الرئيسية مقالات أ. فاروق أبوسراج الذهب الأصل الثامن فرصة التقييم: وعثرة التفكير و التخطيط الاستراتيجي (01)

الأصل الثامن فرصة التقييم: وعثرة التفكير و التخطيط الاستراتيجي (01)

كتبه كتب في 4 ديسمبر 2022 - 12:47 م
مشاركة

نتجدد معا … ننهض معا

شرح الأصول السياسية العشرين

الأصل الثامن : فرصة التقييم: وعثرة  التفكير و التخطيط الاستراتيجي (01)

نظرية التمتين والصبر الاستراتيجي

بقلم: د. فاروق طيفور

الأصل الثامن : التفكير والتخطيط الاستراتيجي جسور هامة لتمتين نقاط القوة ورعايتها  واهتبال الفرص واستثمارها بتأسيس المؤسسات المتخصصة  في المجالات الحيوية التي تتكفل بالرفع من منسوبها وتوزيع الكفاءات والموارد عليها بشكل منظومي مقدم على الاستغراق في وصف نقاط الضعف وسيادة الشكوى وانتشار النجوى والفشل في معالجتها ،لان رعاية الأول(نقاط القوة) سيحل إشكالية الثاني(نقاط الضعف) والاستثمار في (الفرص) سيقلص حجم (التهديدات) ،ودائرة الفعل هي دائرة القوة وفن التمتين يسبق فقه التمكين.

تعتبر فرصة التقييم لحظة فارقة في تاريخ الجماعات والأحزاب والمنظمات لأنها لحظة تزودهم بمدى تجسيد تلك الرؤى والأهداف الحالمة التي تمثل مفاتيح خطاب أساسية لتغذية الأنصار وتحفيزهم للمساهمة في تجسيد الغايات الكبرى للمشروع الرسالي الذي ينتمون إليه ، وتعد الجلسات الدورية للشورى والمؤتمرات الخماسية الفضاء الأرحب لممارسة عملية أساسية في الإدارة الإستراتيجية لأي مشروع على اعتبار انه مهما كانت الرؤية حالمة والأهداف عميقة وواقعية وتمثل حاجة لردم الفجوة بين الحقيقة والوهم ،إلا أنه إذا لم توفر لدى القيادة المركزية والمحلية إدارة إستراتيجية تقوم على رباعية (التنظيم والتخطيط والمتابعة والتقييم) فإنها تتحول إلى مجرد شعارات ترفع هنا وهناك فتتطلع إليها الحشود ولكنها لا تكاد تجد لها طريقا إلى التحقيق والتجسيد  وبدل أن تدفع نحن الأمل والرفع من الإنتاج الفردي والجماعي فإنها تنتج الإحباط واليأس والتخلي والاستقالة المعنوية غير المعلنة ،لأنها تفتقر إلى حاسة الإدارة الإستراتيجية الميدانية التي تنظم وتخطط وتتابع وتقيم، فبعد ثلاثة عقود من العمل في إثني عشرة مجالا فتحت في بداية التعددية ، خلصنا كممارسين لعملية تنزيل الرؤى إلى الواقع وكأننا نوظِّف مناهج وأساليب التغيير والتطوير بطريقة عكسية، وكأننا نعمل نسبيا بالمقلوب؛نحن نخطط ونرفع الحالة للبيئة الداخلية والخارجية ونرسم الأهداف الإستراتيجية ونميز فيها مابين الهدف الاستراتيجي والفرعي ونستخرج المستهدفات المحلية ونحيط الفروع بها ونشرحها بأحلام كبيرة وهي عادة القيادة في عملية التحفيز والتشجيع والتسويق ،فعندما ننظر ونقرأ المخططات والبرامج والسياسات نجدها جادة وتتوفر على كل شروط التخطيط والبرمجة ، ورغم النتائج الايجابية المحققة في الميدان على كافة مستويات العمل ،لكننا نتفاجأ بقول من يعنيهم العمل على المستوى المحلي أننا نعاني من فجوة بين الرؤية المركزية والقدرة المحلية على التجسيد والتطبيق ، يقال هذا الكلام على مستوى كل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية الحزبية والمجتمعية وغيرها ،فأصبحنا وكأننا نريد تغيير المناضلين ليناسبوا الخطة والمنهاج أو نحاول تغيير الهياكل ومن هو مسؤول فيها ليناسبوا التوصيف الوظيفي والصلاحيات والمهام المنصوص عليها في القانون الأساسي والنظام الداخلي، فغيَّرنا مصطلح (التنمية البشرية) إلى (الاستثمار البشري) و(الموارد البشرية) إلى (رأس المال البشري)، لكن ممارساتنا وأداءنا لم يتغير، سمعنا وقرأنا آلاف الخطب التحفيزية، ومارسنا البرمجة اللغوية العصبية، وحصلنا على كل الشهادات المعتمدة، ، وحضرنا حلقات الجودة، وطبقنا الهندرة وبطاقات الأداء المتوازن، وقرأنا كتب العادات السبع  ثم العادة الثامنة والمبادئ العشر، وطبَّقنا معظم نظريات القيادة والفعالية والإنتاجية، لكن أداءنا لم يتغيَّر إلى المرغوب، بل ظلت نسب البطالة  والتسرب غير المعبر عنه ترتفع،وبات العمل يقتصر ويقاس بعمل بعض الأفراد الفاعلين فقط وغيرهم يتفرج وكأنه غير معني ، ،وكانت النتيجة التي تتبع أي فشل أو تأجيل في تحقيق الأهداف العزوف عن العمل الجماعي سواء كان السياسي أو غيره ،وبعد ذلك سن لسان النقد والنجوى والتعريض دون تقديم أي جهد ينضاف إلى كفة الانجاز ، على اعتبار أن الاقتصار على تعظيم نقاط الضعف في وصف الحالة ورفعها  مهما بذل من جهود فانه لن يتجاوز أفق الخروج من دائرة الفشل ،لكنه لا يحقق النجاح فضلا على التميز ، فهل المشكلة في التنظيم أم في التخطيط أم في المتابعة أم في التقييم أم فيهم جميعا ؟  وهل هنالك أخطاء نرتكبها في توصيف الحال ونجلد أنفسنا كثيرا حتى النخاع ؟ وهل هنالك طريقا وأسلوبا جديدا يمكنه أن يخرجنا من حالة السلبية إلى الايجابية أكثر ومن العزلة إلى المشاركة والمساهمة الفاعلة ،حيث سنستفيد من عملية التقييم الكلي لأعمالنا ونحن نقوم بعملية النقد والتقييم واقتراح الأساليب المتجددة للقيام على الأمر بما يصلحه ويطوره ويجدده فنرفع من المعنويات ونحدد الفجوات وننطلق بعد حصول عملية التقييم الصحيح والدقيق والمركز والمسئول إلى آفاق جديدة للعمل والفعل وليس إلى استقبال سياسات وبرامج الآخرين برد الفعل توسيعا لدائرة الوهم وانخراطا في إرادة الخصوم بدون إدراك أو شعور.

أن تجديد حاسة التفكير بطريقة جديدة غير تقليدية تقوم على تقوية مواطن القوة وتعظيم المنجزات التي تحققت هو السبيل إلى توطين المقاربة وتمكين المشروع وعلى هذا الأساس ينبغي أن تكون لنا الجرأة التنظيمية والسياسية في عملية التقييم للتقويم لان سبيل ملا التقارير بنماذجها المتنوعة أصبحت لا تكفي لمواجهة التحديات واهتبال الفرص  المتاحة في البيئة الخارجية .

التفكير الاستراتيجي والصبر الايجابي :

يعد التفكير الاستراتيجي واحدًا من أهمّ المهارات اللينة التي يسعى كل قيادي لاكتسابها وتطويرها، حيث أنّها عملية مستمرّة ومتطوّرة تحدّد الطريقة التي تخلص بها للاستنتاجات وتتخذ بها القرارات. إنها القدرة على التفكير خارج الصندوق، وتصوّر حلول جديدة للمشكلات القديمة، فضلاً عن أنّها تمكّنك من رؤية الفرص التي قد لا يلحظها الآخرون.و امتلاك مهارات التفكير الاستراتيجي سيكون بلا شكّ سلاحًا مميّزًا بين يدي المناضلين لمعالجة اغلب المشكلات في المؤسسات والمنظمات ،حيث تعتبر الأفكارُ روحَ التفكير الاستراتيجي، فكلّ ما نراه أو نلمسه أو نسمعه أو نتذوّقه منبعه من الأفكار، وحل أي إشكالية تطرحها ظاهرة سياسية أو تنظيمية أو اجتماعية يبدأ من التقاط فكرة جديدة وبنائها ،ويُقصد بمفهوم “بناء الفكرة” عملية العصف الذهني للخروج بأفكار جديدة والاطّلاع على الأفكار ذات التأثير المحتمل الأكبر على نجاح الأعمال. وحتى نتمكّن من بناء أفكار فعّالة ذات تأثير قوي، وجب الحرص  على تقييم كلّ فكرة ينطق  بها لسان يستهدف البحث عن الحلول وليس البحث عن عيوب الأفكار وجنونها ،وعموما يتم ذلك لدى الخبراء والممارسين باستخدام مقياس PIES، وهي كلمة من أربعة أحرف يرمز كلّ حرف منها إلى سمة معيّنة كالتالي: حرف P اختصار لـ Potential: أيّ قوّة الفكرة المحتملة وإمكانيتها في إحداث تغيير إيجابي. حرف I اختصار لـ Importance: أيّ مدى أهمية هذه الفكرة لعملك أو حياتك. حرف E اختصار لـ Ease: أيّ مدى سهولة أو صعوبة تطبيق هذه الفكرة على أرض الواقع. حرف S اختصار لـ Score: أيّ الدرجة التي تمنحها للفكرة هذه من 10. ولذلك فابرز سمات المفكّرين الاستراتيجيين هي: النظر إلى الأمام وتقبّل المستقبل بغضّ النظر عمّا يحمله وكذا الاستعداد للعمل بجدّ اليوم من أجل حصد المنافع في الغد. وعدم التقيّد بمبدأ “المُجرّب” و “الحلّ الأفضل” في القيام بالأمور. ينضاف إلى ذلك إعطاء الأهمية الأعظم للأفكار الأكثر تأثيرًا والتي يُحتمل أن تعود بالنتائج الأفضل والمكاسب الأعلى، بما يقود إلى تغيير منهجية التعامل مع موقف أو مشكلة معيّنة وفقًا للظروف الراهنة و الاستعداد الدائم لتعلّم أمور جديدة ومشاركتها مع الآخرين الذين غالبًا ما يتمّ وصفهم بالأفراد المبدعين الذين يفكّرون خارج الصندوق.

لكن الخلل الذي نسجله في ممارسات الأفراد والمؤسسات وهي تقود بعملية التفكير الاستراتيجي أنها لا تتحمل الوقت الذي يستغرقه التفكير  وقد ينظر البعض إلى التفكير على أنه مضيعة للوقت فضلا عن الصبر على ما تستغرقه عملية الانجاز ،فالاستعجال أصبح  الطبيعة الغالبة على الأعمال والبرامج ‘الفاست فود “والرغبة العاجلة في تحقيق منجزات مظهرية في اجل قريب في حين قد تحتاج الظاهرة المعالجة إلى زمن حيث الوقت جزء من العلاج ، والذي لا يقوى على قراءة مقال فضلا على تحليل دراسة أو تقرير وفحص مكوناته الأساسية أو قراءة كتاب يحلل الظواهر المستجدة ويقترح الحلول الجديدة  على اعتبار أن  الفكر البشري لا يتوقف” وعدم علمك بالشيء لا يعني أنه غير موجود “، وعدم الصبر على تجسيد خطة إستراتيجية ،سيعجز بالطبيعة على مناقشة وحل المشكلات الجديدة التي تطرأ على الحياة الجماعية في المؤسسات والمنظمات لأنه لا يمتلك الحاسة الإستراتيجية التي تنشط  جهاز اليقظة لدى الأفراد  والمؤسسات ، والتفكير الاستراتيجي  المنتج للمخططات الاستراتيجية يحتاج إلى صبر ايجابي كما يقولون قد نسميه “الصبر الاستراتيجي” المبني على اقتحام واجتراح الصعاب وليس الانحباس في سجن الغفلة والعجز والضجر،وهو المفهوم الحقيقي للصبر في منظور الإسلام، إذ أن مفهوم الصبر القرآني هو مفهوم خاص متميز غير الشائع لدى عامة الناس وحتى عند النخب العدمية ، صبر الرقود والسلبية، صبر العجز والكسل، صبر الشكوى والتذمر، ليس ذلك الصبر الذي يرضى به العاجز لتسكين الألم مع التشكي والضجر، ليس صبر المفعول بهم دائما، بل هو صبر الفاعلين الذين غيروا وجه العالم، ليس ذلك التخدير الذي يجتر به الناس حياتهم بكل آلامها ومعاناتها ومظاهر سلبياتها، فيتعايشون به مع واقعهم المرير الذي لا يملكون تغييره، المرادف للانتظار الفارغ من أي أمل، ومن أي رغبة أو عمل، كلا! الصبر القرآني هو الذي دعانا الله إليه بقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ( آل عمران :200 )، فانظر كيف أن الصبر هنا هو قرين المرابطة، وهو الذي أمرنا الله تعالى حال الشدائد بالاستعانة به على الصمود : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) ( البقرة :153 )، إنه صبر الهداية والإبصار عند حلوك الظلمات، واشتداد الأزمات، وأصحابه هم المبشرون ببلوغ الغايات، وعليهم تتنزل الرحمات، قال تعالى : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ) ( البقرة :155-157 )، إنه صبر الانتصار على المؤامرات، ودفع الكيد والمشكلات : (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا) ( آل عمران :120 )، هو نبتة التحدي الإيجابي الفاعل في وسط صحراء القحط السلبية، هو صبر المواجهة، صبر التحدي، صبر التغيير، صبر أولي العزم من الرسل الذين غيروا وكافحوا وجاهدوا، وتركوا آثارا لا تنسى على وجه الحضارة الإنسانية صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، إنه صبر الفعل والمفاعلة والتفعيل، الصبر على ذلك كله، وفي أثناء ذلك كله، وبعد ذلك كله، إنه صبر البناء والتشييد.

التخطيط الاستراتيجي ونظرية التمتين

بلا شك فإن اغلبنا ممن هم في الهياكل والمؤسسات تعلم في الممارسة الجماعية لتخطيط العمل تحليل الـ PEST وهو عبارة عن أداة عمل إستراتيجية تستخدمها المنظمات عادة لتقييم عوامل الاقتصاد الكلي التي قد تؤثر على الأعمال. حيث يتمّ من خلالها تحليل الفرص أو التهديدات التي قد تنجم عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية السائدة، واستخدام هذا المقياس يمدنا بالمعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات السليمة،كما تعلمنا في عملية التخطيط   تحليل SWOT (القوة (Strength): تعبّر عن نِقَاط القوة في المؤسسة التي تميزها عن المؤسسات الأخرى.والضعف (Weakness): تدل على عوامل الضعف داخل المؤسسة، ما العوامل المؤثرة سلبيًا على أرباح المؤسسة؟الفرص (Opportunities): تدل على الفرص المتاحة التي يمكن أن تستغلها المؤسسة لتحسين أحد نقاط الضعف وزيادة الفوائد .التهديدات (Threats): تدل على التهديدات الخارجية المؤثرة على المؤسسة، مثل ظهور منافس جديد له مميزات أفضل) الذي يساعد المؤسسات على تحديد نقاط قوّتها وضعفها بالإضافة إلى الفرص والتهديدات التي تقف أمامها. يعني يقوم بـ: (البناء على نقاط القوّة،تخفيف نقاط الضعف،اقتناص الفرص ،مواجهة التهديدات) ، إنّه باختصار يتيح للمؤسسات تقييم الوضع الراهن،وعلى الرغم من اختلافهما، فإنّ هذين التحليلين يكمّلان بعضهما البعض ولابدّ من إجرائهما بانتظام قبل البدء بأي عملية تخطيط. ومن نافلة القول والتذكير إننا أصبحنا نمتلك مهارات التخطيط واستخدام خاصة تحليل سوات الذي  يهتم بجميع العوامل المؤثرة في تقييم ونجاح العمل، إذ يهتم بالعوامل الداخلية الخاصة بالمؤسسة (نقاط القوة، نقاط الضعف)، والعوامل الخارجية  (الفرص، التهديدات)، وهو ما يسمى برفع الحالة في البيئة الداخلية والخارجية وعلى أساس ذلك نصيغ الأهداف الإستراتيجية ،ومع وجود هذا المسار الذي ينبغي تعميقه إلا أننا نقوم بجهد كبير في رفع الحالة وصياغة الأهداف لكننا نغفل عن قضية جوهرية تعتبر سببا في عدم تحقق منجزات فاعلة وقوية تحدث التغيير المطلوب وترفع من نسبة التنافسية في البيئة الخارجية بما يحقق جاذبية مؤثرة في المجتمع ،فنحن نعرف نقاط القوة والضعف ونعرف أيضا الفرص المتاحة والتهديدات المحيطة ولكننا نتنكب الطريق في صياغة الأهداف التي تعالج نقاط القوة لتنقلها إلى مستوى التميز والانجاز و نقاط الضعف لتقليص الهوة بين الرؤية والممارسة ،وتستفيد من الفرص المتاحة استثمارا وتتجنب التهديدات الخطيرة التي قد تؤجل تحقيق النتائج المنتظرة ،وهو المسار الذي يجعل من تلك الفرص تضيع وتلك التهديدات تتمكن حيث تزيد في حالة الضعف وتشكك في مؤشرات القوة المسجلة ،وهذا الحال يتكرر مع كل فرصة تتاح للتقييم وإعادة بناء النصوص الناظمة للعمل والخطط والمشاريع ،ذلك أننا في حاجة ماسة إلى فقه جديد للتعامل مع آلية التخطيط الاستراتيجي بما يفرز لنا بيئة جديدة فعالة وفاعلة تحقق التقدم في تحقيق الانجاز المنتظر وإلا أصبح كل ما ننفقه من أوقات في التقييم والجلسات مجرد صيحة في واد نفخة في رماد نكرر بها أنفسنا ولا نتقدم خطوة .

طبعا المشكلة ليست في آلية التخطيط فهي معتمدة في اغلب المؤسسات التي حققت نجاحات باهرة ،ولكن الخلل في فهم عملية التخطيط والتعامل الستاتيكي(الثابت) مع مستوياته ومراحله ،وأول خطوة في الحل هو الاستفادة القصوى من ثمار الجهد الاستثنائي المبذول في رفع الحالة ودراسة البيئة الداخلية والخارجية حيث استثمار الفرص مقدم على الاستغراق في التخويف من التهديدات وتمتين نقاط القوة مقدم على الانشغال بمعالجة نقاط الضعف .وقد يقول قائل أن تجنب التهديدات ومعالجة نقاط الضعف هو المدخل للحل ونقول للأسف لا، صحيح أن التركيز على التهديدات في عملية التدافع المجتمعي يكون له فائدة على مستوى التعبئة والتحفيز والجاهزية  لكن لا يجب أن يسيطر علينا منطق هيمنة التهديدات حتى نصبح مرضى بفوبيا التهديد واستشراف المحن والبلاء ثم يعوقنا الخوف والتخويف عن استثمار الفرص المتاحة أمامنا  والتي تقوينا وتفتح لنا المجالات الحيوية التي نبحث عنها فنؤسس المؤسسات المتخصصة التي تتكفل بالرفع من منسوبها وتوزيع الكفاءات والموارد عليها بشكل منظومي لا يجعل المجتمع شريكا فيها فحسب بل نملكها له فيدافع عنها ويطورها ،وغير ذلك يمكن عمليا  للتهديدات الموضوعية فضلا على المتوهمة ويجعل المجتمع ينصرف عنا حتى لو أسسنا الهياكل لتسكنها الأشباح.

فالتركيز على استثمار الفرص واهتبالها وتقوية نقاط القوة هو المدخل لتصحيح عملية التخطيط وهو الفقه الجديد الذي ينبغي أن نهتم به ونكون عليه الأجيال الجديدة لتقدم الأحسن وتعيش في بيئة سليمة ومنتجة توفر للمشروع والرسالة فرص الوصول إلى تحقيق الانجاز المنتظر.

ولإسناد هذا الأصل من أصول التخطيط القائم على أولوية الإفادة من الفرض وتقوية نقاط القوة نستعرض معكم نظرية إدراية جديدة تسمى نظرية التمتين كطريق للتمكين أسس لها الخبير الإداري نسيم  الصمادي فالتمتين حسبه هو نقطة التقاء الذكاء الفطري بالمهارة الشخصية، أو نقطة تقاطع الرغبة مع القدرة. فهو توافق بين ما تتوق لأن تفعله وما يمكنك أن تفعله. والتمتين مُصطلح إداري حديث يُعنى بتلك النشاطات والعمليات الإدارية للبحث والكشف عن نقاط القوة لدى الفرد، والعمل على تعزيزها وتحفيزها وتقويتها لمزيد من التميز في الإبداع والابتكار، وتحسين الأداء في العمل، بدلًا من التركيز على جوانب الضعف فقط؛ بهدف تحويلها إلى قوة مما يُسبب هبوط ملكات القوة الموجودة أصلًا لدى الفرد إلى مُستوى أقل من التميز؛ نظرًا لعدم الاهتمام بها والتركيز عليها.وقد حفل لقُرآن الكريم  بهذا المعنى عندما ربط القوة بالمتانة كصفة مميزة “إن الله هُو الرزاقُ ذُو القُوة المتين”، وفي اللغة العربية الشيء المتين هو القوي الشديد أو القوي الصلب، والتمتين تقوية القوي بينما التقوية يُقصد بها تقوية الضعيف، وهُنا المتين صيغة مُبالغة من القوي. كما كشف لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن هنالك قوة ضعيفة حينما اشتكى إلى الله ضعف قوته : “اللهُم إني أشكُو إليك ضعف قُوتي”، وهذا دليلٌ على أن القُوة يُمكن أن تكُون ضعيفة، وهذا لا يُمكن حُصُولُه في مرحلة التمتين. فالمتانة هي أعلى مراتب القوة؛ لهذا يجب التركيزُ على جوانب القوة في الشخصية الإنسانية، والعمل على تنميتها وتدعيمها لتُصبح متينة. فالتركيزُ على نقاط الضعف يُمكن أن يُحولها إلى نقاط قوية، ولكن تكُون إنتاجيتُها مُتوسطة، بينما التركيز على جوانب القوة تكُون إنتاجيتُها مُتميزة، فنجاح أي مُؤسسة أو فرد اليوم هو بتمتين نقاط القوة، لا بتقوية نقاط الضعف فقط دُون غيرها.

وعلى الرغم من أهمية هذا المُصطلح في مجالات العملية الإدارية في مُختلف المُؤسسات، وعلى مُستوى الحياة الشخصية أيضًا، فإنه أكثر أهمية في مجال التربية والتعليم والنضالية في الأحزاب السياسية الرسالية ؛ حيث يُمكن تفعيل هذا المفهُوم وتطبيقه في توجيه العملية  النضالية ومساراتها وفق نقاط القوة لدى المناضل.

فهُناك من المواهب والملكات الفريدة لدى الكثير من المناضلين والموظفين التي يجب التركيز عليها، والعمل على تنميتها وتوجيهها في المسار الصحيح، وهذا يتطلب وُجُود مسارات مُتنوعة ، فقيمة كل امرئ فيما يُحسن، وكل مُيسر لما خُلق له.وهذا التوجه عند الأخذ به يتطلب جُهُودا كبيرةً ومنهجية علمية في وضع المعايير والمقاييس المُناسبة لتحديد مواطن القوة والضعف .

ومفردة التمتين تبدأ بحرف (التاء) ويقوم على أربع (تاءات) هي: التعيين والتوقع والتحفيز والتطوير. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فالقيام بهذا العمل يقوم على معرفة الفرق بين: المهارة والمعرفة، والسلوك والعادة، والدافع والموهبة، وما الذي يمكن تغييره في شخصية الإنسان، وما الذي يجب تثبيته وعدم الاقتراب منه.  وقد درجت المؤسسات والحكومات على القول إن الإنسان هو رأس المال الحقيقي، وهذا صحيح عندما نضعه في مكانه الصحيح. ولكن عندما يعمل الإنسان في الوظيفة الخطأ، فهو -بلغة المحاسبة والاقتصاد- في خانة «الخصوم» لا في خانة «الأصول»، فأغلى ما نملكه هو الإنسان الممتن والأمين والمنتج. المتانة ترتبط دائماً بالرزق والأمانة: «إن خير من استأجرت القوي الأمين». وهذا مبدأ إداري وحضاري وتنموي عظيم. وبالاعتماد على فقه تقوية عناصر القوة والاستثمار في توسيع الفرص،سنتحول بالمنطق الواقعي والميداني إلى حركات فعل في كل المجالات تجلب المصالح وتوسعها فهي مقدمة عندها على دفع المفاسد ، فننفع وننتفع ونمتد في الآفاق الفسيحة فيتقوى المجتمع بنا ونتقوى به ليفرز بعد ذلك قادته وحكامه ، حركات ومؤسسات مهتمة بالفعل والعمل وتقوية هياكلها وأدوات عملها وليست منخرطة فقط في قيل وقال وكثرة السؤال ،وقد كشفت الأبحاث في عن ست مهارات يشترك فيها القادة الإستراتيجيون الذين يتميزون بمواصفات رئيسية تمكنهم من تعديل منهجية ممارسة التخطيط الاستراتيجي وهي : رفع تحدي وجهات النظر بإدارة التنوع بكفاءة،و القدرة على تفسير البيانات الغامضة ،و توقع التحديات ،و القابلية ً للتعلم. والجسارة والحسم  ثم محاذاة الآراء المختلفة.و حتى لا نتحول إلى حركات رد الفعل سوف نتحدث في الحلقة القادمة على قانون الفعل ورد الفعل وكيف يؤثر ذلك في سلوك الأفراد والمؤسسات نحو الإيجابية والتقدم في تجسيد الأهداف وتحقيق الغايات .فالوائد المنتظرة من التخطيط الاستراتيجي لن تصل مداها في حياة المؤسسة بدون سيادة ثقافة إستراتيجية متينة لدى أبناء المؤسسة بمختلف التخصصات تتسم بالروح الايجابية في التعامل مع البيئة الخارجية والداخلية والتوازن في التشخيص الموضوعي والواقعي على قاعدة تمتين مواطن القوة وتدعيمها واهتبال الفرص واستثمارها بجودة وحيوية وفعالية واستدامة.

تعليق