمم على الأمة التي لا تعاني من قلة العدد ولكنها كما وصفتها نصوص الاستشراف النبوي بالغثائية التي تشمل عدة تقلبات مرحلية بدأت بمرحلة الاستظهار ثم مرحلة الاستعمار ثم مرحلة الاستهتار ثم مرحلة الاستثمار ،ويقابلها في النص النبوي من فقه علامات الساعة مرحلة فتنة الاحلاس ثم مرحلة فتنة السراء ثم مرحلة فتنة الدهيماء ثم مرحلة الفتنة الرابعة التي آل فيها أمر الأمة إلى الغرب الكافر.
لقد تناول عديد العلماء والباحثين موضوع علامات الساعة وصنفوا فيه المؤلفات المفيدة كفقه يعتمد على التحليل والمطابقة بين الفتن ومجريات الواقع ولكن دون ربطها بالوحدة الموضوعية لحديث جبريل ودون الإشارة إلى ركنية الركن الرابع ودون الربط بين الدين والتاريخ ،لذلك لابد من قراءة جديدة لهذا العلم بما فيه من بشارات وانذارات وحصانات وشرف العدالة والسند.
وقد حفل “كتاب الأمة” السادس والعشرون بعد المائة: للدكتور إلياس بلكا «استشراف المستقبل في الحديث النبوي»، بمقاربات جديدة يمكن الافادة منها في إدراك ووعي هذه العلوم المهجورة للأسف الشديد حيث أشار إلى قراءة ملفتة لتفسير الآية الكريمة : ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ) (لقمان:34)،كيف أن السياق تغير من محل علم إلى محل علوم أخرى؛ فعلم الساعة عنده تعالى حصرا، أما بقية الأمور؛ من نزول الغيث وعلم ما في الأرحام… إلخ، فله سياق لغوي آخر، يحمل دلالات أخرى، وقد جاء علم الإنسان البسيط النسبي اليوم وما وصل إليه من علم الأنواء والأمطار والرياح ونوع الجنين ليأخذ حيزا من هـذا العلم المطلق، وأن ما بقي من أسرار هـي في علم الله ينكشف بعضها مع الزمن؛ فهل يعتبر التفكير والكسب في ذلك عدوانا على علم الله، وعدم الاعتراف بصفات الكمال له سبحانه، أم أن من الاعتراف بالعلم المطلق للخالق سبحانه محاولة كسب العلم النسبي للإنسان المخلوق؟
قد يكون فقه التحولات وعلومه محاولة اقتحام لساحة محظورة، ورؤية لقضية ما تزال مهمشة في العقل المسلم، بل تكاد تكون من المحظورات، وبناء بصيرة من خلال قراءة الماضي ومقدمات الحاضر وصولا إلى تشكيل تصور لعالم غائب عن مطاولة الحواس، يتجاوز البصر إلى البصيرة، والحكم إلى الحكمة، ويرتقي من المقدمة إلى النتيجة، ويلاحظ اطراد السنن وفاعليتها، فيعدي الرؤية من الحاضر المشاهد إلى المستقبل الغائب عن ساحة الحواس، ويبصر في المقدمات النتائج، ومن الأحداث الكبرى المآلات والعواقب؛ حيث لا بد أن نعترف بأن الغوص في «المستقبليات» ما يزال لا يستقبل براحة إيمانية كافية، وما يزال يتداخل مع بعض الالتباسات والتأثيمات، وعلى أحسن الأحوال محاولة الكثير منا الهروب من مثل هـذه الدراسات وإيثار السلامة وإغلاق باب النظر والاجتهاد، على الرغم مما يحمل ذلك من رؤية حسيرة ويخبئ من مفاجآت مقبلة لم نعد لها؛ لأننا نعدل عن إبصارها ودراسة احتمالاتها والقفز من فوق مقدماتها باسم الدين وسلامة العقيدة.

إن أحاديث الفتن كلها تقريبا فيما وراء أنها إخبار من الصادق المصدوق هـي رؤية مستقبلية، جاءت على سبيل التحذير والتخويف وضرورة الإعداد لها، ومحاولة التخفيف من آثارها السلبية، من أهمية إصلاح المقدمات حتى لا تدركنا النتائج السلبية؛ وما أشراط الساعة والإخبار بأماراتها إلا رؤية مستقبلية تتطلب الإعداد والاستعداد بفعل المقدمات المنجية من هـولها.
فهل تمنحنا هـذه الأحاديث مؤشرات على أهمية امتداد التفكير إلى عالم المستقبل، والتبصر بعالم الغد، من خلال استشراف الماضي والسنن التي حكمته، وقراءة الحاضر والمقدمات التي تحكمه لرؤية المستقبل وكيفية تشكيله والإعداد له؟
إن السنة الشريفة أصلت للمستقبلية تأصيلا تاما، ورفعتها إلى درجة قيمة حضارية كبرى، وأدمجتها في حياة الفرد والأمة والدولة. لكن هـذه السنة غنية جدا، وفي موضوع المستقبل بالذات، لهذا لا بد من مواصلة الجهود في استنباط القيم الحضارية المتعلقة بالمستقبل في الحديث.
ومما يحسن بنا اختصارا ونحن نتحدث عن العلوم الخمسة لفقه التحولات مالخصه لنا الدكتور أحمد سليمان عبيد المحمدي في بحثه الموسوم بـ: الاستشراف النبوي في الجانب السياسي وأثره في تفعيل التخطيط الاستراتيجي في فكر القيادة الإسلامية . حيث رتب استشرافات النبي صلى الله عليه و سلم في منظومة رافعة لمنهج جديد في السننية المستقبلية تبدأ بـ:
استشراف الخط الدفاعي الأول لخريطة العالم الإسلامي ،
استشراف انهيار امبراطورية فارس و إمبراطورية الروم في الشرق ، و انضمام ممالكهما الى خريطة بلاد المسلمين ،
الاستشراف النبوي لمستقبل بعض العواصم السياسية المهمة : كالاستشراف النبوي لفتح القسطنطينية : “مدينة إسطنبول التركية حاليا ” و كالاستشراف النبوي لفتح روما عاصمة إيطاليا ، و الاستشراف النبوي لفتح المدائن في العراق و الاستشراف النبوي للوضع السياسي الحالي للقارة الأوروبية ،
و الاستشراف النبوي لمؤسسة الحكم و طبيعة الامن المجتمعي فيها ،
و الاستشراف النبوي لحالة التنافس الشديد على المناصب و المغانم الذي سيحل بالامة (الانتهازية السياسية).
الاستشراف النبوي للتحديات السياسية المعاصرة التي يمر بها العالم الإسلامي ومنها :
الاستشراف النبوي للهجمة الغربية على العالم الإسلامي و الاستشراف النبوي لحال الامة و ما تمر به من فتن سياسية ،
و الاستشراف النبوي لصفات بعض القادة السياسيين عند وقوع الفتن ،
و استشراف النبي صلى الله عليه و سلم لحال العالم العربي في الوقت الحاضر ،
و الاستشراف النبوي للمحن و الصعوبات و الحروب التي ستواجه العالم الإسلامي ،
و الاستشراف النبوي للحصار الذي سيصيب العراق و بلاد الشام ،
و الاستشراف النبوي لكثرة الأموال و الضعف في التدبير و الإدارة ،
و الاستشراف بانحسار نهر الفرات عن كنز من ذهب ،
والاستشراف النبوي لصراع الدول الإسلامية مع إسرائيل ، و الاستشراف بظهور قائد سياسي عربي يتصف بالقوة و البطش ،
و الاستشراف النبوي لحالة الاقتتال الداخلي بين بعض الجماعات الإسلامية ،
و الاستشراف النبوي لحالة التبعية الفكرية و السياسية للأجنبي ،
و الاستشراف النبوي للانفتاح السياسي و الاقتصادي في جزيرة العرب ،
الاستشراف النبوي لحالة التباهي بالمساجد و الأبعاد السياسية المعاصرة لذلك ، و اختتمت بالاستشراف لحالة اختلال الموازين و حيرة الحليم التي هي ابرز معالم المرحلة الراهنة التي نعيشها .
ويمكن اختصار علوم فقه التحولات في الرسم البياني التالي :

تعليق