تمر اليوم الذكرى 28 لأحداث أكتوبر 88 التي ثار فيها شباب غير مسيس في شوارع العاصمة الشعبية بمطالب اجتماعية بحتة، أحداث أدخلت الجزائر بتعنت حكامها في نفق مظلم ما نزال ندفع ثمنه إلى يوم الناس هذا. دخلت الجزائر من خلال هذه الأحداث أيضا التاريخ في الثورة على الظلم والطغيان والاستبداد متقدمة سنوات طويلة على الربيع العربي الذي تشهده بلدان عربية عدة، فالشعب الجزائري كان السباق للاحتجاج والتظاهر في زمن كانت فيه الأنظمة الحاكمة أكثر قوة وصلابة وقمعا فكان الشعب بحق عرابا ومؤسسا للثورات المطالبة بالحرية والعيش الكريم.
ويمكن حصر المشهد وأسبابه وظروفه آنذاك فيما يلي:
– تفشي البطالة بشكل غير مسبوق.
– تزايد معدلات الفقر وانهيار الطبقة المتوسطة.
– الاعتماد الكلي على البترول وهو المرض العضال والتفكير القاصر للحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال.
– ندرة المواد الغذائية الأساسية مما ولد احتقانا رهيبا وطوابير العار للحصول على الحد الأدنى.
– ثقافة الحزب الواحد المهيمنة والرأي الواحد، والتوجه الاقتصادي الواحد، والصوت الإعلامي الواحد مما قضى على الذكاء الجماعي للجزائريين.
– فشل التوجهات الاقتصادية (الاشتراكية) المنتهجة من قبل السلطات آنذاك والارتماء في معسكر الاتحاد السوفياتي الفاشل فشل التوجه والرؤية.
– هيمنة العسكر على دواليب السلطة وإقصاء القوى الحية التي كانت تعارض وتناضل في السر والتي جوبهت بقمع منقطع النظير (محاكمات.. مضايقات.. نفي..).
– الارتباط بالأجنبي وانعدام سيادة واستقلالية القرار السياسي.
غير أن الملاحظ وبعد مرور 28 سنة على هذه الأحداث الأليمة ما يزال صانع القرار في الجزائر بنفس العقلية المستبدة والمهيمنة، وقد ظهر ذلك من خلال ما يلي:
– قمع المحتجين وإدخال البلد في فوضى عارمة، بدل التصرف بعقلانية وحكمة مع الأوضاع وتحقيق مطالب المتظاهرين المشروعة والسلمية.
– مواصلة سياسة الاعتماد الكلي على البترول، بدل أخذ الدرس وخلق اقتصاد بديل قوي عنوانه الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات.
– تدمير المواطن الجزائري وعقابه على حراكه السلمي والحضاري، بدل الاستثمار فيه وفي قدراته الهائلة، مما فسح المجال لهجرة الأدمغة ورفضهم العودة للوطن بعد أن تبددت أحلامهم وطموحاتهم.
– الديمقراطية المفبركة التي حاول النظام السياسي التسويق لها من خلال فتح المجال السياسي والإعلامي بدل تحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي.
شيوع ثقافة الخوف لدى المواطن واليأس والإحباط وانسداد الأفق، بدل الاستثمار في الإنسان وفق عقلية “وإن عدتم عدنا..” العودة للاحتجاج تساوي العودة إلى القمع.
– التزوير المستمر والممنهج للانتخابات منذ الانقلاب على الشرعية وتوقيف المسار الانتخابي، وصولا إلى آخر انتخابات وفرض ولاية رابعة على الشعب.
– النهب الممنهج للمال العام وتمركز الثروة في يد فئة قليلة ومستحكمة في حين تعيش الغالبية الساحقة من الشعب أوضاعا صعبة زادتها صعوبة وخطورة إجراءات التقشف غير المسبوقة التي فرضت على الجزائريين.
– استمرار أكذوبة الانفتاح والتعددية مطلع التسعينيات وصولا إلى مزاعم الدولة المدنية والتوافق والانتخابات الحرة والنزيهة.
– التراجع الرهيب في مجال الحريات (الرأي والتعبير.. الصحافة والإعلام والتضييق على أصحاب الرأي المخالف والتحرش ببعض المدونين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي).
عدم استكمال قانون السلم والمصالحة الوطنية وتعطل بعض بنوده وبقاء قضايا مهمة ما تزال عالقة.
لست متشائما ولكنني أصف مشهدا لم تع فيه السلطة فداحة ما ارتكبت ولم تأخذ الدرس فيما حدث ويحدث في بلدان الربيع العربي، وأن القول بأن الأحداث كانت عفوية فهذا خطأ كبير وتحليل هزيل في تشخيص الوضع، فلا يوجد فعل عفوي، إنما تثور الشعوب لأن الألم أصابها والإحباط مسها وضاقت بها السبل وإلا لماذا لا تثور شعوب العالم الحر والمتقدم.
لقد ضيع علينا النظام الحاكم فرصة تاريخية للانعتاق والحرية والديمقراطية والعيش الكريم، لكن الشعب الجزائري لم ولن ينس وإذا صمت حينا من الدهر فلأنه شعب واع ومسالم آثر المصلحة العليا لبلده لكن على السلطة أن تحذر من انفجاره مجددا في ظل تعنتها واخذ البلد إلى المجهول..
خريف أكتوبر 88 الساخن.. انتفاضة شعب وتغول سلطة..

تعليقات الزوار ( 0 )