الرئيسية مقالات أ. فاروق أبوسراج الذهب قراءة نقدية لبيان السياسة العامة 2022

قراءة نقدية لبيان السياسة العامة 2022

كتبه كتب في 3 أكتوبر 2022 - 12:50 م
مشاركة

الفرصة المتاحة … والرؤية الغائبة

ان الالتزام بعرض بيان السياسة العامة كاجراء دستوري يعتبر فرصة للنواب والسياسيين لتقييم برامج الحكومة لمجابهة الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية التي تراكمت ولم نتمكن من التخلص من انعكاساتها على حالة الغبن والعنت الذي تعاني منه فئات عريضة في المجتمع ،ورغم ان هذا العرض قضية اجرائية ودستورية عادية الا ان الحكومة تعتبر ذلك من الانجازات لان الحكومات السابقة إستغنت عنه لانها اصبحت لا تتحمل النقد والتقييم والاستماع الى الاصوات التي تعارضها او تقترح بدائل اخرى اكثر نجاعة.
ولكننا نعتبر هذا العرض سانحة مناسبة للتقييم وتقديم البدائل والمقترحات في اطار التدافع الايجابي الذي يستهدف بناء اقتصاد نامي ومتطور ومنتج للثروة التي تدفع باتجاه التموقع السريع في المنظومة الاقليمية والدولية التي تعرف تخولات متسارعة،والتقييم عندنا ليس فقط اثبات مااذا كانت الاهداف قد تحققت بل السعي.الى تحديد تاثيرات السياسة العمومية اي مجموع التأثيرات السياسة عمومية على المجتمع في معناه الواسع والتمييز بين الآثار التي ترجع الى النشاط العمومي الذي تتم النظر فيه اي “المقيم” وكذا تأثير العوامل الخارجية و مختلف التدخلات.فالتقييم بهذا المعنى يستهدف تطوير وتحسين معالجة المشكلات وتطوير السياسات ثم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
اما الرقابة فهي تجمع بين التحليل والتقييم والتقويم ايضا والجزاء والعقاب لان معرفة ومعالجة نقاط الضعف قد يقتضي تغيير المسؤولين الذين فشلوا في أداء مهامهم او عرقلوا سير البرنامج او عجزوا.عن الفعل بسبب ضعف الكفاءة او الفساد.
وللقيام بعملية التقييم ينبغي تحديد معايير محددة ومتفق عليها حتى نتمكن من تطوير وتحسين السياسات.
لذلك سنعتمد في هذه القراءة النقدية الكلية على معيار لانتوساي gov9400 والذي يقترح خمسة معايير لتقييم السياسات العمومية وهي :
الإنسجام.
الفعالية
النجاعة
الملائمة
التأثير واستدامة الآثار.
وقبل الانطلاق في عملية فحص وتدقيق مضامين الفصول الخمسة التي جاء بها بيان السياسة العامة للحكومة لابد من التذكير بالدستور وما يمكن أن يترتب على عرض بيان السياسة العامة فالمادة 98 من الدستور تتحدث على أنه يجب على الحكومة أن تقدم سنويا إلى المجلس الشعبي الوطني بيانا عن السياسة العامة. وتعقب بيان السياسة العامة مناقشة عمل الحكومة.
يمكن أن تختتم هذه المناقشة بلائحة.
كما يمكن أن يترتب على هذه المناقشة إيداع ملتمس رقابة يقوم به المجلس الشعبي الوطني طبقا لأحكام المواد 15 و 154 و 155.
للوزير الأول أن يطلب من المجلس الشعبي الوطني تصويتا بالثقة. وفي حالة عدم الموافقة على لائحة الثقة يقدم الوزير الأول استقالة الحكومة.
في هذه الحالة ، يمكن رئيس الجمهورية أن يلجأ ، قبل قبول الاستقالة ، إلى أحكام المادة 147 أدناه. ولا يقر هذا الملتمس الا اذا وقعه
(1/7) عدد النواب على الأقل .
المادة 154 : تتم الموافقة على ملتمس الرقابة بتصويت أغلبية ثلثي (2/3) النواب .
ولا يتم التصويت إلا بعد ثلاثة (03) أيام من تاريخ إيداع ملتمس الرقابة.
تلك هي المواد التي تتحدث عن بيان السياسة العامة وتعطي الفرصة للتدافع الايجابي بين الكتل السياسية بهدف التصحيح والتصويب والاستدراك على اعتبار ان توقف الية التدافع والنقد والرأي والرأي الاخر مؤذن بتجذر ظاهرة الفساد لان الاصلاح مرتبط سننيا.بمحاربة الفساد بكل أنواعه واشكاله( ولولا دفاع الناس بعضهم لبعض لفسدت الارض).
ومن خلال اطلاعنا على بيان السياسة العامة فاننا نفدم الملاحظات الكلية التالية:
1/ بيان السياسة العامة يبرر العجز عن تنفيذ بعض السياسات والبرامح بتأثير الازمة الصحية العالمية والعملية العسكرية لروسيا في اوكرانيا واذا كانت الازمة الصحية تعتبر سبب موضوعي حيث تم تقليص الميزانيات وتراجع النمو والغلق الدولي العام وتراجع أسعار البترول الى ارقام قياسية الا ان الازمة الروسية الاوكرانية اعطت الدول الريعية فرصة لا تعوض على مستوى ارتفاع أسعار الغاز وبروزها كحل لازمة اوروبا الطاقوية و تراجع الضغط على ميزان المدفوعات وانتعاش احتياطات الصرف والميزان التجاري.
2/ مخطط عمل الحكومة لم يعتمد على التخطيط بالاهداف القابلةللقياس ولم يعطي آجال للانجاز.مما يعسر عملية التقييم والرقابة البرلمانية والسياسية والمؤسساتية.
3/ بيان السياسة العامة عبارة عن تقرير سنوي لنشاطات واعمال الحكومة حيث اعطانا وثيقة بيانات اعلامية لكنه لم يرق الى مستوى التقييم والتقويم.مما يسوغ.عملية النقد والتدافع بهدف الاستدراك والتصحيح من خلال الغابات السنوي ومنها قانون المالية 2023. حيث سنترك الحديث عن ايجابيات وانجازات بيان السياسة العامة للحكومة الى الاغلبية البرلمانية التي تسند الحكومة وتوافق على سياساتها رغم اظهار بعض النقد.

4/ مرجعية بيان السياسة العامة تعود الى المخطط الرباعي 2020-2024 لكنها تفتقر الى وجود رؤية إستراتيجية شاملة كما انه لم يحدد لنا نسبة التقدم في تجسيد المخطط الرباعي.
5/ اشكالية توازن العلاقة بين الاستقرار السياسي والاستقرار المؤسساتي واثره على عملية الانجاز فالتغييرات المتسارعة على المستوى الاداري المركزي والمحلي اصبح ظاهرة تدل على حالة عدم التعافي من الزلزال الذي احدثه الحراك الشعبي الذي لم ترق السياسات العمومية لتلبية الاحتياحات التي عبر عنها وفي مقدمتها الاصلاح السياسي والاقتصادي والتغيير الجذري للممارسات البيروقراطية التي أجلت الاصلاحات و عمقت حالة الاحتقان والاحباط .مع تسجيل قفز غير مسؤول على ضعف نسبة المشاركة في الانتخابات ومخاطرها على مستقبل العمل السياسي والية الانتخابية كسبيل الاصلاح والتغيير.
6/ يتضمن بيان السياسة العامة على اكثر من 40 مشروع قانون لمعالجة حالة العجز وهو مايبرر وجود فقرات هي عبارة تطلعات وآمال اكثر منها انجازات ولاسيما في بعض القطاعات منها الصناعة ب.اما عن عدم إصدار النصوص التطبيقية فحدث ولا حرج.
7 / تقرير وزارة العلاقة مع البرلمان حولت الرقابة البرلمانية من سلطة الى وظيفة.
8/ لم تتمكن الحكومة من الاستثمار في أسعار البترول في اعادة هيكلة الإقتصاد الوطني نقصد هيكلة الواردات ومراجعة الاتفاقيات والتعبير عن الانضمام الى تكتلات اقتصادية جديدة.
9/ تقديم ارقام متواضعة لبرنامج مناطق الظل الذي استخدم كقاطرة العدالة الاجتماعية فالارقام المقدمة تتحدث عن 24 الف مشروع و672 عبر 10000 منطقة في 334 بلدية تجسد فيها البرنامج يعني 1207 بلدية لا يوجد فيها مناطق ظل بالتعريف الحكومي في حين يوجد اكثر من 800 بلدية مفلسة .
10/ مايزال النموذج الاقتصادي المختار للجزائر الجديدة يعرف التردد والاضطراب
فبيان السياسة العامة يبني النموذج على المعرفة والابتكار في حين نجد ان البلاد مازال يعاني من صعوبات كبيرة في مشروع التحول الرقمي وضعف تدفق الانترنت بالرغم من وجود إمكانيات يتحكم فيها بالتقسيط وفي أوقات محددة حيث كانت أقوى في فترة الالعاب المتوسطية وعادت الى الضعف والانقطاع المستدامة .
11/ كما نسجل التأخر في مشروع الدفع الالكتروني و امكانية الحصول على البطاقات البنكية .فبيان السياسة العامة يتحدث على تعميم استلام 40 الف تاجر لاجهزة الدفع في مقابل وجود مليون ونصف تاجر متحصل على سجل الكتروني و مليونين و 200 الف تاجر مسجل ..يعني نسبة تغطية ضعيفة جدا 2.6بالمئة.
كما يتحدث البيان عن تزويد 1629 مدرسة ابتدائية بلوحات رقمية من عدد 20 الف و272 مدرسة يعني بنسبة 8 بالمئة.
12/ تردد وارتباك الحكومة في تجسيد بعض الخيارات التي تتطلب اجماع وطني كملف التحويلات الاجتماعية الذي تم التراجع عنه بعد مصادقة مجلس الوزراء والبرلمان عليه ومازلنا الى اليوم الملف قيد التأجيل.
13/ محدودية الزيادات في الاجور والمعاشات في التأثير على رفع القدرة الشرائية للمواطن .
14/ تأثير منحة البطالة على سوق الشغل والتكوين المهني وعدم وضوح ارتباطها بتسيير ملف البطالة وعدم الافادة من اخطاء وكالات التشغيل وصناديق البطالة التي لم تتمكن الى اليوم من معالجة ناجعة المشكلة بل ستكون عبارة عن قنبلة موقوتة في حالة وقوع هزات مالية متوقعة في سوق النفط .
15/ عجز الحكومة عن ضبط السوق ومعالجة اشكالية الندرة المتكررة لبعض المواد الحساسة التي تعرف ارتفاع اسعارها بدون رادع قانوني وضبط لاسواق الجملة وعمليات التوزيع الفوضوية .
16/ بيان السياسة العامة تحدث ايضا عن محور اساسي في عمل الحكومة وهو استرداد الاموال المنهوبة فهو يتحدث عن تنفيذ 43 انابة قضائية دولية من 219 انابة. ولكن لم يقل لنا نتيجة هذه الإنابات.القضائية وعمليات الاسترجاع لنعرف جدوى هذه الإنابات.كما ان البيان لم يعطي ارقام عن الصلح الجزائي مع بارونات الفساد الذي تحدث عنه قانون المثالية 2022.
17/ التردد الكبير والفشل الذريع في تسيير ملف السيارات والحديث عن غياب دفتر شروط واقعي مع ارتفاع جنوني لاسعار السيارات.
18/ العود الى الثقافة الاشتراكية في اعادة هيكلة القطاع العمومي التجاري باعتماد شركة عمومية لانتاج العربات وتركيبها تضم 40 مؤسسة.
19/ عدم جدوى وجود مناطق صناعية مع حصولها على مساحة كلية غير مستغلة حيث تم استرجاع 1500 هكتار حيث يوجد 694 منطقة صناعية لكنها لاتعكس الحاجة إلى عدد كاف.من المؤسسات القطاع الخاص للمساهمة في التنمية مع تسجيل انشاء مؤسسات الشباب لكنها ماتزال تفتقر الى التوجيه وتحديد المجالات والمرافقة الناجعة وتكرار اخفاقات مشاريع شباب لونساح والتامين على البطالة.

20/ مازلنا ننتظر التطوير الاستراتيجي لقطاع الطاقة والمناجم من اجل مساهمته في تنويع الاقتصاد و الخروج من التبعية للمورد الواحد حيث لم ترد فقرات تتحدث عن مدى التقدم في مشروع الطاقات المتجددة من خلال مراجعة قانون المناجم وتسريع مشروع الانتقال الطاقوي الذي يسير ببطئ شديد ولا سيما مع اعطاء الأولوية لمشروع الفوسفات المدمج ومشروع الزنك والرصاص ومشروع غار.جبيلات
21/ التاخر الملحوظ في مراجعة قانون المناجم بما يضبط عملية استغلال معدن الذهب الذي يستغل ويسير اليوم بحلول تقليدية وظرفية.
22/ ماتزال الولايات العشر الجديدة في معاناة المهام والصلاحيات والتجهيز ونقل الادارات والمقرات ولما تتمكن من القيام بواجب التنمية الى اليوم.
23/ ومازال الى اليوم قانوني البلدية والولاية وتسيير المخاطر والكوارث لايمثلان اولوية بالنسبة للحكومة فبيانها يتحدث عن تأجيلها الى العام القادم كما ان قانون العمل النقابي وقانون الاحزاب والاعلام ووضعية ادماج 16 قناة فضائية في المنظومة الاعلامية الوطنية يراوح مكانه بالرغم من الأولوية التي يحظى بها في سياق التحولات الراهنة.
24/ كما ان مراجعة قانون القرض والنقد المزمع تعديله ليس فقط من اجل ترقيعه بمطابقته القانون العقوبات والقانون التجاري وقانون مكافحة الفساد بل من اجل اصلاح بنكي ومصرفي شامل يحول البنوك والقطاع المصرفي من مجرد شبابيك الى شريك في التنمية والاستثمار.
وبتطبيق المعايير الخمس لتقييم السياسات نخلص الى ان بيان السياسة العامة بالرغم من أنه احترم شكلية العرض السنوي لبيان السياسة العامة الملزم لها دستوريا ورغم وجود فرص مالية مريحة للاستدراك والتصحيح في مقابل توترات غير مسبوقة في البيئة الاقليمية.والدولية التي كما تعتبر تهديد يمكن تحويلها الى فرصة.. ورغم ذكر بعض الارقام التي يستدل بها على حالة التقدم الا ان الاداء الحكومي اخفق في معالجة متغيرات المعادلة الداخلية حيث لم يكن هنالك اي أثر ايجابي يصنع حالة الرضى لدى المواطنين ويطمئن المجتمع على المستقبل، بل زاد من حالة الحيرة والاحتقان والاحباط رغم تسجيل حالة تقدم نسبي.في معالجة اكراهات المعادلة الخارجية وعلى راسها النجاح في تنظيم العاب البحر الابيض المتوسط و السعي لرأب الصدع الفلسطيني من خلال مشروع المثالية وانعقاد الجامعة العربية .لكن تثبيت وتعزيز هذه المقاربة يحتاج لاستمراريتها في التقدم الى مسار توافقي سياسي واجتماعي يمتن الجبهة.الداخلية ويوفر فرصة الأقلاع.

تعليق