الرئيسية أخبار عن قانون المالية 2016: مؤشرات تحول الدولة (أ)

عن قانون المالية 2016: مؤشرات تحول الدولة (أ)

كتبه كتب في 25 نوفمبر 2015 - 10:10 م
مشاركة
عن قانون المالية 2016 :
3 ـ مؤشرات تحول الدولة (أ).
إن النقاش غير المسبوق الذي يحدث في المجلس الشعبي الوطني بخصوص قانون المالية يدل على أن الأمر خطير، والمؤشرات السياسية لذلك هي مقاومة بعض نواب الأغلبية، والتصريحات التي صدرت في الكواليس من مسؤولين في الأغلبية في هياكل المجلس وخاصة في اللجنة المالية التي تفيد بأن عليهم ضغوطات كبيرة لتمرير بعض المواد في قانون المالية، ويقابل ذلك ظاهرة جديدة تتمثل في بروز نواب يرفعون سقف قيمة الرسوم المضرة بالمواطنين أكثر من الحكومة، وبعض هؤلاء يتهمهم زملاؤهم بأنهم مكلفون من قبل رجال أعمال للدفاع عن مواد محددة. وقد أدت هذه المقاومة التي تحالف فيها نواب المعارضة وفي مقدمتهم نواب تكتل الجزائر الخضراء مع عدد من نواب الأغلبية خصوصا من جبهة التحرير الوطني إلى إسقاط بعض المواد الخطيرة من التقرير التمهيدي مع ضغوطات شديدة لإرجاعها في الجلسة العامة. ومهما كانت نهاية التصويت ومدى ثبات بعض نواب جبهة التحرير الأصلاء في هذه الملحمة الكبيرة تحت قبة البرلمان فإن مشروع قانون المالية الذي قدم للمجلس الشعبي الوطني يدل على دخول الجزائر في مرحلة جديدة أصبح رجال الأعمال هم من يملك القرار الحكومي بدعم من قوى خارجية صارت لها اليد الطولى في توجيه مسارات الدولة الجزائرية وخياراتها ضمن السياق الذي تحدثنا عنه في المقال الأول من هذه السلسلة.
وحينما نقول بأن ثمة قوى خارجية تشرف على هذا التحول لا نبالغ البتة، فقد سمعت بنفسي من مسؤول كبير من الموالاة يقول لي شخصيا بأن كل القرارات المهمة التي اتخذها رئيس الجمهورية كانت بالتنسيق مع القوى الدولية، كما سمعت من وزير سابق حديثا مشابها سمعه من صاحب مكانة في مؤسسة مهمة في الدولة الجزائرية يخبره فيه بأن كل القرارات المهمة اتُّخذت بحضور مسؤول فرنسي كبير، وبالرغم من أن الأجواء السياسية قد تجعلنا نفهم بأن هذه التسريبات يقصد منا تسميم المعلومات ضمن صراع الأجنحة المعلوم فإن ما نراه من تحولات يجعلنا نميل إلى تصديق مثل هذه التسريبات. كما أنني كلما استقبلت دبلوماسيا من الدبلوماسيين الغربيين أشعر أنه يحاول إقناعي بضرورة التحول نحو تسليم الاقتصاد الوطني لرجال الأعمال للخروج من الأزمة حسب قولهم، وقد كان أحدهم واضحا لا يحمل عناء التحفظ في دعوته لتحمل “كسر البيض من أجل طهيه”، ولم يتحرج أحدهم في الدفاع عن رجل أعمال جزائري بعينه، وذهب آخر في بسط الحديث عن الفوائد التي تجنيها الجزائر من وجود مؤسسات بلده على أرض بلادنا. لم يكن الخلاف بيني وبينهم حول أهمية القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني ولكن عن سيطرة عدد قليل من رجال الأعمال على الثروة في البلاد، وسنبين ذلك أكثر عند حديثنا عن الحلول التي نقترحها.
إن هذا القانون هو بحق أخطر قانون عرفته الجزائر منذ سنوات وهو أداة عملية لتحقيق أهداف خطيرة نجملها في ما يلي:
ـ خوصصة المؤسسات الاقتصادية الاستراتيجية والمساس بالسيادة الوطنية.
ـ الانتقال من احتكار الدولة للثروة إلى احتكارها من قبل الخواص من داخل الوطن وخارجه.
ـ إلغاء الديموقراطية وإضعاف المؤسسات السيادية والرقابة على المال العام.  
ـ تفقير الشعب الجزائري.
ـ إثقال كاهل الدولة بالديون.
ولتوضيح حقيقة هذه الاستراتيجية الرامية لتحويل الدولة الجزائرية إلى دولة رأسمالية متوحشة تدور في فلك الأنظمة الغربية وعلى رأسها فرنسا نركز على المواد المهمة التي لو مرت يكون المجلس الشعبي الوطني قد اقترف جريمة حقيقية لن تمحى من صفحات التاريخ، ويكون النواب الذين صوتوا عليها هم نواب العار الذين ستلاحقهم الفضيحة وتلاحق أبناءهم من بعدهم تماما كما حال “الحرْكة” أثناء الثورة التحريرية الذين قد يكون بعضهم قد تاب إلى ربه، وربما يكون الله سبحانه الرحمن الرحيم قد قبلهم، ولكن التاريخ لم ينسهم وبقيت المذلة تلاحقهم، بل ألحق التاريخ بهم أبناءهم رغم براءتهم مما فعل آباؤهم. لا سيما وأنه لا يوجد إلى الآن ما يفرض على الحكومة أو النواب ما يجعلهم يتجهون هذه الوجهة في وجود بديل لا يزال صالحا إلى هذه اللحظة وهو بديل الانتقال الديموقراطي المتفاوض عليه الذي تعرضه المعارضة.
وتتمثل هذه المواد في ما يلي:
ـ المادة 66: وهي أخطر المواد على الإطلاق تفتح الطريق لاستحواذ الشركات العالمية العابرة للقارات على مؤسساتنا الاقتصادية الاستراتيجية مثل سونطراك وسونلغاز وغيرهما خلال خمس سنوات بشكل مباشر أو بواسطة رجال أعمال جزائريين متحالفين معهم، يؤدي ربما إلى التراجع عن تأميم المحروقات وشطب تاريخ 24 فبراير 1971 من الذاكرة الوطنية. إن هذه المادة تنص على أنه يسمح للمؤسسات الاقتصادية العمومية التي تنجز عملياتٍ لفتح الرأسمال الاجتماعي إزاء المساهمة الوطنية المقيمة، الاحتفاظ بنسبة: 34% من مجموع الحصص الاجتماعية .بعد انتهاء مدة خمس سنوات يمكن للمساهم المقيم رفع خيار شراء الأسهم التي تحوزها المؤسسة العمومية الاقتصادية إلى مجلس مساهمات الدولة. وذلك دون أي قيد لنوعية المؤسسات المعنية. وعلاوة على أن هذه المادة مخالفة للدستور في مادته 17 التي تنص على أن ((الملكية العامة هي مِلكٌ للمجموعة الوطنية)) فهي تمثل تحايلا غير أخلاقي على قاعدة 49\51 لإلغائها دون ضجيج باعتبار أن هذه القاعدة أخذت شهرة كبيرة وأصبحت مفهومة ومبسّطة لدى شرائح واسعة من المواطنين وتحول المساس بها إلى عنوان للخيانة الوطنية لدى الكثيرين. إنه حينما وقع الضغط على الحكومة بخصوص هذه القاعدة من قبل القوى الخارجية وخصوصا الفرنسيين الذين عبروا عن ذلك بشكل واضح ومفتوح بواسطة رئيس برلمانهم حينما زار الجزائر لم يستطع النظام السياسي مواجهة الرأي العام باتخاذ قرار صريح بإلغائها فالتف حولها بهذه المادة، مع العلم بأنه كان بإمكانه أن يحقق توافقا مع القوى السياسية والاجتماعية يؤدي إلى إلغاء هذه المادة بخصوص أغلب القطاعات مع المحافظة عليها في القطاعات الاستراتيجية فيحفظ مقدرات الجزائر ويصون سيادة البلد ويراعي حقوق الأجيال المستقبلية. ولكنه لم يفعل لأن ثمة خطة فعلية لتحويل الدولة الجزائرية تحولا دراماتيكيا نحو الرأسمالية الغربية.
المادة 53: وهي مادة وقع حولها صدام شديد بين النواب كادت تصل إلى الاشتباك بالأيادي وقد أدى هذا الحراك إلى الوعد بإلغائها في التقرير التمهيدي للجنة المالية الذي سيعرض على الجلسة العامة ويتمثل هذا القانون في إلغاء قانون الامتياز والانتقال إلى التمليك ضمن ظروف مريبة تؤكد بأن هذه المادة مصنوعة لتسوية وضعية ما ولترسيم صفقات تم إبرامها مع جهات مالية ما، وتنص هذه المادة على أن  تكون “الأراضي التابعة لأملاك الدولة والموجّهة لإنجاز مشاريع ذات طابع سياحي محل منح امتياز قابلٍ للتحويل إلى تنازل على أساس دفتر الشروط، بشرط الانجاز الفعلي للمشروع مثبت بشهادة مطابقة، ويكون ذلك  على أساس القيمة التجارية المحدّدة من طرف مصالح أملاك الدّولة”، والتي قد تكون بالدينار الرّمزي، مع خصم الأتاوى المدفوعة بعنوان منح الامتياز، إذا طلب المستثمر ذلك خلال سنتين من الانتهاء من المشروع. أي فور إنهاء المشروع تصبح الأرض التي بني عليها ملكا للمستثمر بإجراءات إدارية بسيطة، والأخطر من ذلك أن هذا التدبير يطبق بأثر رجعي ابتداءً من: 01 سبتمبر 2008م، ولا يوجد أي قيد يمنع تحويل طبيعة استغلال الأرض وقد يتوسع الإجراء ليشمل الأراضي العقارية والأراضي السياحية ضمن ظروف تسوء أكثر فأكثر تضعف فيها الدولة وتترهل ويتنامى فيها نفوذ أصحاب المصالح في الداخل والخارج.
اقرأ ايضا :

تعليق

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً