الرئيسية مقالات أ. فاروق أبوسراج الذهب تجديد الثقافة السياسية كمدخل للبناء الديمقراطي استشرافا للموجة الخامسة

تجديد الثقافة السياسية كمدخل للبناء الديمقراطي استشرافا للموجة الخامسة

كتبه كتب في 1 فبراير 2021 - 8:20 م
مشاركة

خالص السياسة

هندسة العمل السياسي المشترك (03)

البناء الديمقراطي الحقيقي بحاجة إلى تشكيل ثقافة سياسية جمعية نابذة لكل الصراعات الطائفية والقَبَلية والذوبان والتموقع في بوتقة الدولة الواحدة، تحت سقف الديمقراطية التي تحفظ حقوق كل الأقليات والمذاهب والانتماءات، بالشكل الذي يزكِّي مقومات الدولة الحديثة.

وعليه ،فتشكل ثقافة سياسية جديدة يعد مدخلا أساسيا للبناء الديمقراطي ،لانها تهتم أساسا بالبعد القيمي للديمقراطية عبر استثمار قنوات التنشئة الاجتماعية والسياسية ، وليس اختزال البناء الديمقراطي في سياقه المؤسساتي او الاجرائي فقط، فعمليا لا يمكن أن ننجح في كسب رهان إحداث تمايز بين الثقافة السياسية التقليدية التي انتجها النظام السياسي عبر منظوماته المتنوعة عبر عقود من الزمن فهو بلا شك عمل على طبع المجتمع بطبائعه الاستبدادية بدون شك في مقابل ضعف أدوات ومؤسسات التنشئة الديمقراطية التي تقوم بها الاحزاب السياسية والمجتمع المدني المستقل عن النظام السياسي ،”ودون التأسيس لثقافة سياسية جديدة قائمة على أساس غرس واستنبات قيم سياسية جديدة تؤطر العلاقة بين المواطن والسلطة والطبقة السياسية قوامها الحرية والكرامة وضمان العيش الكريم والحوار كآلية لفض النزاعات وحل عقد الاشتباكات السياسية والثقافية المتنوعة” ،وذلك من خلال الاستثمار في بعض المنطلقات المحورية لتثبيت أساسيات تجديد الثقافة السياسية ،وهي استنهاض الوعي وغرس قيم الديمقراطية من خلال قنوات التنشئة السياسية وتعزيز المشاركة للمواطنين واخراجهم من حالة الاستقالة والعزوف .

ونهتم كثيرا بتجديد الثقافة السياسية لانها المدخل الرئيسي لتجديد الطبقة السياسية على مستوى طريقة التفكير و أدوات العمل وأساليب فك عقد التنمية وكذا أفضل الممارسات في التنافس السياسي ،على اعتبار ان الثقاف السياسية تعتبر مؤشرا أساسيا من مؤشرات قياس وتقييم الانتقال الديمقراطي في التجربة العالمية .

تكريس “ثقافة التوافق السياسي” في تدبير المرحلة الانتقالية

ومن المحاور الأساسية لتجديد الثقافة السياسية ترسيخ وتعليم ثقافة التوافق السياسي في تدبير المرحلة الانتقالية التي نسميها نحن (الانتقال الديمقراطي ) فالمطلوب من كل القوى السياسية والمجتمعية الانخراط الإيجابي في إنجاح الاستحقاق الديمقراطي بغضِّ النظر عن هويتها الأيديولوجية والسياسية، “على أساس أن تتشكَّل أرضية للحوار الجاد والتفاهم والتوافق على مجموعة من المنطلقات والبناءات والمرجعيات والمبادئ التي من شأنها أن تؤسس لعملية الانتقال الديمقراطي في سياق تحصين مطالب ومكاسب الحراك السطحية والعميقة، التي شكَّل الشباب معصمها وجوهرها.”

كما أن الاحتكام إلى الآليات الديمقراطية بمنطق الأغلبية العددية لا يمكن بمفرده أن يكسب الرهان دون البحث في إيجاد “توليفة جامعة” بينها وبين “خلطة التوافق” التي تستوعب كل التيارات السياسية والمدنية، بغضِّ النظر عن حجم تمثيلها في المجتمع، لأن مرحلة التأسيس للديمقراطية تتطلب الاحتكام إلى احتضان واحتواء واستيعاب كل الآراء التي تخدم العملية الديمقراطية بدل إقصائها وتهميشها.

الحاجة إلى ثقافة سياسية جديدة لتعزيز البناء الديمقراطي الحقيقي

إن للثقافة السياسية تأثيرًا كبيرًا على النظام السياسي بوجه خاص والحياة السياسية بوجه عام؛ إذ “تدفع الأفراد والجماعات إما باتجاه الانخراط في النظام السياسي أو تدفعهم باتجاه اللامبالاة والسلبية السياسية”، وحسب تقدير (فيربا وألموند)، فإن “التوافق بين الثقافة السياسية والبنية السياسية ضروري لتأمين استمرار النظام السياسي، فإذا حصل التفاوت بينهما، يتلكأ النظام ويتعرض حينئذ للزوال، ومع ذلك لا يكون التوافق كاملًا على الدوام لعدم امتلاك الثقافة السياسية التجانس الكامل”.

والثقافة السياسية الجديدة التي تفترضها إستراتيجية الانتقال الديمقراطي هي “الثقافة التي تحمل النزعة النسبية في وعي السياسة والمجال السياسي محل النزعة الشمولية، وتحمل التوافق والتراضي، والتعاقد، والتنازل المتبادل، محل قواعد التسلط، والاحتكار، والإلغاء… إلخ”، فتفتح المجال السياسي -بذلك- أمام المشاركة الطبيعية للجميع، وتفتح معه السلطة أمام إرادة التداول السلمي عليها. هذا يعني أن “في قاع هذه الثقافة السياسية النظري مفهومًا مركزيًّا تأسيسيًّا للسياسة والسلطة، وهو أنهما -معًا بحسبها- ملكية عمومية للمجتمع برمته يلتقي معها أي سلم معياري تتوزع بموجبه أقساط ومستحقات السياسة والسلطة على قواعد الامتياز أو الأفضلية أو ما في معناها من أسباب السطو على الرأسمال الجماعي السياسي”.

إن كثيرًا من التناقضات والتوترات السياسية والاجتماعية الداخلية، لا يمكن معالجتها بدون ثقافة سياسية جديدة، تؤسس لنمط جديد من العلاقة والتواصل بين مكونات المجتمع وقواه قوامها التسامح والحرية وسيادة القانون وقيم حقوق الإنسان. فكثير من مشكلات الداخل في المجالين العربي والإسلامي، بحاجة إلى رؤية وحلول جديدة، تتجاوز النمط التقليدي في معالجة هذه المشكلات. فأزمات السلطة وعلاقتها بالمجتمع وتعبيراته المتعددة وطبيعة الموقف من التعدد والتنوع المذهبي والقومي والعِرقي المتوافر في العديد من المجتمعات، بحاجة إلى ثقافة سياسية جديدة، تعيد صياغة العلاقة وعلى أسس جديدة بين السلطة والمجتمع، كما أنه” لا يمكن تجاوز معضلات التمييز الطائفي والعِرقي والقومي، بدون ثقافة سياسية، تعيد إلى التنوع كينونته ومتطلباته، وترسي دعائم المواطنة وأسس الوحدة وفق رؤية وثقافة لا تلغي الخصوصيات الثقافية لكل فئة أو شريحة في المجتمع والوطن، دون أن تشرع في الانكفاء والانحباس في الذات”.

ترسيم وتحصين قيم الثقافة السياسية والبناء الديمقراطي

إن الترسيم والتحصين الحقيقيين لقيم الثقافة السياسية والبناء الديمقراطي يستندان إلى جملة من الموجبات والأساسيات والاشتراطات،

  • أولها: استنهاض الوعي السياسي الديمقراطي الذي يشكِّل منبع التفكير والسلوك الديمقراطيين،
  • وتأتي في مقام ثان التنشئة السياسية من خلال استحضار دورها المحوري في التربية والتأطير وغرس قيم الثقافة الديمقراطية.
  • وفي نفس المنحى تبرز أهمية ومحورية مصالحة المواطن العربي مع السياسة من خلال تعزيز المشاركة السياسية، وما يستتبع ذلك من “مأسسة السلطة”،
  • مع ضرورة تثبيت قيم الثقافة السياسية الديمقراطية مجتمعيًّا.

في الحلقة القادمة :

هندسة العمل السياسي المشترك (04)

أولوية اعادة بناء المواطنة  وصياغة معايير الانتقال الديمقراطي

 

تعليق

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً