الرئيسية أخبار وهم الدستور التوافقي..

وهم الدستور التوافقي..

كتبه كتب في 7 أكتوبر 2015 - 9:14 م
مشاركة

ما هو شائع عن الأنظمة الديكتاتورية التوجه البوليسية الوسائل المستبدة السلوك هو احتكارها للقرار وتفردها بالتسيير وتجاهلها لكل القوى الحية الموجودة على الساحة (أحزاب، مجتمع مدني، نخب…) إضافة إلى تسويقها للأكاذيب بهدف تغليف وعي المواطن وإيهام الرأي العام الداخلي والخارجي بأنها أنظمة تسعى لرقي شعوبها وازدهار أوطانها. في حين أن الحقيقة عكس ذلك تماما، فهي أنظمة خائفة وغير ديمقراطية ويظهر ذلك جليا في استغلالها لبعض الملفات وتسويقها لها للغرض المذكور سالفا، ومن بين هذه الملفات على سبيل المثال لا الحصر موضوع الدستور التوافقي الذي تحاول السلطة السياسية في الجزائر الظهور من خلاله بمظهر الحامي للديمقراطية والمحاور للمعارضة والمدافع عن الحريات.

ما معنى الدستور التوافقي..

في أدبيات الحياة السياسية المحترمة، وفي عرف الأنظمة الديمقراطية تعني كلمة الدستور التوافقي المفاهيم العميقة التالية:

  • فتح نقاش مجتمعي يشمل جميع الفعاليات السياسية والفكرية والأدبية والإعلامية من مجتمع مدني وأحزاب ومنظمات ونخب وطلبة وشباب وخبراء وأساتذة جامعات… وذلك في إطار استشارات حقيقية مبنية على الرغبة في الاستفادة من خبرات وتجارب ومقترحات كل الفاعلين في المجتمع. يقول “المستشار الغرياني” الذي كلف بمشاورات إعداد الدستور في عهد الرئيس المصري المنقلب عليه محمد مرسي قال: “وصلنا مليون اقتراح من كافة الفعاليات التي تمت استشارتها، والأبرز فيها أن طالبا جامعيا اقترح علينا دستورا كاملا من دباجته إلى نهايته”.
  • الدستور التوافقي يعني إجراء تعديلات عميقة تشمل عديد الأبواب والفصول والمواد ولعل أولها باب نظام الحكم وليس آخرها باب الحريات، فالتعديلات التي تطال القضايا الهامشية وبعض المواد التي لا يثير مضمونها الجدل سواء خضعت للتعديل أم لم تعدل لا يمكن أن نصفها على أنها تغييرات حقيقية وعميقة لتنجح ما يسمى بالدستور التوافقي.
  • من أركان وأسس الدساتير التوافقية في العالم بأسره هو احتواؤها على ضمانات ديمومة التوافق، كأن تعطى المعارضات ما يشبه “الفيتو” أيا كانت هذه المعارضات كي لا تتغول السلطة الحاكمة وتتفرد بالقضايا المصيرية والملفات الحساسة، ففي تونس مثلا والتي نجحت وإلى حد كبير في التأسيس لدستور توافقي منحت في المعارضة عديد الضمانات لعل أبرزها الموافقة على الميزانية التي باتت “فيتو” في يدها لا لكسر الذراع أو ابتزاز السلطة، ولكن لضمان التوافق ومنع التغول وسد الطريق أمام عودة الاستبداد والدكتاتورية.
  • الدستور التوافقي يجب أن تسبقه وطنية الأطراف الصانعة للتوافق، بالإضافة إلى تغليب المصلحة العامة على المصالح الذاتية والضيقة والحسابات السياسية والفئوية والتي تعتبر أفيون التوافق.
  • أما الضامن الأكبر للتوافق فهو الاستفتاء والموافقة الشعبية، الاستفتاء الحقيقي وليس الصوري أو المزور.

النظام الجزائري والتوافق:

عودنا النظام الجزائري وفي عديد القضايا والملفات بأنه نظام لا يؤمن بالتوافق، ولعل أكذوبة الدستور التوافقي التي يسوق لها خير دليل على أن التوافق لا يوجد في قاموس السلطة السياسية الحاكمة في الجزائر، وهذه بعض الشواهد والأدلة الحية:

  • طرح موضوع تعديل الدستور اقترن ولا يزال بالصراعات الموجودة في أعلى هرم السلطة، وليس لأن النظام لديه الرغبة والإرادة الصادقتين لتعديل الدستور ولو أراد إنجاح التوافق لفعل.
  • النظام السياسي يدرك بأن الدستور التوافقي سيقوي المعارضة وكافة القوى الحية داخل المجتمع الأمر الذي سيفقد النظام توازنه، ما يعني أن منطق التنازل ومغامرة التوافق سيحسب لهما النظام ألف حساب.
  • طرح الدستور التوافقي من قبل نظام لا يؤمن بالتوافق هو استجابة لضغط الخارج، ومحاولة القوى الأجنبية الكبرى ابتزازه والظفر بعديد المشاريع والاستثمارات، ولم تكن فكرة الدستور التوافقي أبدا رغبة من النظام في التشاور مع المعارضة والشخصيات الوطنية الوازنة في المجتمع، فالنظام كان ولا يزال ينظر إلى المعارضة نظرة الغريب الذي إذا أصاب لا يشكر وإذا اخطأ لا يغفر له.
  • التهجم الهستيري على المعارضة بحجة أنها هي من ترفض مبادرات السلطة، وهذا أسلوب ألفته المعارضة والحقيقة أن النظام السياسي هو من يرفض التجاوب مع المعارضة باتهامها بعدم الوطنية تارة وبأنها فاقدة للرؤية السياسية والحل من جهة أخرى، مع العلم أن “أرضية مازافران” تعتبر أرضية للحل، غير أن تعنت النظام هو من يحول دون جسر الهوة بينه وبين المعارضة التي لن يكون الحل إلا بها ولن يكون من دونها.
  • اللعب على وتر الوقت، فتارة يطفو موضوع الدستور إلى الواجهة حتى يخيل للمتابع بأنه أولوية بامتياز، ومرات عديدة يتم تعويمه ووضعه في الأدراج، ما يجعل المعارضة محقة وعلى صواب عندما قالت ولا تزال بأن موضوع تعديل الدستور بالطريقة المطروحة لا يهمنا ولا يعنينا على الإطلاق.

في الأخير نقول بأن أمام النظام السياسي فرصة تاريخية للتوافق على دستور حقيقي يضمن الانتقال الديمقراطي وتمدين الحياة السياسية ويحفظ ويحمي الحريات، أما التفرد بالقرار لن يؤدي إلا للمزيد من التأزيم الذي يتحمله النظام والنظام وحده.

تعليق

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً