الرئيسية مقالات الدكتور عبد الرزاق مقري أنصار انتخابات 12/12 والعلاقات الجزائرية الفرنسية

أنصار انتخابات 12/12 والعلاقات الجزائرية الفرنسية

كتبه كتب في 12 أكتوبر 2022 - 11:00 ص
مشاركة

أنصار انتخابات 12/12 والعلاقات الجزائرية الفرنسيةأعدت الحكومة على جناح السرعة النصوص التنظيمية لقانون الاستثمار على غير العادة مقارنة بالعديد من القوانين الأخرى. لا شك أن هذا أمر جيد باعتبار حاجة الجزائر الملحة للاستثمار،

غير أن اللافت هو السرعة التي أقبل بها الوفد الفرنسي للاستفادة من هذا التطور الجديد. يقال بأنه كان للفرنسيين دور خبرة مهم في بلورة قانون الاستثمار الجديد ونصوصه، وربما ها هم يأتون قبل غيرهم للاستفادة منه، لا شك أن حصول المعلومة عندهم عن الجزائر أسرع وأسهل!لم تستفد الجزائر من العلاقات المميزة مع فرنسا، فلقد امتصت خيراتِنا واستعملت أموال بترولنا لتحريك مصانعها ودعم فلاحيها وتنمية مؤسساتها الخدمية، مصانع كبرى مفلسة أنقِذت بالطلبيات الجزائرية، وبقيت تسمم أوضاعنا الثقافية، وتقف دوما ضد توجهاتنا الدولية.

ولكن رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه يبشران بأن هذه المرة ستكون انطلاقة جديدة في العلاقات مع فرنسا.

لست أدري هل ستكون لصالح الجزائر، أو على الأقل لصالح الطرفين، والله لا أظن ذلك. فرنسا دولة استعمارية تسببت في تفقير الشعوب الافريقية التي استعمرتها، وفي الوقت الذي تثور فيه هذه الشعوب عليها يقول حكامنا أن العلاقة معها في أعلى مستوياتها تاريخيا.

من يعلم؟ لعل اللوبيات الفرنسية داخل الجزائر أقوى من اللوبيات الفرنسية في الدول الافريقية! لا يوجد شيء ذو بال في الاتفاقيات التي أبرمتها رئيسة الوزراء الفرنسية “بورن” مع رئيس الوزراء الجزائري “أيمن”، أغلبها تعبير عن نوايا، سوى الاتفاقات التي تهم فرنسا فقد تم إبرامها بشكل قطعي مثل الاتفاقيات حول القطاع الفلاحي، والمدارس التعليمية، وهياكل دعم المؤسسات، وهي كلها قطاعات متخلفة في فرنسا أو استغلالية، وتحمل مخاطر جمة لاقتصادنا وثقافتنا.

أما القضايا الخلافية فتم التصرف معها وفق الإرادة الفرنسية، أي السكوت عنها، بمعنى إهمالها. نحن نتحدث هنا عن قضايا الذاكرة التي اقتصرت هذه المرة على هدية فرنسية لقِطعٍ نقدية تاريخية جزائرية هي في الأصل ملكنا، ونحن نتحدث كذلك عن ملف التأشيرات الذي سُيِّر وفق الشروط الفرنسية، أي اختيار الجزائريين المفيدين لفرنسا لدعم هجرة عقول بلادنا ورؤوس أمواله، أما التأشيرات المتعلقة بمصالح الجزائريين العاديين التي لا حد لها في فرنسا فلا ينظر لها.

دون أي اعتبار للعدد الهائل للعلاقات العائلية الجزائرية مع المقيمين من شعبنا فيها، ولا أي اهتمام بحقيقة أن الدول المستعمِرة في العالم بأسره يتوجه إليها سكان البلاد المستعمَرة التي حطمها الاستعمار وأغرقها في التخلف وسلم حكمها لأتباعه والمتأثرين به، فهؤلاء السكان لا حيلة لهم إلا أن يتوجهوا لقضاء احتياجاتهم في العمل والصحة والتعليم وغير ذلك. ونحن نتحدث كذلك عن ضرورة الاعتراف والاعتذار والتعويض الذي لن يسقط بالتقادم رغم تنازل السلطات الحالية عن ذلك.

ويمكننا أن نتحدث كذلك عن السكوت عن إيواء رأس المنظمة الانفصالية التي اعتبرها المسؤولون، أصدقاء فرنسا، منظمة إرهـ.ـابية، وكذلك السكوت المطبق عن حقيقة أن السياسة المغربية تجاه الصحراء الغربية داعمها الأول والأساسي والدائم والشرس هو فرنسا. فلست أدري، تبعا لذلك، كيف أن الحساسية تجاه المغرب شديدة منذ سنوات طويلة، وحليفها الاستراتيجي الذي يسندها في أوربا وفي افريقيا وفي العالم بأسره لا تتوجه له هذه الحساسية.

في كل الأحوال، لا يوجد شيء جديد في زيارة “بورن” ووفدها الكبير للجزائر، فهو كما يدل عليها اسمها، في التعريف القاموسي لاسم وفعل “بورن”: العلاقات “محددة” و “محدودة” بمعالم صلبة لن تتغير، وعقول النخبة الفرنسية “متصلبة” لا تتغير، وأفق العلاقات محدود.

كل ما في الأمر أننا سنفيق بعد مدة بأن فرنسا وحدها هي التي استفادت من هذه العلاقات. لم تكن العلاقات الفرنسية الجزائرية تمثل مشكلة لدينا كعلاقة بين دولتين، ولكن الذي نرفضه، والذي سنبقى نحاربه، هو علاقة التبعية والتفريط في مصالح بلدنا، وقبول تأثير اللوبيات الفرنسية، الذي كان ولا يزال مستمرا.

غير أن الشيء الذي أردت أن أقف عنده في الختام هو التذكير بأننا لم نشارك في الانتخابات الرئاسية 12/12 لأن الشعب كان لا يزال في الشارع وقررت مؤسساتنا أن لا نخون الحراك الشعبي، ولكن لم ندع لمقاطعتها لأنه في الأخير ستعود الانتخابات إلى مجراها الذي كانت عليه لأن حالة الانقسام التي كانت تجري في الشارع لم تكن تبشر بالخير.

ولكن! السؤال المطروح: ما هو شعور أفراد الكتلة الشعبية الكبيرة الذين ساندوا الانتخابات بحجة أن الدولة الجزائرية قد استقامت وأن الحكام الجدد سيقطعون “دابر فرنسا” وسينهون وصايتها علينا؟ كان الاتهام الموجه للذين دعوا إلى مقاطعة الانتخابات أنهم أولاد فرنسا، فماذا تقول الأغلبية الساحقة التي ساندت الرئيس وتوزعت بين كل المرشحين؟ ماذا يقولون والذين تحققت أهدافهم هم الذين دعوا إلى مقاطعة الانتخابات واستعملوا العنف في فرنسا لمنعها؟ هل سيراجعون ما كنا نقوله لهم بكل حب وإشفاق بأن ما كانوا يعتقدونه بأن الزمن زمن نهاية النفوذ الفرنسي بإرادة رسمية فوقية وهمٌ عظيم، وحيلة خبيثة استعملتها المخابر لتفويت فرصة حقيقية للتغيير؟نحن نحترم آراء الجميع ولكن أرجو أن يكون تصريح المسؤولين بأن العلاقات الفرنسية الجزائرية قد وصلت إلى المستوى الأعلى تاريخيا، وما يرونه من فًرشٍ مستمر للبساط الأحمر لحكام فرنسا، قد أحدث هزة في العقول؟

تعليق