الرئيسية أخبار حمس،الجزائر، والآفاق المستقبلية

حمس،الجزائر، والآفاق المستقبلية

كتبه كتب في 17 مايو 2017 - 7:13 م
مشاركة

انهارت مداخيل المحروقات في الجزائر  من 63 مليار دولار في 2013 إلى 27مليار دولار في 2016 أي أنها ضيعت 57% من قيمتها في أربع سنوات. وفي المقابل فاتورة إستيراد البضائع نزلت من 55 مليار دولار في 2013 إلى 49 مليار دولار في 2016 أي أنها سجلت تراجعا بقيمة 11% فقط. وهي لا تستطيع أن تنزل أقل من هذا كثيرا بسبب الضعف الشديد للاقتصاد والإنتاج الوطني.
لمواجهة هذا العجز المالي الضخم  استعملت الحكومة 6 مليار دولار من احتياطي الصرف سنة 2014 و 34 مليار دولار في 2015 و30 مليار دولار في 2016. والنتيجة ستكون انهيار الاحتياط المالي تماما وإفلاس الدولة كلية. علما بأن سعر برميل النفط لن يتجاوز معدل 55 إلى 60 برميل لعشر سنوات قادمة كما تبين كل الدراسات الواقعية لكل مراكز الاستشراف الطاقوي، وهو سعر لا يستطيع البتة ضمان التوازنات المالية للبلاد، وهذا دون حساب تراجع الإنتاج وارتفاع الاستهلاك المحلي.
كان من الممكن أن تكون الانتخابات التشريعية 04 ماي 2017 فرصة لتوفير مؤسسات تمثيلية قوية تستطيع مواجهة هذا الواقع الخطير والانطلاق ضمن تشاور وتعاون حقيقي بين كل القوى السياسية لمنع الأسوء والتوجه نحو بناء اقتصاد وطني خارج المحروقات ينقذ البلد من الإفلاس والفقر المعمم ثم الانفلات وتهديد الوحدة والسيادة الوطنية، غير أن السطو على الإرادة الشعبية وعدم تحرك أغلبية الناخبين للتصويت بغرض مقاومة هذا السطو  أفرزت الانتخابات نفس القوى الحاكمة التي فشلت في تحقيق التنمية في زمن البحبوحة وفشلت في وقف الانهيار في التوازنات المالية الذي تعبر عنه الأرقام التي ذكرناها أعلاه، فلا يتوقع أن تقدر على تحقيق أفضل من هذا في مستقبل الأيام.
نتمنى أن نكون مخطئين و رغم عدم قناعتنا بكفاءة من يحكومننا سنبقى نقدم البدائل والحلول والنصائح، غير أنه من واجبنا أن نستشرف السيناريوهات الأسوء التي هي أكثر رجحانا لنحدد واجباتنا الوطنية بدقة في ما يستقبل من الأيام.
السيناريوهات المحتملة اقتصاديا:
1- اللجوء للمديونية رغم عدم القدرة على السداد باعتبار أن الضمان الوحيد للسداد في الجزائر هي المحروقات، وهي حالة اليونان  الذي غرق في  الديون والمساعدات  الأوربية ودخل في أزمات دائرية لم يتعافى منها إلى الآن، ومن نتائج ذلك انهيار كل الأحزاب التقليدية التي حكمت اليونان من قبل . علما بأن آثار المديونية على الشعب الجزائري خطيرة جدا لأن المقرضين يشترطون عن طريق صندوق النقد الدولي إعادة هيكلة الاقتصاد وإنهاء دعم الأسعار ووقف كل أنواع التحويلات الاجتماعية حتى يضمنوا استرجاع أموالهم بفوائد ضخمة مع أخذ هامش واسع من الامتيازات تفقد السيادة الوطنية. وهذه الحالة ستؤدي لا محالة إلى توترات واضطرابات اجتماعية ضخمة متصاعدة.
2- عدم الاستدانة بقرار وطني ، كما هو موقف رئيس الجمهورية إلى الآن، أو لعدم توفر  مقرضين بسبب عدم توفر ضمانات التسديد وهي حالة تؤدي كذلك إلى اضطرابات اجتماعية أضخم وأسرع من الأولى.
السيناريوهات السياسية:
هاذان السيناريوهان الاقتصاديان يؤديان إلى سيناريوهين اثنين على المستوى السياسي:
1- سيناريو الحل الأمني وهو محاولة التحكم في التوترات الاجتماعية بالقبضة الحديدية وهو سيناريو لا يعمر طويلا في غياب الموارد المالية الكافية لمؤازرة المؤسسات التي تتولى القمع مهما كانت، فذلك الذي تبينه التجارب البشرية والسنن الاجتماعية. وهي حالة يمكن تجنبها إذا توفرت أحزاب ومنظمات ذكية في التعامل مع حكم مترهل قلق، والاستراتيجيات من هذا النوع جربت في العديد من الدول وحققت نجاحا معتبرا.
2- سيناريو اليقظة المتأخرة :  مباشرة عند اشتداد الأزمة أو بعد فشل القبضة الحديدية، وهو انتباه الحكام أو جزء منهم بأن ثمة خطرا داهما على مصير الجزائر كلها فيسارعون إلى مصالحة سياسية كبرى والتفاوض الصادق من أجل الانتقال السياسي الآمن دون تدخل أجنبي، وتكون الانتخابات الرئاسية سنة 2019 هي المناسبة الأولى و/أو الانتخابات التشريعية سنة 2022 هي المناسبة الثانية، أو قد تكون استحقاقات أخرى يتفق عليها وفق الظروف التي يفرضها الواقع. وهو سيناريو قد يكتب له النجاح ولكن بتضحيات جماعية كبيرة .
3- سيناريو الأزمات الدائرية على شاكلة ما هو موجود في مصر وهو سيناريو مفتوح على كل السيناريوهات الأخرى، وهو سيناريو عرفته الجزائر منذ 1986 عند انهيار أسعار البترول وما نتج عنه من اضطرابات اجتماعية بسبب صعوبة المعيشة والندرة والفساد مما أدى إلى أحداث 5 أكتوبر 1988. لم تجد الدولة في تلك الفترة من حل سوى الاستدانة، ومع ثقل  عبءخدمة الديون وانهيار أسعار النفط مجددا في بداية التسعينيات لجأت الدولة آنذاك إلى إعادة جدولة ديونها مع صندوق النقد الدولي الذي فرض إعادة الهيكلة وما نتج عنها من آثار اجتماعية مزرية  ( للتذكير : اتفاق الاستعداد الائتماني في 3جوان 1991 ثم الرضوخ إلى حتمية إعادة جدولة الديون بين 1993 و1995 والسقوط تحت رحمة صندوق النقد الدولي ونادي باريس ونادي لندن) وكانت النتيجة التي رآها المواطنون ولسعتهم آثارها تدهور المعيشة وضعف الدولة وما صاحبها من بروز موجات التطرف والإرهاب وما عرفته الجزائر من مأساة. والأهم في هذا السياق أن الأزمات الدائرية لم يتم التحكم فيها نهائيا آنذاك إلا بسبب ارتفاع أسعار البترول وهو الأمر غير المتوفر في الأزمات المقبلة.
4- الانفلات  والدخول في فتنة كبيرة تتيح فرصة التدخل الأجنبي ومن أبرز مخرجات هذا السيناريو هو تقسيم الجزائر إلى عدة بلدان، وقد يكون هذا السيناريو مخططا له منذ مدة وفق نظرية ” الضرب من الخلف” التي تنتهجها الدول الاستعمارية حين تريد تقسيم البلدان ومفاد هذه الاستراتيجية هو دفع الدولة لتكون فاشلة ثم الإجهاز عليها بضربة  واحدة من الخلف فتسقط وتنشأ على إثرها دول عدة بقدر التنوع العرقي والديني والاجتماعي والجهوي والسياسي والاقتصادي ووفق ما تريده القوى الاستعمارية.
السيناريوهات المجتمعية:
إن الذي يؤثر في تطور هذه الأزمات،  إيجابا أو سلبا، بعد ضياع فرصة الحكومة التوافقية صاحبة الرؤية الاقتصادية والسياسية هي حالة القوى المجتمعية التي ستتطور وفق سيناريوهين :
1- مجتمع غاضب مشتت مفتت بدون مرجعيات وبدون قيادات مقبولة وبدون أحزاب ومنظمات  قوية ذات مصداقية: وفي هذه الحالة تبقى تيارات المجتمع متناحرة وسلبية تتعامل مع السلطات تعاملا نفعيا ما دامت هذه السلطات قادرة  على توفير  الخدمات والمصالح الفردية والجماعية، وحين تنفذ القدرات التمويلية تماما تصبح لغة الشارع هي لغة التخاطب بين السلطة والشعب من خلال الاحتجاجات المتصاعدة التي  تبدأ بشكل جزئي ثم تتعمم، ثم تتطور إلى عنف متبادل يؤدي إلى السيناريو الأسوء في ما ذكرناه أعلاه.
2- مجتمع غاضب ولكن منظم ويتوفر على مرجعيات فكرية ودينية وسياسية وأحزاب ومنظمات مقبولة وذات مصداقية وعاقلة وذات كفاءة تتمكن من قيادة التغيير والضغط على السلطة ضمن ميزان قوة يتطور لصالح المجتمع وليس لصالح السلطة بما يحقق الانتقال السلس المتفاوض عليه،  وفي حالة هيمنة لغة الشارع تتمكن تلك الوسائط الاجتماعية، أحزابا ومنظمات وشخصيات، من قيادة الاحتجاجات بما يجعلها ضاغطة على النظام السياسي دون انفلات أو استعمال العنف  ودون إتاحة الفرصة للنظام السياسي لرسكلة نفسه وصناعة بدائل جديدة وهمية.
من هذا المنطلق يتأكد بأن الحزب السياسي الوطني الجاد هو الذي يريد المحافظة على فاعليته ومصداقيته وجاهزيته لخدمة بلده، ولو بعد حين، هو الحزب الذي حينما يرى نفسه أمام حكم لا يتمتع بالرشد ويصنع  الأزمات ولا يجد فرصة للتأثير فيه من الداخل يتجنبه و يضع نفسه في  السيناريو المجتمعي الثاني، فيحتاط لوطنه بالعمل السياسي في المعارضة الإيجابية احتياطا لسيناريو اليقظة المتأخرة للنظام السياسي في الاستحقاقات المقبلة إن تحققت ضمن موازين قوة جديدة لن تتطور في كل الأحوال لصالح النظام السياسي، أو على الأقل يحافظ على مصداقيته لكي لا يحرم وطنه من بديل نافع مجرب يساهم مع غيره في تأطير المجتمع في فترة الأزمات المتوقعة لتجنب الأسوء وربما تحقيق  الإقلاع والنهوض … ولو في أصعب الظروف.

تعليق

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً