د. بن عجمية بوعبد الله
أستاذ أكاديمي باحث
إن المطلع على الدساتير والقوانين السارية المفعول في الدول النامية يشعرك للوهلة الأولى بأنها جنة على الأرض، لما تنص عليه من حقوق وهامش كبير من الحرية على مستوى النص والتشريع، إلا أن مقارنة النص مع تجلياته وانعكاساته على أرض الواقع به الكثير من نقاط الاستفهام في الدوس على هذه القوانين، بل واستخدامها على حسب الهوى والرغبة غير المقننة.
وفي مقدمة هذا المقال يمكن الإشارة إلى بعض الملاحظات المهمة التالية:
- الدساتير والقوانين الراقية ينبغي لها أيضا عقلية راقية تسهر على تنفيذها.
- الدساتير والقوانين مهما كانت موادها ومضامينها غير قابلة بأي حال من الأحوال للتجزئة، فإما أن تطبق كاملة وإلا لماذا التنصيص عليها في الأصل.
- التنصيص القانوني على الحرية والديمقراطية ومختلف الحقوق ليست شعارا نتغنى به على الأوراق، بل هو ثقافة يجب أن نتربى عليها ونعكسها في ممارسات حقيقية على أرض الواقع.
- الأصل في الحقوق المنصوص عليها دستوريا وقانونيا أن ترقى في كل تعديل وتضاعف ضماناتها لك تتعزز أكثر، أما التراجع عنها فهو ضرب من التيه والديكتاتورية والاستبداد التي قد يبتلى بها أي مجتمع، كما يحدث في أغلب الأقطار العربية.
الاحتجاجات والاضرابات في الجزائر. اللانهاية:
تعتبر الجزائر واحدة من أكثر الدول التي تعرف قطاعاتها وبخاصة قطاعي “الصحة” و”التعليم” إضرابات واحتجاجات في كل سنة، وقد بدأت مع نهاية السنة المنقضية وتفاقمت سنة 2018 بكل قوة واستمرارية دونما الوصول إلى حل بين نقابات القطاعات المعنية والسلطات الوصية، ولعل أبرز هذه الاحتجاجات المستمرة التي لم تحل إلى الآن:
- إضراب المدارس العليا للأساتذة دونما الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، ما يعزز فرضية السنة البيضاء أكثر.
- إضراب الأطباء المقيمين ومشهد الاعتداء عليهم ووصول المفاوضات بين الأطراف المعنية إلى طريق مسدود، ما يجعل القطاع على فوهة بركان.
- إضراب متقاعدي الجيش والأسلاك المشتركة وهو الاضراب المتجدد كل مرة دونما الوصول مع هذه الفئة الحساسة إلى حلول مرضية ومعقولة، بل ووصل التصعيد إلى حد المحاولات لقطع الطريق السيار في جهات متعددة من الوطن.
- إضرابات قطاع التربية المتكررة في كل موسم.
مآخذات وجب التنبيه إليها:
من غير المعقول التنبيه بأن الإضراب هو حق دستوري مكفول في كل دساتير العالم ومنها الدستور الجزائري مهما طال أو قصر الاضراب ومهما كان شكله، والذي من المفروض التعامل معه على أنه حق، والسلطات الوصية مجبرة قانونا على التعاطي معه، غير أننا في الجزائر نلاحظ ما يلي:
- التعامل العنيف مع هذه الإضرابات والذي ليس له أي مبرر قانوني أو مصوغ واقعي، خاصة أن أغلب الإضرابات كانت بطريقة سلمية وحضارية عبر فيها المضربون على حقوقهم الذين يرون أنها مشروعة.
- منع الاعتصامات والمسيرات والذي لم يبق له أي مبرر خاصة بعد رفع حالة الطوارئ سنة 2011، والذي من المفروض أن يسمح تلقائيا بالمسيرات والتظاهر السلمي في الشارع كنتيجة منطقية وحتمية لرفع حالة الطوارئ.
- منع التظاهر في العاصمة والذي لم يعد له هو الآخر أي مصوغ والذي يخضع لتعليمة ولا يوجد قانون أو ما يمنع من استثناء العاصمة من التظاهر.
- طول هذه الإضرابات من حيث عنصر الزمن وعدم الوصول إلى الحل، ما يعتبر في حقيقة الأمر مؤشرا سلبيا جدا سينعكس على القطاعات المعنية انعكاسا غير إيجابي.
- تشدد السلطة قابله تشدد كبير للنقابات المضربة وهو الذي أدى إلى تأخر الحل.
- غياب الحوار سيؤزم الأوضاع والسلطة وجب أن تتحمل مسؤوليتها كاملة في هذا الموضوع، لأن الحل بيدها في طرح خارطة طريق معقولة لإيقاف هذه الإضرابات، وذلك بالحوار ولا مخرج إلا بالحوار غير المشروط والجاد.
المطالبة بالتراجع عن حق الإضراب. الحملة المضادة:
بغض النظر عن حرب لي الذراع وكسر العظام بين مختلف النقابات المضربة والقطاعات الوصية، فإنه من غير المعقول والمقبول أن تطل أصوات تنادي وبالصوت المرتفع من وجوب منع الإضراب كحق مهما كانت مبررات هذا المطلب من أن مستقبل أولادنا في خطر أو أن الخدمات بالمستشفيات متذبذبة، فالنخب الواعية هي التي تحافظ على المكتسبات الموجودة والتي جاءت نتيجة نضالات كبيرة وتضحيات جسيمة ولا يجوز تحت أي ظرف أو بمقتضى أي مبرر أن تلغى بمجرد جرة قلم، وبدل المطالبة بالتراجع عن الحقوق الدستورية المكتسبة وجب المطالبة بتعزيز ثقافة الحوار وإشاعة منطق التوافق الذي يتنازل فيه الجميع لأجل المصلحة العليا للبلاد، فمن المفروض ألا يخيف السلطة إضراب أو تربكها مسيرة لساعات قليلة. فالمكتسبات النقابية والحريات خطوط حمراء لا ينبغي مجرد التفكير في التراجع عنها لتبرير عجر هنا أو تقصير هناك. فمهما كانت الأوضاع الحالية تدعو للقلق والنقاش إلا أننا في الجزائر نتمتع بهامش من الحريات –غير كاف-ولكنه مقارنة بدول أخرى يمكن استغلالها كمساحات معقولة للدفاع عن الحقوق المهضومة.
تعليقات الزوار ( 0 )