الرئيسية مقالات أ. فاروق أبوسراج الذهب الأصل السابع : المسارات الأربعة المتوازنة للإصلاح والتغيير والنهوض(01)

الأصل السابع : المسارات الأربعة المتوازنة للإصلاح والتغيير والنهوض(01)

كتبه كتب في 21 نوفمبر 2022 - 1:00 م
مشاركة

نتجدد معا … ننهض معا

شرح الأصول السياسية العشرين

الأصل السادس : أزمة بناء الدولة سبب اضطراب مناهج التغيير (02)

بقلم: د. فاروق طيفور

 

الأصل السابع : استثمار الفرص مقدم على دفع التهديدات،وجلب المصالح مقدم على درأ المفاسد ،حيث وجب التحول من حركات وجماعات رد فعل إلى دوائر ومؤسسات للفعل ،فالفساد السياسي يقابله الإصلاح السياسي وكلما اتسع الإصلاح ومشاريعه انحسر الفساد وأدواته والعكس صحيح ،والفرصة ينبغي أن تستثمر بذكاء كي تتوسع وينخرط فيها عدد لا بأس به من الذين يحوزون ملكات توسيع مساحاتها وبرامجها في مقابلة التهديدات التي تحيط بالمشروع العام ،ولا ينبغي الاهتمام بحجم ونوع التهديدات وصرف أوقات متزايدة في الكتابة عنها ونشرها عند من لم يدركها ونضيع الفرص المتاحة في البيئة الخارجية لنصنع منها قلاع وحصون لمواجهة تلك التهديدات وبناء مؤسسات النفع العام لتحقيق مصالح العباد بما يدرأ المفاسد ويقلص من حجمها وانتشارها بأفعال مجتمعية مؤسسية يسندها خطاب النهي عن المنكر بعد الأمر بالمعروف .

عملية التغيير والإصلاح والنهوض عملية تقع في العقل والذهن قبل أن تتحول إلى مشاريع وبرامج وسياسات تجسد في الواقع وإذا لم تتمكن تلك الرؤى والمقاربات التغييرية والإصلاحية والنهضوية  من العقل وتتمكن من المشاعر والعواطف لتصبح تتحكم في السلوكات اليومية لأصحابها فإنها لن تنتقل إلى واقع يعيشه الناس ويتخذون من أصحابه نماذج وقدوات يلجؤون إلى محاكاتها وتقليدها والاحتكام إليها في حالات الفرح والحزن والأزمات ،سواء كانت تلك السلوكات متعلقة بالأفراد أو بالمؤسسات التي ينشئونها في المجتمع ،وإذا ما كنا قد تعرضنا إلى الإشكاليات المتعلقة بنظرية التغيير والإصلاح بفحص الأساليب والمسارات التي ينبغي فتحها وتدقيق النقاط المركزية في عقدة التخلف والتنمية التي تعاني منها أمتنا ،وبعيدا عن استعراض تجربة الإصلاحية الإسلامية التي وصلت إلى واقع نهضوي متقطع يتعلق الأمر بمشروع الجامعة الإسلامية لجمال الدين الافغاني ورؤى ومقاربات محمد رشيد رضا ومحمد عبده ومحمد إقبال أو المشروع النهضوي العربي الذي أسس له الطهطاوي وخير الدين التونسي وعبد الرحمان الكواكبي والشيخ محمد حسين النائيني التي اعتمدت على مركزية الدولة القومية أو تعلق الأمر بتجربة الصحوة الإسلامية التي حققت الاستنهاض بلا إصلاح باعتمادها على مركزية الأمة في مقابل الدولة القطرية ،وإذا كانت تجربة الإصلاحية الإسلامية قد اعتمدت على ما يمكن تسميته “الثورة الثقافية” في اتجاه المجتمع والجمهور العام كسبيل لتحقيق النهضة فان الصحوة الإسلامية التي أسس لها الإمام حسن البنا وأبو الأعلى المودودي وابن باديس قد اعتمدت على ما يمكن تسميته بـ “الثورة السياسية” من خلال التنظيمات والنخب والكوادر كسبيل لتحقيق النهضة ونتج عن ذلك نتيجة مختلفة من استراتيجيات الدعوة لكل منهما حيث اعتمدت الإصلاحية الإسلامية على التربية والتثقيف والاجتهاد كمداخل لبلوغ الهدف وتحرير الوعي الإسلامي من عوائق النهوض ،بينها اعتمدت الصحوة الإسلامية أسلوبا دعويا  يعتمد على التربية والتثقيف المنتقى بالإضافة إلى التجنيد والتعبئة والتحشيد للأنصار وتشكيل رأي عام مبني على الروح التنظيمية والحزبية ، وإذا كان من الناحية النظرية الأمر يبدو فيه تكامل بين المدرستين  حيث لم تكن بينهما قطيعة إلا بعد استشهاد الإمام حسن البنا رحمه الله حيث نشأت مذاهب حركية جديدة تنكبت طريق الاجتهاد و البدائل الجديدة التي عملت على ترسيخها الإصلاحية الإسلامية والصحوة الإسلامية على عهد الإمام البنا لتعود النقاشات حول مفردات مؤسسة لفكرة التغيير والإصلاح سيما تلك المتعلقة بالدولة والتنمية والعلاقات المجتمعية الداخلية والخارجية فبدأنا نسمع مذهب التكفير السياسي والديني والسلفية التي مسكت بالنقيضين نقيض الفتوى بعدم الخروج على الحاكم(السلفية المدخلية )  ونقيض آخر يخرج على الحاكم بالسلاح (السلفية الداعشية) ، وهي مرحلة احالتنا على ثنائيات متناقضة ومتصارعة لما نتمكن من حلها برؤى تعددية البدائل تصنع من الاراء المتنوعة فرصة لصياغة رؤية مشتركة ، نذكر منها مثالا وليس حصرا : إشكالية العلاقة بين الديني والسياسي سواء الداخلي أو الخارجي (تجديد الخطاب الديني بين دوافع ومبررات ومجالات الداخل والخارج) وكذلك العلاقة بين التربوي- التعليمي والسياسي الداخلي (التربية المدنية كشرطٍ أو كداعم للتحول الديموقراطي)، وأخيرًا: العلاقة بين أنماط التفاعل الحضاري (حوارًا أو صراعًا من أجل التجديد الذاتي أو الإلحاق والتبعية الحضارية) وبين آفاق الاستقلال وبناء منظومة القوة الشاملة، حيث أضحى حوار الثقافات أو صراعها في صميم الفعل السياسي داخليًّا وخارجيًّا.وهي تجارب ومذاهب سنعود إلى التفصيل فيها في حينها إن شاء الله حيث سننظر إليها بمنظور استراتيجي حضاري وسطي ،وهو المنظور الذي يمثل السبيل لتجاوز الثنائيات والاختزالات التي سادت حالة الفكر عن مشروعات النهوض السابقة. كما أن هذه المفاهيم تولد ثلاث مجموعات من المتطلبات كما نادت بذلك الدكتور نادية مصطفى: أولها، توجه مستقبل الأمة، وثانيها، أولويات مستويات النهوض ومجالاته، وثالثاها، عملية بناء الاستراتيجية وتحديد السياسات والبرامج.

والمقصود بالاستراتيجي  هنا هو المنظور الذي ينتقل بالفكر من المعرفي والفكري والنظري إلى العملي، وتصبح السياسات العامة هي حلقة الوصل بين التأصيل الفقهي والحضاري وبين التنزيل على الواقع بصورة عملية. ومن ثم، فإن تحديد مستويات هذا التصور ومجالاته والعلاقات البينية التي تجدلها وتضفرها معًا خطوة نحو صياغة السياسات العامة.

وهي قضايا تحتاج إلى تفصيل ومزيد إدراك ، لكن هذا الأصل السياسي السابع سيهتم بشرح الخطوط  والمسارات الأربعة للتغيير والإصلاح والنهوض من الناحية العملية على اعتبار إننا تعرضنا إلى ماهو نظري في الأصول السابقة .ونقصد بالمسارات الأربعة في الإصلاح والتغيير ،هي السياسات والبرامج والمشاريع التي يمكن استخدامها لتحقيق تقدم وانجاز متكامل في :

  1. المسار السياسي،
  2. والمسار المجتمعي ،
  3. والمسار الحضاري ،
  4. ومسار المعادلة الإقليمية والدولية ،

على اعتبار أن صياغة رؤية تكاملية مفصلة لهذه المسارات الأربعة يمكن أن يحقق الانجاز المأمول في المرحلة القادمة وأي تناقض أو إهمال لمسار من هذه المسارات  سيعوق المسيرة أو يؤجل تحقيق أهدافها ، كما أن طغيان مسار على مسار سيعطل المسارات الأخرى أو في أسوأ الأحوال سيستخدم من الأطراف المتربصة بالمشروع بغرض الإلحاق أو الاستيعاب في رؤى ومقاربات تنهك قدرات أصحاب المشروع لكنها لا تحقق الانجاز المطلوب ، حيث يصبح من الضروري إعطاء وقت كافي للحوار المشترك والجماعي  والجاد للنخبة التي تقع على عاتقها مسؤولية إنضاج المشروع بعد تحديد تعريف متجدد له يأخذ بعين الاعتبار التغيرات الجذرية التي حدثت في الماضي  والإخفاقات التي رافقته والانجازات التي تحققت والتحولات المستقبلية التي ستقع في العشرية القادمة ،ليسهل بعد ذلك  الصياغة الكبرى للمسارات المستقبلية للمشروع بخطوطه الأربعة لتصبح هي البوصلة التي تتجه إليها الأنظار،وتصرف فيها القدرات البشرية والزمنية والمالية ،التي تستطيع استثمار الفرص بعد إدراكها واحتضانها على اعتبار أنها ناضبة ولا تنتظر في مقابل التهديدات التي تمثل مخطط مستدام للأطراف المتربصة بالمشروع من اجل إفنائه وهدم أسسه وإلحاق الفروع بمخططاتها التي تتجدد مع كل ظرف وفي كل حين فرقابتها على المشروع يومية ، لذلك نحرص على ضرورة الاهتمام باقتناص الفرص النادرة التي تتاح أمام المشروع وأصحابه وتحويلها باقتدار إلى وسيلة قوية لمقابلة التهديد اللصيق بالفرصة ،وإضعاف أثره وتأثيره على المسارات الأربعة المذكورة أعلاه ،كما أن فكرة الفرصة متعلقة مباشرة بجلب المصالح  التي لا يمكن أن تنقطع ،وبتعظيمها وجمعها وتكاملها يمكن أن تحاصر المفاسد التي تعتبر جزءا أساسيا من مخطط الأطراف المتربصة بالمشروع ،لتصبح ملكة جلب المصالح  وعقلية برمجتها بتعظيم نتائجها وتوسيع آثارها أسلوبا لتراكم الانجاز في المسارات الأربعة ،وكلما زادت ونمت المصالح التي ينبغي بناء ذهنية جديدة على أساسها تتعامل بروح الايجابية والاستيعاب والاحتضان درأت المفاسد  وانحصرت  إلى حدود طبيعية ،وبهذه الروح الجديدة في التعامل مع المفاسد والمصالح  يمكننا أن نتحول من حركات وجماعات رد فعل(على المفاسد التي تمثل برنامجا للأخر) الى دوائر ومؤسسات للفعل(بتوسيع الخير وتحقيق المصالح ومراكمتها في إطار المسار الذي تقع فيه المفسدة لتقابلها المصلحة مباشرة ولا تتأخر )  ،فالفساد السياسي يقابله الإصلاح السياسي وكلما اتسع الإصلاح ومشاريعه انحسر الفساد وأدواته والعكس صحيح ،والفرصة ينبغي أن تستثمر بذكاء كي تتوسع وينخرط فيها عدد لا بأس به من الذين يحوزون ملكات توسيع مساحاتها وبرامجها في مقابلة التهديدات التي تحيط بالمشروع العام ،ولا ينبغي الاهتمام بحجم ونوع التهديدات وصرف أوقات متزايدة في الكتابة عنها ونشرها عند من لم يدركها ونضيع الفرص المتاحة في البيئة الخارجية لنصنع منها قلاع وحصون لمواجهة تلك التهديدات وبناء مؤسسات النفع العام لتحقيق مصالح العباد بما يدرأ المفاسد ويقلص من حجمها وانتشارها بأفعال مجتمعية مؤسسية يسندها خطاب النهي عن المنكر بعد الأمر بالمعروف .

وإذا كنا قد أدركنا مضامين ومحاور المسار السياسي والمجتمعي باعتبار الممارسة السابقة وطبيعة علاقة التكامل بينها مع طروحات ثنائيات الفصل والوصل والتمايز فان استصحاب المسار الحضاري ومسار المعادلة الإقليمية والدولية  كمسارات متجددة مستقلة عمليا عن المسارات السابقة ولكنها في نفس الوقت متداخلة ومتشابكة إلى درجة تشكيل وحدة متماسكة لا يمكن الفصل بين بعض مكوناتها إلا برؤية عملية وليست فكرية على اعتبار أن مربع الإصلاح والتغيير  والنهوض تتكامل فيه أضلاع المسارات الأربعة لتحقيق المنجز النهائي ،هذا الاستصحاب يتم على مستوى الرؤية الكلية الكبرى للمشروع العام الذي ينبغي أن يمثل بوصلة ابتكار المستقبل ،بوضع ميزان تقديري غير تفاضلي بين المسارات الأربعة للتغيير والإصلاح  والنهوض،يضطلع بصياغته ومرافقة تجسيده عقل استراتيجي جماعي مدرك لأهمية المسارات الأربعة وواعي بطبيعة العلاقة بينها وله القدرة على وضع المقادير المناسبة والبهارات ملائمة لتوازن التنزيل والتجسيد في الواقع .

تعليق